العراقي علي الكناني مثل محمد أبو خضير الفلسطيني

بقلم: موفق مطر

“إن بول سلو وزملاءه لا يستحقون قضاء دقيقة واحدة في السجن”، هذا الكلام لمحامي الدفاع الأميركي بريان هيبرليغ عن أحد المتهمين في مجزرة (ساحة النسور) في العاصمة العراقية بغداد في 16 أيلول/ سبتمبر من العام 2007 التي ارتكبها اربعة أفراد أميركيين يعملون في شركة أمنية أميركية تدعى “بلاك ووتر” باستخدام أسلحة رشاشة وبنادق قنص وقاذفات القنابل، وقضى فيها على الفور 14 مواطنا عراقيا بينهم الطفل علي الكناني (9 سنوات).. الكلام يكشف مدى تجذر العنصرية في دولة عظمى لا يكف قادتها السياسيون عن الادعاء أن تدخلاتهم المباشرة وسياساتهم في بلاد العالم عموما وبلادنا العربية خصوصا هدفها نشر مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية في العالم.

البيت الأبيض في زمن الرئيس ترامب تحول إلى مقر مشبوه تسكنه عصابة مافيا عالمية ترى ذاتها في مكانة المهيمن على العالم، لا تعترف بقوانين ومواثيق ومعاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة ومنظماتها، وتظن بإمكانية تسيير العالم بما يتوافق مع مصالحها ويؤمن المكاسب والنفوذ، ولا تفسير لبيان بيت ترامب الأسود بعد قراره بالعفو عن مرتكبي المجزرة، بعضهم محكوم بالسجن مدى الحياة سوى أن هذا الرجل ليس مصابا بانفصام الشخصية ومرض العظمة والتفوق العرقي والمادي وحسب، بل هو خلطة من العنصرية والعقلية الاستعمارية الدموية متجسدة في كيان بشري منسوخ من جينات هتلر وموسوليني وبلفور!.. فالبيت الأبيض في “البيان المعبر عما في ذهن ساكنه رقم واحد اعتبر المجرمين الأربعة محاربين لديهم تاريخ طويل في خدمة وطنهم”!!! وبذلك يثبت لكل ذي عقل أن مفهوم خدمة الوطن لدى ترامب يعني الجريمة، المجزرة، العنصرية، اغتصاب حقوق الانسان، السطو على أوطان الشعوب ومقدراتها، ومنعها حتى من تقرير مصيرها.

قيمة روح ونفس الطفل العراقي الضحية علي الكناني في هذه المجزرة كقيمة روح ونفس الطفل الفلسطيني المقدسي محمد ابو خضير، مع تأكيدنا لرمزيتهما كضحايا منهج إجرامي عنصري، نظمه المستعمرون الغزاة من جنسيات وأعراق عديدة، وطبقوه على شعوب في بلاد آمنة، فهنا عندنا في فلسطين المحتلة تعفو حكومة منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الإسرائيلية عن المجرمين قتلة الأطفال والمدنيين الأبرياء بعد فصول مسرحية المحاكم والاستئناف والروايات الإعلامية المخرجة بدقة، كتقليد مستوحى من النموذج الاستعماري العنصري الأكبر في العالم الحديث.. فجريمة قتل المدنيين الأبرياء في مفهوم رئيس الإدارة الأميركية دونالد ترامب ومفهوم ضابطه نتنياهو الذي يقود قاعدته المتقدمة في الشرق الأوسط (اسرائيل) تعتبر سلوكا طبيعيا، وتحسب ضمن خانة (الزعرنة) أو (التنمر) أو المزاح الثقيل يمكن العفو عن فاعلها بكل بساطة، وكأن النفوس الانسانية التي قتلها مرتزقة الحرب في وكالة (بلاك ووتر) التي ارتكبها ويرتكبها المستوطنون اليهود وجنود جيش الحرب والعدوان الإسرائيلي مجرد ثماثيل خشبية أو جصية تحطمت وتأذت بفعل سلوك انفعالي كالغضب أو سوء التقدير، ونجم عنه رد فعل عنفي دموي، يختلقون له المبررات دائما، حتى لو كانت نتيجته إزهاق أرواح بشرية وإصابة آخرين وتركهم يعانون آلاما جسدية ونفسية وصحية.

قبل يومين، نشر صديق على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (مقطع فيديو يظهر فيه شخصان بزي عربي خليجي مع مقدم برنامج في قناة إسرائيلية يشيدون فيه بإنسانية جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي، ويؤكدون أنهم رأوا ذلك بأعينهم، وهنا يكمن الخطر، رغم أن ناشر الفيديو قد استكمل الشريط بلقطات تظهر بوضوح استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي لأطفال ونساء فلسطين بالرصاص الحي والقصف المباشر، وبعنف بدني وقمع وتنكيل أمام عدسات الصحفيين التابعين لأكبر الوكالات الإخبارية في العالم، ويبقى السؤال أي إنسانية هذه التي رآها هؤلاء المطبعون، ألم يشاهدوا الدماء المسفوكة في فلسطين والعراق، كيف استجابوا لترامب وكوشنير وخضعوا وذلوا أنفسهم، أم تراهم يحتاجون براهين أكثر من عفو ترامب عن مرتكبي مجزرة ساحة النسور ليتأكدوا من نظرة هذا المستكبر الاستعلائية للعربي عموما والفلسطيني والعراقي خصوصا.

يكمن الخطر في تصديق بعضنا العربي دعاية عدالة وديمقراطية إدارة ترامب الأميركية ومنظومة نتنياهو الإسرائيلية، ويكمن الخطر أيضا أن البعض العربي هذا لم تعد تهمه قيمته الإنسانية ولا حقوقه الطبيعية، بقدر اهتمامه بلقمة عيشه، وهذا في بلدان فقيرة أو أفقرت تعيش مشكلات اقتصادية وسياسية، والحفاظ على مستوى رفاهيته العالي في بلدان غنية أصلا لكنها فقيرة لا تقوى على استقلالية القرار، لذا يسهل على إدارة ترامب وحكومة نتنياهو العفو عن القتلة المجرمين، وحجز حرية الوطنيين المناضلين فعلا من أجل تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة.

كأنني أسمع ترامب ونتنياهو يوجه كل منهما جنوده بالقول: “اقتل ولا تلتفت وراءك.. اقتل العربي فنحن سنحميك بصلاحية العفو”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version