تعجلت الرحيل يا مجدي

بقلم: عمر حلمي الغول

قافلة الموت والرحيل إلى دار الخلود تسير بسرعة، وكأن الأحياء لم يعودوا يحتملون العيش وسط لعنة وشؤم الواقع البائس والخطير، الذي تعيشه البشرية، لن أتوقف أمام كل فرد باسمه ولقبه وموقعه ومكان وزمان رحيله، بيد أني سأتوقف أمام إنسان قريب وعزيز وغالٍ على قلبي، هو صهري، وصديقي، وشقيق زوجتي أم نادر، وخال أبنائي، وابن الخال محمد (أبو العبد)، وشقيق الشهيد العميد فتحي، الذي استشهد في تونس مطلع تشرين الأول/ اكتوبر 1985، إنه الفارس الشجاع، والبطل المغوار محمد (مجدي) محمد أحمد الغول، الذي وافاه الأجل صباح أمس الأول الاثنين، بعد اشتداد المرض، وتكالب شظايا إحدى الطائرات الحربية الصهيونية، التي أصابته أثناء الانتفاضة الثانية عام 2000 في قطاع غزة، وهو في مواقع الدفاع عن السلطة والثورة.

عشرون عاما كاملة تعايش مجدي مع الشظايا في رأسه، وتحمل وحشيتها، وقذارتها، بيد أنها غيرت من تكتيكاتها ومناوراتها في رأسه الصغير قبل ما يزيد على العام، وأرغمته على الدخول لأكثر من مستشفى، الأردن في عمان ثم سعاد كفافي في مدينة 6 اكتوبر المصرية، ومستشفى فلسطين في القاهرة، قاوم حرب الشظايا باقتدار، لكن مقاومته تضاءلت مع اشتداد حدة الألم، إلى أن غادرت روحه الطاهرة الأرض بسلام إلى بارئها.

ترجل اللواء مجدي (أبو وائل) أحد فرسان قوات الـ17 وحرس الرئاسة في بيروت ومحافظات الجنوب، الذي التحق بحركة فتح وعمره لا يزيد على أحد عشر عاما، وذهب الطفل مجدي وحده في اذار/مارس 1968 إلى الكرامة للدفاع عن الثورة، غير أن الرئيس الرمز أبو عمار آنذاك أعاده مع والدته، التي لحقت به باحثة عنه. لكنه لم يستسلم، وتوجه لمعسكر الأشبال في جبل الهاشمي الشمالي، وواصل مسيرته الكفاحية منذ نعومة أظفاره. وعندما غادرت قوات الثورة الأردن، غادر معها إلى لبنان، وشارك في كل معارك الدفاع عن الثورة، ثم غادر إلى تونس بعد اجتياح حزيران 1982، ولاحقا التحق هناك بالكلية الحربية في الجزائر (تشرشال)، وتخرج منها بجدارة.

ولم يتوقف مشواره الكفاحي عند ذلك، بل التحق بإحدى المجموعات الفدائية، وكان من المفترض
أن يكون ضمن مجموعة دلال المغربي ورفاقها الأبطال، لكن لأسباب موضوعية، تم تأجيل مشاركته، ولاحقا أرسل ضمن مجموعة أخرى من قبرص إلى داخل الداخل، وتم القبض عليه، وعلى مجموعته قبل وصولهم الشاطئ الفلسطيني من قبل قوات البحرية الصهيونية، وتم اعتقاله خمس سنوات كاملة، وبعدما خرج واصل مشواره النضالي، ثم عاد مع من عاد من قوات الثورة ضمن قوات الـ17 إلى الوطن الفلسطيني وبالتحديد لقطاع غزة، ودافع عن الإرادة والشرعية الوطنية في مواجهة الانقلاب الأسود أواسط 2007، وبقي الأخير إن لم أكن مخطئا في المنتدى (مقر الرئاسة في غزة) بعدما انفض رفاقه من حوله.

المناضل مجدي واصل البقاء في القطاع تحت نير حكم الانقلاب الأسود، وتعرض للمضايقات، ومحاولات الاعتقال، لكنه لم يهب، ولم يهادن الانقلابيين الحمساويين، وهاجمهم في كل منبر، وتصدى لممارساتهم وانتهاكاتهم. وشارك عضوا كاملا في المؤتمر السابع لحركة فتح في رام الله 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وفي عام 2017 خرج مع عائلته لجمهورية مصر العربية إلى أن وافاه الأجل.

رحل أبو وائل عن عمر 62 عاما، وهو بكامل عنفوانه وقوته وعطائه. لكن يد الموت كانت العليا، وهذا ما شاء الله وقدر، ولا راد لقضائه، غير أن الضرورة تحتم وتملي علي أن أقول كلمة حق بصديقي وحبيبي وصهري وفاءً له ولعطائه الوطني، ولإخلاصه لحركته الرائدة، حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، التي لم يخذلها يوما، وتمسك بها تمسك المؤمن بها وبدورها وبريادتها وقيادتها، ودافع عن شرعيتها دون تردد أو تلعثم أو انحراف. وكان اللواء المتقاعد عنوانا للبسالة والشجاعة والكرم والوفاء والتواضع، واحترام الآخر، وابناً بارا بوالديه خاصة والدته، التي أقامت الفترة الزمنية الأخيرة عنده، إلى أن وافاها الأجل في 13 من كانون الأول/ ديسمبر 2007، وكان سندا لأخواته وإخوانه، مع أنه كان الابن الثامن وقبل الأخير، كان حنونا، وطيب النفس وشهما وفارسا بامتياز. وكان ابا عطوفا ورؤوفا وحانيا وغيورا على أبنائه وزوجته، لو استطاع أن يلبي لهم مطالبهم جميعها لما تأخر لحظة.

ترجل أخيرا الصهر والحبيب والغالي أبو وائل، بيد أن سجله الكفاحي، وعطائه للثورة وللحركة ولعائلته وللشعب سيبقى ساطعا في سجل الخالدين مع من سبقوه لدار الخلود.

رحمة الله على اللواء والصديق الحبيب مجدي.

oalghoul@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا