ميلاد اول ثائر فلسطيني..

بقلم: مروان اميل طوباسي*

مع تداول مراسلات حول إحتفالات عيد الميلاد المجيد الذي اسموه “كريسماس” ، صادرة عن ما يسمى بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية في غزة، التي أخذها البعض رهينة خارج إطار الوطن الجمعي بأسلوب الانقلاب ، ومع ظهور كتابات للبعض عن التهاني للطوائف المسيحية فقط .
فقد ظهرت تلك التوجهات امس ولاول مرة بما آثار الاستياء الشديد لدى معظم ابناء شعبنا الواحد ليس فقط لابناء شعبناء المسيحين ، نظرا لما عكسته تلك المراسلات والتهاني المبتورة لجزء من الفلسطينين.
لقد شغلت انا سابقا بقرار من الرئيس المؤسس الشهيد ياسر عرفات مهمة وكيل مساعد لوزارة الاوقاف والشؤون الدينية في دولة فلسطين الواحدة، الأمر الذي استغربه البغيض القليل ، هذا القرار الذي كان يعبر عن الفهم والرؤية الوطنية الجامعة للشهيد ابا عمار للقضية الفلسطينية وابعادها ، كما للرئيس ابو مازن ولكل الحركة الوطنية الفلسطينية ، وبأن لا فرق بين اتباع الديانات التي لم يختارها الإنسان فينا من تلقاء نفسه.
فما زلت اذكر عندما قرر الراحل المؤسس أبو عمار تعيني في هذا الموقع الذي آثار دهشتي بالطبع ، ما قاله لي بالحرف الواحد ، “يا خويا، انت ناسي انه انا سميت الوزارة دي، وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، فأنا ما سمتهاش وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، لذلك دي الوزارة لازم اتابع أمور المقدسات والشؤون الدينية لابناء فلسطين، مسيحين او مسلمين ما فيش فرق، دي فلسطين يا خوي”.
إن وثيقة استقلال دولة فلسطين التي أعلنها الرءيس المؤسس ياسر عرفات بالجزائر، حملت معاني المساواة واحترام الاديان السماوية وحرية الفكر و الاعتقاد، إلى جانب ابعدها الفكرية، الاجتماعية والسياسية.
إن دستور دولة فلسطين او نظامها الأساسي أكد على احترام الرسالات السماوية المختلفة وحرية الرأي و الاعتقاد.
لقد كانت مسيرة الثورة الفلسطينية حتى قبل نشؤ منظمة التحرير الفلسطينية ، تعكس في دورها وادائها الموزايك والتجانس الجميل والمميز بين ابناء الشعب الواحد الذين كافة تسابقوا في العمل الوطني والتضحيات على مدار عقود حتى يومنا هذا.
لقد كان الرئيس الشهيد ابا عمار اول من أطلق تسمية “الثائر الفلسطيني الأول” على السيد المسيح، وهو من كان يردد دائما، المجد لله في الاعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. فالمسبح ثار على الظلم والاضطهاد وعلى كهنة المعابد، ليحمل رسالة المساواة والمحبة والسلام ويؤكد في صلبه على قوة الحياة على الموت.
لقد كان الشهيد ابا عمار يداوم دائما على حضور قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ليلة الميلاد المجيد ويحتفل مع كل اتباع الكنائس المختلفة ، وقد استمر الأخ الرئيس ابو مازن في هذا الحضور السنوي بمرافقة العديد من القيادات الفلسطينية في كل عام ، و بتوجيه رسالة الميلاد الي العالم من بيت لحم التي كانت دائما تحظى بالاهتمام والمتابعة من شعوب العالم المختلفة.
لقد انطلقت المسيحية من فلسطين، من القدس وجبل الجلجلة، المكان الذي صُلب به السيد المسيح الى اصقاع الأرض وانتشرت من خلال الرسل، الذين انطلقوا من كنيسة القديس يعقوب بالقدس، وهي الكنيسة التي تقع في كنيسة القيامة مكان قبر السيد المسيح.
لقد ولد ونشاء السيد المسيح في فلسطين منذ الفي عام، ولم يكن او المسيحين العرب ابناء غسان وثغلب من اصول جنس اجنبي، بل عرب اقحاح وأبناء قبائل اصيلة، عاشوا قبل ظهور الإسلام واثروا الحضارة العربية ومن ثم الاسلامية بالعديد من الانجازات و الثقافات وعاشوا لاحقا وحتى اليوم في ظل هذه الحضارة العربية الاسلامية باخاء ، عليهم ما على غيرهم ولهم ما لغيرهم.
اقول باختصار لهؤلاء الجاهلين بالتاريخ والدين ولهولاء الظلاميين الذين لا تحركهم ثقافة الوحدة والوطن ، ان عيد الميلاد المجيد هو ذكرى مولد هذا الرسول الفلسطيني الثائر، وهو ليس حكراً على المسيحين، بل هو كما باقي الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية التي يمتلكها ويفخر بها الكل الفلسطيني هي أعياد الكل الوطني ، وهو بالمناسبة اجازة عيد رسمية للكل الفلسطيني.
هكذا كنا في فلسطين وهكذا سنبقى إلى يوم الدين، رغم أنف الجهلة و الجاهلين ، ففلسطين لا تقبل الطوائف والطائفيين ، والمسيحين كما المسلمين ليسوا بطوائف او غرباء جاليات ، هم مجتمعين أصحاب وطن واحد ومنتمين لهذه الأرض التي ليس لنا وطنناً وارضاً سواها.
وقد قال اللّه تعالى في محكم تنزيله، ،
“إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” ، صدق الله العظيم. سورة آل عمران﴿٤٥﴾
فكل عام وجميع ابناء شعبنا بالف خير ، بأمل ان تحمل الايام القادمة بشائر الحرية والصحة والسلامة والتقدم لكم جميعاً.

* سفير دولة فلسطين في اليونان

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا