قانون حماية الأسرة من العنف.. ودعوى الردة !

بقلم: موفق مطر

التقدير والثناء والاحترام لكل من اجتهد لإخراج قانون حماية الأسرة من العنف وقدمه للحكومة بعد جملة النقاشات والتعديلات ، لكن هذا القانون لم يعد ملكا لشخص مناضل في مجال حقوق الإنسان أو ملكا لمؤسسة أو منظمة حقوقية ، فقد أصبح ملكا لكل المناضلين في حركة التحرر الوطنية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، والمسؤولين في حكومة السلطة الوطنية ، وبمعنى آخر بات مشروع القانون ملكا للشعب الفلسطيني الذي يجب ألا يتقدم عليه شعب عربي أو أجنبي في قضايا حقوق الإنسان وتطبيق أرقى أشكال العدالة والمساواة بين المواطنين ، فنحن أقدر الشعوب في العالم على الإحساس بالظلم والعنف والإرهاب المادي والنفسي الواقع علينا من الاحتلال منذ حوالي مئة عام .

حركة التحرر القوية لا تسمح بمرور أجندات مشبوهة مرتبطة بمشاريع منظومة الاحتلال التدميرية ، وعليها إبداء العين الحمراء تجاه كل من يعمل على تخريب النسيج الاجتماعي ، وأخذ المجتمع إلى قوانين جماعة أو حزب هنا أو هناك ، وإلا فإننا نكون بذلك قد سمحنا لهؤلاء المرتبطين ببرنامج التخلف والظلم والاستعباد المشتق من المشروع الصهيوني بتفجير فكرة الحرية والتحرر والاستقلال في دماغنا الوطني ، ونعتقد أن أفضل صورة يريد المحتلون الغزاة رؤيتنا بها هي صورة همجية وتسلط وعنف تسود أركان مجتمعنا ، تكون المرأة فيها الضحية رقم واحد ، فهؤلاء الظلاميون ومعهم الغزاة المستعمرون العنصريون يدركون جيدا أن المرأة الحرة ستنجب أحرارا ، أما العكس فهو ما يعملون على تحقيقه فينا متضامنين .

نحن على يقين أن حكومة السلطة الوطنية التي يرأسها اليوم عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، العمود الفقري لحركة التحرر الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ، لقادرة على إقرار القوانين وتنسيبها بعد أخذ حقها من النقاش والحوار من جهات الاختصاص ، لأن قيادة حركة التحرر تعمل وتناضل من أجل رفع مقومات الصمود والمجابهة مع منظومة الاحتلال العنصري الذي يجنح نحو تطرف وعنف داخلي بسرعة هائلة وهو أمر طبيعي في تركيبة مجتمع قام على أساس العنف والإرهاب الدموي ضد الشعب الفلسطيني ، فالقيادة ونحن معها لا نريد أن يرانا العالم بصورة مخالفة لصورة الشعب الحر المستقل القائمة دولته على قوانين العدالة والمساواة والحرية ، الضامنة لحق كل فرد بالحياة الكريمة دون استثناءات أو استسلام للظروف أو تبريرات تحت بند العادات والتقاليد العشائرية العائلية المنغلقة ، فما يحكمنا ويسيرنا أن الله أراد للإنسان أن يكون بمشيئة حرة ، وأن ليس لإنسان على إنسان أن يقهره أو يظلمه أو يسلبه حقه ، وأن أعلى درجات الإجرام عند بني آدم من يفعلون ذلك باسم الله .

أفظع جريمة على الإطلاق يرتكبها سلطويون ذكوريون ، لاحدود لمطامعهم الرغبوية الجنسية والمادية في الدنيا ، يستخدمون الدين ، ويتخذون من مصطلحات عقيدة سماوية روحية لهذا المجتمع أو ذاك لإرهاب من يخالفهم ولا يتبع أهواءهم ولا يطبق تعاميم شيطان جماعتهم ، يشرعنون الحجر على أنماط تفكير الناس وسلوكياتهم ، ويهدرون تحت عنوان ( الردة ) دماء المؤمنين بحقوق الإنسان المولودة معه طبيعيا ، والمشروعة في كتب السماء وقوانين أهل الأرض الحكماء العقلاء .

يباغتون شعبنا الفلسطيني في أوج صراعه الوجودي مع منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري الإسرائيلي ، فيحملون بإرهابهم وعنفهم المتأصل فيهم والموروث من البشرية المتوحشة على الذين أخذوا على عاتقهم تنوير دروب المجتمع بجنسيه ، وتحريره من شراك هؤلاء الذين لا هم لهم ولا عمل إلا إدامة سطوتهم وسيطرتهم وسلطانهم على المجتمع وإخضاعه تحت ضغط الحرام والكفر أحيانا ، والردة أحيانا اخرى ، وتخويف الإنسان المفكر الحر بالمقصلة كحل لنهاية خط النقاش والحوار معهم الذي هو في حقيقة الأمر خط البداية دائما عندهم .

يسعى هؤلاء لسد منافذ ضوء الحرية والتحرر كلما استطعنا الوصول إليها في إطار كفاحنا الوطني مع منظومة الاحتلال ، فأصبحنا على يقين بشراكتهم مع المنظومة في هدف إذلالنا وقهرنا والسيطرة علينا وتسييرنا كعبيد مسخرين لخدمتهم وفي أحسن الحالات كروبوتات أنيقة ، نطيع أوامرهم ، ونمجد سلطانهم الذي يخادعون به العامة من الناس بفرية أنهم مكلفون من الله ، وأنهم كبار قوم وعشائر ، فينشرون أن الدعاة لنظم القوانين الحافظة الضامنة لحياة وحرية وحقوق الإنسان ملحدون ضالون مرتدون كفرة يحق إقامة الحد عليهم ، وللحد عند هؤلاء معنى واحد فقط : اقتل واسفك دماء معارضيك فتسود وتتسيد.

لا يتورعون عن تهديد السلم الأهلي في المجتمع حتى لو أدى الأمر إلى إشعال نسيجه بشرارة التكفير والتخوين وكيل الاتهامات بالردة لكل من يفكر بنظم قوانين تحمي الفرد في مجتمع الدولة من التسلط والظلم والاستكبار والاستبداد المستمد من الموروث المحرف والعادات والتقاليد المتناقضة مع تطور الإنسانية ، والمنسوب ظلما وبهتانا للدين ..وهذا ما لمسناه في الأمس القريب في واحد من هؤلاء ممن تتأصل في نفوسهم هذه العقلية برفع دعاوى قضائية بتهمة الردة ضد كل من يقف وراء ( قانون حماية الأسرة من العنف) نظما وتشريعا ومقررا ، واختار الضحية لتكون حسب نظرهم وتقديراتهم شخصية حقوقية ( سيدة محامية حقوقية ) ظنوا أنها الحلقة الأضعف في المجتمع ، كعادتهم في تحقيق أهداف إرهابهم .

هدفهم الأكبر والأعظم حركة التحرر الوطنية الفلسطينية ومنع إرساء المجتمع الفلسطيني على قواعد سيادة قانون العدالة والمساواة والحرية واستقلالية القرار ابتداء من حرية وقرار الفرد إلى حرية واستقلال قرار حركة التحرر الوطنية ودولة فلسطين ، أما استهداف المحامية خديجة زهران هذه المرة فإننا نراها بمثابة تجربة لالتقاط ردود الفعل ، والبناء عليها ، فإما التوغل أكثر للوصول إلى عصب حركة التحرر الوطنية ونظام الدولة الفلسطينية ، أو التوقف ومراجعة أساليب الهجوم وأدواته وللتزود من خبرة منظومة الاحتلال في هذا المجال ما استطاعوا.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version