ادارة بايدن الجديده ومخطط الترويج للسلام الاقتصادي ومضمونه الشرق الأوسط الجديد

بقلم: المحامي علي ابوحبله

من يراهن على تغير استراتيجي في سياسة ادارة بايدن في مسار القضيه الفلسطينيه فهو مخطئ ، لان ادارة بايدن في سياستها الخارجيه لن تخرج عن سياسة اوباما وقد شغل حينها نائب الرئيس اوباما وقد يعيد بايدن النظر في الاجراءات العقابيه التي اتخذتها ادارة ترمب بحق الفلسطينيين وتتمثل باعادة فتح مكتب منظمة التحرير بواشنطن واعادة الاموال التي حجبها لكن لن يعود عن قرار القدس عاصمه لاسرائيل وسيركز على السلام الاقتصادي الذي يعود تاريخ مفهوم السلام الاقتصادي إلى شمعون بيرس الذي استهوته فكرة السيطرة على الشرق الأوسط ومقدراته من خلال اعتقاده أن إسرائيل تمتلك من الإمكانات ما قد يؤهلها للعب هذا الدور المركزي, لكنه حاول ان يوازي بين الوصول الى اتفاقات سياسية واقتصادية بشكل مقبول إلى حد ما. لكنه وحزبه لم يكونا جاهزين الى دفع الاستحقاق السياسي المطلوب عربيا وفلسطينيا في تلك ألحقبه .
أما نتنياهو الذي يرفض بشكل مبدئي فكرة حصول الفلسطينيين على أي من أشكال الدولة السيادية ولو في حدها الادنى , والذي سبق له وأن هاجم التفاهمات غير المكتوية ما بين – اولمرت – ابو مازن, وليفني – ابو علاء عامي 2008 و 2009, على الرغم من أنها كان فقط في حدود النقاشات ولم تكن تلبي الحد الادني فلسطينيا, إلا أن نتنياهو وجد فيها إضرارا بالمصلحة الإسرائيلية. وأما خطابه في جامعة بار ايلان حزيران 2009, فلا يمكن اخذه الا في اطار العلاقات العامة والاستخدامات السياسية في حينه, حيث يكفي العودة الى كتابة مكان تحت الشمس لندرك وبكل بساطة انه يرفض التخلي عن أي جزء مما يسميه يهودا والسامرة.
اما الحقيقة فهي أن نتنياهو يدرك حاجة إسرائيل لحالة مستقرة نسبيا, وهو يحاول تجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع جزء كبير من دول العالم ومؤسساته, وحتى لا يبدو عبثيا ومتطرفا مثلما كان حال وزير خارجيته ليبرمان في حينه فقد طرح مفهوم السلام الاقتصادي, محاولا بذلك الإبقاء على بعضا من نبضات قلب عملية السلام. واستطاع وعبر تعاون كبير من منسق اللجنة الرباعية الدولية توني بلير في ابقاء الفلسطينيين حبيسين لما أصبح يعرف ببناء الدولة وأجهزتها ومؤسساتها حتى يتحقق استحقاق الدولة السياسية السيادية.
منذ اللحظة الأولى التي تدحرج فيها مفهوم او شعار السلام الاقتصادي رفضه الفلسطينيون رسميا, عبر سيولا متكررة من التصريحات, وفي بعض الأحيان رافضين المشاركة في مؤتمرات دولية احتضنت فكرة التعاون الاقتصادي في ظل غياب الحل السياسي. و في أحيان أخرى حاولوا إحداث خرق في مفهوم السلام الاقتصادي الإسرائيلي, مثال التقدم بمشاريع اقتصادية في مناطق سي, او محاولة الحصول على دعم من الدول المانحة من اجل إقامة مطار في الضفة الغربية, إضافة إلى محاولة تغيير قواعد لعبة اتفاق باريس الاقتصادي , ولا شك أن هنالك العديد من الأمثلة الأخرى.
مضى على اتفاق اوسلو ما يقارب ثمانية وعشرون عاما, ومنذ لحظة إعلان المبادئ حتى الآن لم يطرأ على مفاوضات عملية السلام اي اختراق يذكر, كامب ديفيد الثانية انهارت, وطابا أصبحت تاريخ يذكر, ومفاوضات التقريب وجسر الهوة 2008 كانت عبثا, ومحادثات ابو مازن اولمرت قبل صعود نتنياهو الى سدة الحكم عام 2009 كانت لط حكي كما يقول المثل الفلسطيني.
خلال ثماني وعشرون عاما , وحتى في ظل عدم تبلور أو طرح السلام الاقتصادي على طريقة نتنياهو والذي يعتقد بانه سيكون سببا للهدوء الأمني والسياسي, لم تخرج السياسية الإسرائيلية عن مفهوم حسن النوايا والتي هي بجوهرها اقتصادية, بدء من التوقف وإعادة دفع مستحقات الضرائب الفلسطينية, وصولا إلى اعطاء اعداد اكبر من تصاريح العمال ورجال الاعمال,التلاعب بعملية السيطرة على المعابر وزيادة وانقاص عدد ساعات عملها. وبالمقابل تجاهل المتطلبات الاقتصادية الحقيقية مثل البناء والاستثمار في المناطق المسماة سي, والتي من شانها ان تخلق استدامة اقتصادية حقيقية. وبالتالي استطاعت اسرائيل ان تستخدم العامل الاقتصادي كجزرة تطوع بها حالات التمرد الانفعالية التي سادت لدى الفلسطينيين قيادة وشعبا, واداة فعالة لادارة الصراع السياسي, وابقائه لكن دون احداث اضرار نوعية لاسرائيل.

سيناريوهات مختلفة لكنها اقتصادية أولا وأخيرا:

كشفت الزيارات لجون كيري وزير الخارجية الأمريكية ايام اوباما عن مجموعة من الحقائق, اعادتنا جميعها الي مربعي السلام الاقتصادي ومبادرات حسن النوايا كأدوات لإدارة الصراع السياسي وليس كآليات لإنهاء الصراع وفق جداول واضحة ومحددة, مرضية للشعب الفلسطيني ولطموحاته في التحرر الوطني, على الرغم من الاختلافات الجزئية ما بين الأمريكان ونتنياهو فيما يتعلق بالتكتيكات التي يمكن استخدامها. الا انها لن تفيد ابدا في ايجاد الحل السياسي. فلقد اثبت التاريخ الفلسطيني ان الرخاء الاقتصادي لا يغني عن التحرر من الاحتلال. فالانتفاضة الفلسطينية الاولى كانت في مرحلة تميزت بمستوى دخل مرتفع, ورخاء اقتصادي اكثر وضوحا اذا ما تمت مقارنته بالمرحلة الراهنة, ومع ذلك تمرد الفلسطينيين لانهم أرادوا حرية سياسية وسيادة غير منقوصة.
ولهذا نرى ان ادارةىبايدن ستنهج اسلوبا يمكن تسميته سلاما اقتصاديا بمنطق حسن النوايا, حيث تتلاعب بطرح مشاريع ازدهار اقتصادي والتشجيع على اقامة مشاريع تخفف من الضائقه الاقتصاديه , بحيث يبدو الامر وكانه الامن مقابل الغذاء, لكنها قد تقدم اكثر قليلا في سبيل دفع الفلسطينين الى العودة للمفاوضات. وهي ضمن سياسة الامريكان الذين تغلب الجزره على العصا عندهم بحيث يريدون مشاريع اقتصادية اكثر حجم, مع بعض الدلالات السياسية لان مصالحهم الاقليمية اكبر مما هي مصالح اسرائيل الضيقة.

وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً وتمعنا “شرق أوسط جديد”، لشمعون بيرس حين تساءل عن ماهية “إسرائيل” المطلوبة، هل هي “إسرائيل” الكبرى جغرافياً أم اقتصادياً، معتبراً أن الظروف القائمة لا يُمكن أن تُنتج “إسرائيل” كبرى جغرافياً، دونما أساسٍ اقتصادي وشراكات مع الجيران تكون الغلبة فيها لـ”إسرائيل”، حيث رأى أنّه من الأنسب إعادة صوغ الخارطة الجيوسياسية في المنطقة بإعادة إدخالها النظام الشرق أوسطي الجديد ضمن أُسس تعاونٍ اقتصادي أمني ثقافي في الإطار الإقليمي. خاصةً وأنَّ هناك دولاً عدة تسعى لمنافستها إقليمياً، ولذا من الأفضل أن تشمل المرحلة القادمة كما نلمسها اليوم بعملية التطبيع شراكةً مع العرب يُضمن من خلالها قبول “إسرائيل” في المنظومة الإقليمية، وتقويتها في التصدي لأيِّ أخطار من الممكن أنْ تواجهها من دولٍ ستحاول حتماً الحصول على قوةٍ نووية أو عسكرية لمحاربتها، فإذا ما كانت الدولة ضمن منظومة الشرق الأوسط الجديد، ترتبط مصالحها بمصالح جيرانها والعكس، فهذا يعني مزيداً من القوة لإسرائيل، ومساحةً أكبر للتحرك، وخياراتٍ أكثر للمفاضلة
على غرار مؤتمر الاستثمار السعودي الذي أُعلن فيه عن “نيوم” ولم يُنفذ لأسباب مختلفة، وما حدث في البحرين حين استضافت مؤتمر أو ورشة عمل الاقتصاديه ضمن مفهوم السلام الاقتصادي
،
لذلك لا يمكن الرهان على تحول استراتيجيً في سياسة ادارة ترمب الخارجيه ، و ما يروج له بين الحين والآخر تحت عنوان تحريك المسار الفلسطيني ، والهدف منه تحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد ويهدف الى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتسعى الاداره الاداره الامريكيه بعهد بايدن إعلاء شأن الجانب الاقتصادي في أي حلول مستقبلية مطروحة، ضمن محاولةً لإلغاء المرجعية القانونية للقضية الفلسطينية، والمبنية على قرارات الشرعية الدولية التي يرغب الفلسطينيون بحل قضيتهم على أساسها، انطلاقاً من قرار التقسيم لعام 1947م، والقرار 242 لعام 1967، والقرار 194، مروراً بأوسلو وحتى مبادرة السلام العربية لعام 2002م، وإحلال مرجعية اقتصادية محلها، تُنسج خيوط بنائها من العلاقات الاقتصادية مع العرب وغيرهم، والتي يُروج لها على أنّها الحامي الأول للمخاطر المحيطة بإسرائيل والعرب والقادمة من إيران وتركيا في خلفية المشهد، وما يُمكن أن تُحققه من ازدهار ونموٍ اقتصادي كبير، استطاعت إسرائيل الترويج له من خلال أذرعها في العالم، وإقناع العرب به عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تلعب دوراً رئيسياً في التطبيع المتعاظم للعلاقات بين العرب وإسرائيل، بالضغط تارة، وبالتمني مرةً أخرى، وهذه الفكرة تُحقق لإسرائيل مكسباً أساسياً في جعلها قوة اقتصادية عالمية، يحتاج الدخول معها في صراعات أو تحديات إلى مراجعة جدية لحسابات الربح والخسارة التي من الممكن أن تحصل، خاصة في ظل تنافس عالميٍ واضح على تحقيق أكبر قدرٍ ممكن من النمو الاقتصادي تطمح به معظم الدول، الأمر الذي يجعل هناك مفاضلة حقيقية بين القضية الفلسطينية والاقتصاد.

الدفع بمشروع السلام الاقتصادي للأمام مرفوض للفلسطينيين كما الشعوب العربيه ما بقي الاحتلال، وطرحه سيضر بمصداقية الجهود الدولية، وسيفرغها من معناها، فالمطلوب هو إنهاء الاحتلال، لا تنمية اقتصادية تطيل عمره، وتذهب بالحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني، لأن أي تنمية اقتصادية مقبولة للفلسطينيين تقاوم الاحتلال، وتعمل على إنهائه وتضع حدا للتوسع الاسرائيلي.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا