نتنياهو العنوان.. انتخابات إسرائيلية رابعة في ظل التلقيح والتطبيع

بقلم: الدكتور عماد البشتاوي

نتنياهو (الحاكم أو المحكوم) هو العنوان الأبرز ليس للانتخابات الإسرائيلية القادمة , بل للسياسة الإسرائيلية في العقد الأخير , كيف لا وهو رئيس الوزراء الأطول الذي تفوق على “مؤسس إسرائيل ” بن غوريون نفسه. و نتساءل هنا عن سر طول بقائه في وسط ساحة إسرائيلية لم تعرف الاستقرار و لا الاستمرار على الصعيد السياسي الداخلي في السنوات الثلاثين الأخيرة على أقل تقدير , بدءاً برابين مروراً ببيريز و باراك و اولمرت وصولاً إلى شارون .

إن الإعلان عن انتخابات رابعة في أقل من سنتين , يكاد أن يكون عنوانها الوحيد نتنياهو . لقد غابت الأفكار و المشاريع و التسويات السياسية عن الدعايات الانتخابية , واستبدلت بشعار واحد فقط , ألا و هو نتنياهو: إما الحاكم أو المحكوم .

أحكم نتنياهو قبضته على الوضع الداخلي في حزب الليكود – بطريقة لم يستطع حتى شارون نفسه أن يقوم بذلك – من حيث استبعاد وإقصاء البعض, و إغراء و تقديم الوعود و الإغراءات السياسية للبعض الآخر لأعضاء قيادة حزبه . لقد شكلت الانتخابات بشكل عام هوايته المفضلة, سواء أكانت داخلية في حزب الليكود, أو على مستوى “إسرائيل” , لكي يحافظ على رئاسته للحزب وبالتالي لرئاسة الوزراء أطول فترة زمنية ممكنة .

لم يترك نتنياهو في حزب الليكود شخصية كارزماتية تنافسه و تهدد زعامته بشكل جدي طوال السنوات الماضية , باستثناء الفترة الحالية , والتي تمخض عنها بروز “جدعون ساعر” , والذي يبدو انه تتلمذ بشكل جيد على يد نتنياهو, و يسير على خطاه , فقد اختار التوقيت المناسب للانشقاق عن حزب الليكود, و تشكيل حزب جديد ( أمل جديد) .

لم تقتصر هيمنة نتنياهو من خلال المراوغة و الدهاء على حزب الليكود فقط , فقد امتد بتأثيره إلى باقي الأحزاب والقوائم من خلال تفتيتها و خلق استقطابات وتجاذبات داخلها, والتخلص منها في الوقت المناسب . وهذا ما جرى مع القائمة العربية المشتركة, حيث نجح نتنياهو في ضرب مكوناتها من خلال استدراج “الحركة الإسلامية” بزعامة منصور عباس , مما أدى إلى ضعفها , و ربما هي في طريقها للتفكك .

ومن ناحية أخرى, فقد نجح نتنياهو في استدراج حزب “أزرق أبيض” و زعيمه ” بيني غانتس” وإغرائه باتفاقية جذابة لتشكيل حكومة “الوحدة و الطوارئ” , و بمنصب مستحدث ( رئيس وزراء بديل ) , و بوعود وهمية على التناوب, و في الوقت ذاته , كان يبيت له النية للتخلص منه , من خلال إظهاره للشارع الإسرائيلي بمظهر الضعيف المنقاد – وهذا ما نجح به نتنياهو , مما سهل عليه تطويعه و ضمان تبعيته , بعد أن أشارت جميع استطلاعات الرأي و بوضوح إلى تدهور حزب أزرق أبيض و شعبيته, حيث لم يبد “غانتس ” , و على مدار الأشهر الماضية , أية دلائل تشير على قدرته على مجاراة نتنياهو, أو حتى الاقتراب من مكانته, بل على العكس تماماً, كان أقرب ما يكون للتابع له , والمنجر خلف سياساته .

الانتخابات الرابعة في أقل من سنتين , كانت إحدى الأوراق القوية التي استخدمها نتنياهو للضغط و المساومة على الحلفاء قبل الخصوم , لاسيما و أن جميع استطلاعات الرأي تعطيه الأفضلية في جميع الحالات .

هناك فقط ثغرة تتعلق بعامل وقت وتوقيت الانتخابات . هو ما حاول نتنياهو التحكم به و السيطرة عليه , في محاولة منه للتخلص من الآثار المترتبة على جائحة كورونا صحياً و اقتصادياً , والتي قد تؤثر بشكل أو بآخر على هيمنته على الساحة السياسية , ومن هنا كان حرصه على تأمين اللقاح بأقصى سرعة .

بمجرد وصول اللقاح و بلوغ التطبيع العربي ذروته, وجد نتنياهو في الانتخابات ضالته للتخلص من غانتس “حليفه اللدود ” واتفاقية التناوب التي أبرمت معه . نعم لقد كان رهان نتنياهو ولا يزال على قضيتي (التلقيح والتطبيع ) للعودة مرة أخرى الى رئاسة الوزراء . و سيكون رهانه على الاستمرار في ممارسة سياسته المفضلة, في تفتيت خصومه في معسكر اليمين , وإثارة المخاوف و الشكوك فيما بينهم ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف , أمام خيار واحد ووحيد هو نتنياهو .

ومن ناحية أخرى , سيبذل قصارى جهده لتوسيع دائرة التطبيع العربي و الإسلامي , و القيام بزيارة بعض الدول المطبعة , و دعوة البعض الآخر لزيارة “إسرائيل “. إن نتنياهو يشعر الآن بان التطبيع و التلقيح هما الورقتان الرابحتان بيده ,والتي من خلالهما يستطيع هزيمة الخصوم .

من غير الواضح لمن ستؤول الزعامة بعد الانتخابات , لكن من المؤكد أنها لن تخرج عن إطار اليمين بشقيه الديني و القومي . إن الأشهر الثلاثة القادمة هي فترة زمنية طويلة في منطقة تعج بالأحداث و المفاجآت و التقلبات . و لا يجب أن لا يغيب عن بالنا أننا أمام شخص لا يتورع عن استخدام أو استحداث أية وسائل للبقاء في الحكم , أولاً : بسبب شغفه بالسلطة وإدمانه عليها , و ثانياً :لمحاولة كسب الوقت من أجل إقرار قوانين و تشريعات تبعده عن المحاكمة و السجن .

* أستاذ العلوم السياسية/ جامعة الخليل – فلسطين

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا