التحديات السياسية والإستراتيجية التي تواجه العالم العربي وتهدد أمنه القومي

يقوم الأمن القومي العربي على فكرة قدرة الدول العربية على حماية الأمة العربية من الأخطار الخارجية والداخلية القائمة أو المحتملة وتحقيق فكرة القومية العربية ، وهو ما يتجاوز الواقع الحالي للوطن العربي ، وما يتعرض له أمنه القومي من تهديدات ، والتي تشمل:

1- خطر وجود “إسرائيل” على الأمن القومي العربي:

كتب البارون اليهودي روتشيلد في عام 1840 في خطابة إلى رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون يبين له خطر نقطة الارتكاز الجغرافي “مصر” ويربطها بالبعد القومي العربي ويبين أهمية وجود دولة يهودية من اجل احتواء خطر نقطة الارتكاز الجغرافي العربي على أوروبا والغرب ، فيقول ” إن هزيمة محمد على وحصر نفوذه في مصر ليسا كافيين لأن هناك قوة جذب بين العرب . وهم يدركون أن عودة مجدهم القديم مرهون بإمكانيات اتصالهم واتحادهم ،وهكذا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض فسوف نجد أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر والعرب في آسيا ، وكانت فلسطين دائما بوابة الشرق ، والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر في هذه البوابة ، لتكون هذه القوة بمثابة حاجز يمنع الخطر العربي ويحول دونه (احمد سليم البرصان ،2007، ص122) ، أي العمل على استمرار عزل نقطة الارتكاز الجغرافي العربي عن القلب العربي الأسيوي ، وكان لهم ما خططوا له وقامت “إسرائيل” في 15 مايو 1948 على التراب العربي في فلسطين وأصبحت بالفعل الحاجز المانع للاتصال الطبيعي بين البلاد العربية ، ليس ذلك فحسب بل وخاضت حروب عديدة ضد الدول العربية ومصالحها منذ حرب عام 1948 ، مرورا بحرب 1956 ، وحرب 1967 ، وحرب 1973 واجتياح لبنان في 1982 ، والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 ، وعلى غزة عام 2008 ، وغيرها الكثير من الخروقات والمجازر سواء بلبنان أو فلسطين ، بل وفى تونس من قبل فى 1 اكتوبرعام 1985 ، والسودان مؤخراً.

وكذلك تبنت “إسرائيل” في سياستها تجاه العالم العربي إستراتيجية المحاصرة ، أي تطويق السياسة العربية ، وهو ما يعرف بسياسة شد الأطراف Peripheral doctrine ثم بترها، كما حدث في السودان والتي انتهت بظهور دولة جنوب السودان في 9 يوليو 2011 بناءً على رغبة دولية قوية لفصل جنوب السودان ، حيث تلاقت جميع المصالح الأمريكية والإسرائيلية وحتى الإفريقية بدول الجوار في إثيوبيا وكينيا وأوغندا حيث دعموا جميعا قوات التمرد بقيادة جون جارنج ومن بعدة سلفا كير بهدف التواجد الفعلي على أرض جنوب السودان التي ترى “إسرائيل” والولايات المتحدة فيها أفضل وسيلة للسيطرة على العمق الإفريقي ، وتهديد الأمن القومي العربي عامة، والمصري السوداني خاصة، وبشكل مباشر، إضافة إلى الحصول على النفط السوداني من الجنوب والاستثمار به.

وكما حدث في التعاون الإسرائيلي الأثيوبي، والذي يهدف أيضاً إلى تحقيق نظرية الأمن الإسرائيلي عن طريق تطويق الدول العربية وخاصة مصر وحرمانها من أي نفوذ في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، فلقد حصلت “إسرائيل” على كثير من الامتيازات العسكرية والإستراتيجية في إثيوبيا ، حيث تواجدت في جزر دهلك بالبحر الأحمر، كما حصلوا على اتفاق تعاون عسكري تتمتع فيه “إسرائيل” بخصوصية التدخل العسكري المباشر في حالة تهديد الملاحة في البحر الأحمر، أو وجود مخاطر أخرى تهدد مصالحها التجارية خاصة في قناة السويس، كما تمكنت “إسرائيل” من بناء قاعدة عسكرية في شمال إثيوبيا تحمل طابع السرية ، وذلك لردع أي تحرك مصري سوداني معاد لإثيوبيا بصورة مفاجئة ، كما تصبح المنطقة في حوض النيل على هيئة قوس حماية من شرم الشيخ إلى جنوب مصر ووضع السد العالي كهدف عسكري ، إضافة إلى القواعد المصرية المنتشرة على جانبي السد العالي ، وذلك الإجراء يدخل المنطقة ضمن دائرة المراقبة في وقت السلم ، بما فيها شمال السودان (حسين سالم أبو شويشة ، 2007، 15) ، وذلك منذ بداية الستينات وعلى كافة المستويات من التعاون ، فلقد سمحت إثيوبيا عام 1960 بعبور خبراء إسرائيليين لمتمردي جنوب السودان الذين يقاتلون ضد حكومة الخرطوم وإقامة اتصالات معهم(Marcel Kitissou, 2004, P.13 ) ، واستطاعت إسرائيل بذلك تجنيد أثيوبيا ضد مصر في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا وحتى في منظمة الوحدة الإفريقية (أحمد سليم البرصان ،2006، ص 154).

2- التحديات التي سوف يفرضها الربيع العربي على الأمن القومي العربي:

تعيش بعض الدول العربية في هذه الفترة ثورتها الثانية، بعد أن خاضت ثورتها الأولى في تصفية الإمبراطورية والانتقال من الاستعمار إلى التحرر، غير أن ثورتها الحالية ليست ضد قوى استعمارية خارجية، بل ضد ظلم داخلي وقع عليها وشمل كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أن هذا الواقع الجديد أوجد تحديات إضافية ستؤثر إيجاباً وسلباً على أمنه القومي وذلك من خلال:

– التعاطي المختلف مع القضية الفلسطينية ومع مسار التسوية الذي وصل إلى طريق مسدود.

– التعاطي مع القوتين المحوريتين الأخريين في المنطقة ، أي إيران وتركيا ، وفق معادلة جديدة تقوم على التعاون الاستراتيجي التكاملي وليس العداء.

– التعامل الجدي مع حالة فراغ القوة التي بدأ المجال الإقليمي للعرب يشهده مع بدء تقهقر مشروع السيطرة الأمريكي على هذا المجال (فارس أبى صعب ،2011، ص 104) .

3- ظاهرة تدويل النظام العربي والوجود الأجنبي على أراضية:

بمعنى زيادة اختراقه من خارجة بما جعل ملفات القضايا العربية الكبرى في أيد غير عربية ، كملف الصحراء المغربية الذي لم يكن يوما مسئولية أية دوله أو منظمة عربية ، وكذلك ملفات السودان ولبنان والعراق والصراع العربي – الإسرائيلي (احمد يوسف احمد ، نيفين مسعد،2011، ص34) ،لتتحول الصورة بشكل أو بآخر إلى تدخل مباشر في المنطقة ، والتي تعد حقيقة لا يمكن إنكارها، وهى ليست جديدة ، بل حالة متواصلة تتعلق أسبابها بمكانه الوطن العربي الإستراتيجية، سواء ما يتعلق بثرواته أو في إطار الصراع الدولي، ولا شك في أن احتلال العراق يمثل نموذجاً صارخاً للتدخل الأجنبي بالمنطقة (صالح بن محمد الخثلان 2008،ص129 ) ، وهو ما تبعة الكثير من الآثار السلبية على الأمن القومي العربي جراء الوجود الأجنبي على أراضية ، والتي منها تزايد الاعتماد العربي على الولايات المتحدة في المجالات الأمنية ، وتغير الإدراك لمصادر تهديد الأمن القومي العربي، إضافة إلى تراجع القضايا الأساسية للامه العربية نتيجة تزعزع الإرادة القومية (محمد حسون ،2010، ص 366).

4- تباين التحديات التي تعانى منها الدول العربية:تختلف التحديات التي تواجه البلاد العربية من مكان لآخر، ومنها ما هو داخلي وما هو خارجي:

*ففي المغرب العربي نجد انه يعانى من التحديات الداخلية أكثر من التحديات الخارجية حيث أصبح الإرهاب مشكلة إقليمية هناك وفرض نفسه كخطر آني ومتوسط المدى بالنسبة لجميع دول المنطقة ، وإن كان بنسب متفاوتة ، ومشكلة البطالة التي تتراوح معدلاتها ما بين 12% ، 14% في كل من الجزائر والمغرب وتونس، وتزيد عن 30% في موريتانيا، إضافة إلى مشكلة الصحراء المغربية التي تتداخل فيها جميع الأطراف الإقليمية والدولية.

*وفى ليبيا فمن المؤكد أن ما حدث بها مؤخراً قد كلف الشعب الليبي تكلفة باهظة دفعها من دماء أبناءة ومقدراته الاقتصادية ووحدته الاجتماعية

*أما في السودان فيعانى من تحديات خارجية تسبق التحديات الداخلية وان لم تمنعها حيث انتهت إحدى فصوله الخارجية بفصل جنوب السودان وظهوره كدولة مستقلة، وما زال باقي فصول التحديات مفتوح وخاصة في دارفور، إضافة إلى التحديات التقليدية من بطالة وانخفاض لمستوى الدخل الاقتصادي ، وما يترتب عنه من تردى في مستوى الخدمات.

*ويعانى الصومال بأقصى جنوب الوطن العربي وعلى نفس القدر من تحديات خارجية تتمثل في التحدي الأثيوبي المستمر، ومشكلات الحدود ، وتحديات داخلية طاحنة أدت إلى انهيار الدولة منذ يناير 1991 ونشوب الحرب الأهلية ، مما أدى إلى تدخل الأمم المتحدة ، بواسطة قوات متعددة الجنسيات، في الفترة من 1992 إلى 1994 ، ولا تزال المساعي العربية والأفريقية تبذل من أجل الحفاظ على وحدة الصومال وسلامة شعبه واستقلاله، وما زالت الصومال تشكل إحدى بؤر الصراع التي يعانى منها الوطن العربي وإحدى نقاط الضعف في نظام الأمن القومي العربي.

*وفى مصر نجدها تعانى من تهديدات داخلية تمثلت في تبعات ثورة 25 يناير وما نتج عنها من اضطراب في المشهد السياسي المصري ، وتحديات خارجية متمثلة في وجود “إسرائيل” على حدودها الشمالية الشرقية وتهديد أمنها القومي في حوض النيل، وربما في المستقبل القريب في دولة جنوب السودان ، وأيضاً كل ما يحدث بالسودان يلقى بظلاله على أمن مصر القومي بشكل مباشر.

*ونجد بشرق الوطن العربي التحدي الخارجي يسبق غيرة من التحديات والمتمثل في إيران وما تمثله من تحدي لأمن الخليج العربي ونفوذها المتزايد وخاصة بالمشهد العراقي، إضافة إلى التواجد الأجنبي بالمنطقة حيث يشكل الوجود العسكري والسياسي للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي والمقترن بالتحالف الإستراتيجي والوثيق مع “إسرائيل” خطراً حقيقياً على بلدان الخليج العربي وشعوبها، حيث اعتبرت الولايات المتحدة منطقة الخليج عام 1973 منطقة مصالح سياسية واقتصادية وإستراتيجية، وارتبط أمن الخليج وبالتالي الأمن القومي العربي بأمن الولايات المتحدة، مما يزج بدول الخليج والدول العربية في استقطابات وتكتلات هي في غنى عنها، ويجرها إلى صراعات إقليمية لا تحتاجها ، وتواجه أيضاً بالإضافة إلى التحديات الأمنية الناشئة عن الوجود العسكري الأجنبي والتهديدات المحيطة بها تحديات أخرى تتمثل في الغلبة السكانية للأجانب فيها، والهوية القومية والوطنية ، إضافة إلى تنامي ظاهرة الإرهاب.

*أما في بلاد الشام فنجد أيضا التحدي الخارجي يتمثل في الضغوطات الإقليمية متمثلة في تركيا وإيران والولايات المتحدة و”إسرائيل”، إضافة إلى التحديات الداخلية المتمثلة في هبوب رياح التغيير على بعض بلدان المنطقة أو ما يسمى بالربيع العربي.

5- الخلافات العربية – العربية:

في ظل ضعف النظام الإقليمي العربي ممثلاً بالجامعة العربية، وعجزه عن مسايرة التغيرات المتلاحقة بالمنطقة العربية ، لم يخلُ النظام العربي وعبر مراحل تطوره من ظاهرة الخلافات العربية العربية، التي بلغت في بعض الأحيان درجة من الشدة جعلتها تنفجر في شكل مسلح ، مثل مسألة الحدود الوهمية بين الأقطار العربية، التي كرست فلسفة الدولة القطرية وعززت كيانها وخلقت خلافات بين العرب تم حل بعضها ومازالت هناك الكثير منها بدون حل إلى الآن، وكذلك الخلاف حول الحدود مع دول الجوار الجغرافي، ومشكلة المياه وما يمكن أن تثيره من نزاعات في المستقبل سواء بين الدول العربية أو بينها وبين دول المنابع.غير أن غزو العراق للكويت في عام 1990 كان بمثابة النقطة الفارقة في العلاقات العربية العربية ، حيث انقسم العالم العربي إلى ثلاثة معسكرات:

الأول أعلن تأييده للعراق واعتبر أن حرب تحرير الكويت عدوانا على الأمة العربية مثلما فعلت الأردن وتبعتها اليمن . ومعسكر تحفظ في موقفة مثل الجزائر وتونس وموريتانيا والسودان وليبيا . ومعسكر ساند الكويت وقام بالمساعدة مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان وسوريا والمغرب

وازداد المشهد تدهوراً بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق في عام 2003، وحالياً أيضاً لا تخلوا الصورة من تنامي ظاهرة الخلافات العربية ، وخاصة في ظل الثورات العربية في بعض بلدانه واختلاف المواقف العربية تجاه هذه الثورات ما بين مؤيد وداعم إلى رافض ومستنكر والى محايد لا يتدخل بأي شكل، وهو ما تكرر أثناء الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وحاليا في اليمن وسوريا، وأدت هذه الخلافات إلى زيادة الانقسامات العربية سواء على مستوى الحكومات أو حتى على مستوى الشعوب ، وهو ما انعكس سلباً على مشروعات التكامل العربي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ، ولا شك في أن استمرار هذه الخلافات يمثل احد أهم العوامل التي تهدد الأمن القومي العربي.

6- التجزئة والانفصال في الوطن العربي:

يشمل الوطن العربى22 دولة على مساحة تقدر بحوالي 14 مليون كم2، ما أدى إلى معاناته من مشاكل التجزئة والانفصال ، والتي أثرت ومازالت في أمنه الوطني والقومي ، وتشكل عائقاً في وجه تقدمه الاقتصادي والاجتماعي.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا