هل تؤسس “فتح ” لحوكمة النظام السياسي؟

بقلم: مهند أبو شمّة

ليس هناك من ينكر أن فتح هي حركة الشهداء والأسرى؛ وحركة التضحيات والعمليات المسلحة النوعية؛ فهي حركة عتيقة متجددة؛ قفزت قفزة طويلة للإمام بقراراتها الجريئة التي اتخذتها في توصيف من لا يحق لهم الترشح للمجلس التشريعي، مسجلة بذلك تحولاً جديداً ومتقدماً في توسيع قاعدة المشاركة الفتحاوية في إشغال المواقع القيادية ضمن منظومة النظام السياسي الفلسطيني.

دون تحيز وبموضوعية يمكن القول إن حركة فتح –اليوم- بقراراتها الداخلية القاضية بتغيير نهجها في اختيار مرشحيها، إنما ترسم معالم جديدة للنظام السياسي الفلسطيني في المرحلة القادمة، وهو ما يشكّل سابقة فلسطينية وسبقا مؤسسيا يُسجّل في تاريخ الحركة، فمن يدقق في قرارت الحركة يدرك تماماً أن النظام السياسي الفلسطيني على عتبة تغيير واصلاح شمولي إذا ما اكتملت المرحلة بمكوناتها كافة، لتغدو مرحلة يطفو عليها نهج ومنهج نظام سياسي “محوكم” يحدّ من الازدواجية ويحقق العدالة وتكافؤ الفرص، ويعزّز الشفافية والمساءلة من خلال المرجعيات الحركية، فالإدراك الحالي لحركة فتح يبرز مدى الحاجة الملحة لنهج تغيير؛ ينمّ عن نضج سياسي وفهم معمق للواقع الفلسطيني، وحاجة الشارع الفلسطيني لتغيير من هذا القبيل، وباستحضار واع لحقيقة أن الانفتاح الثقافي والاجتماعي للناخب الفلسطيني يُحتّم على كل الحركات والفصائل_ لا على فتح وحدها _ إعادة النظر والتدقيق جيداً في مرشحيها من باب الحفاظ على ديمومتها، وبما يوفّر مرجعيات مساءلة لمدى التزام المرشحين لاحقاً في البرنامج الانتخابي للقوائم والذي يعتبر الإطار المرجعي العام للمساءلة؛ حركية كانت أم شعبية، فالتنافس بين القوائم في قادم الأيام سيكون عنوانه ” التغيير والمساءلة ” في مختلف مناحي الحياة بتفرعاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، وتجويد الخدمة في مجالات الحياتية المختلفة من صحة ، وتعليم ، وأمن وأمان، وبنى تحتية، واقتصاد، وفرص توظيف، وإدارة المال العام بكفاءة وفاعلية وبأعلى درجات الشفافية، فالشفافية تفرض نفسها كمطلب جماهيري أساسي في المرحلة القادمة.

اليوم وبعد أنْ قررت الأطر القيادية في حركة فتح اختيار مرشحيها بعيداً عن كل شاغلي المناصب الحركية المتقدمة أو الوظيفية؛ تبرز العدالة وتكافؤ الفرص، فلن يكون للمنصب الحركي أو الوظيفي الرفيع أمنيا كان أم مدنيا فرصة لسببين؛ أولهما عدم تعددية المناصب للشخص ذاته وبما يفسح المجال للآخرين، وتوسيع قاعدة الشراكة داخل الحركة ، وثانيهما الحد من قدرة المرشحين في استخدام قوة السلطة الوظيفية في التأثير أو التغيير في اتجاهات الناخبين بطريقة أو بأخرى .

انطلاقا مما سبق، وبناء عليه، وتأسيسا على ما توفرّه التوجهات من آفاق، فإن على “فتح” أن تدرك – وقبل فوات الأوان- أن التاريخ النضالي والسياسي والمجتمعي والمهني والعلمي للمرشحين سيكون محل مراجعة وتدقيق وتمحيص من الناخب الفلسطيني، وهو ما يمكن تلمّسه دون عناء بمتابعة حديث الشارع الفلسطيني اليوم، فلن يكون صعبا على أي متتبع أن يدرك تماماً مدى شغف الفلسطينيين لاستكمال العملية الإنتخابية وممارسة الحق الديمقراطي في اختيار ممثليهم، وكما ارتقت فتح في تحديد من لا يحق لهم الترشح للمجلس التشريعي ضمن قائمة الحركة، فهي مطالبة أيضاَ بالمحافظة على هذا الرقي بتعزيز وإرساء مبادئ الحكم الرشيد باختيار قادة برلمانيين ليكونوا رأس حربة في إحداث التغيير في كافة المجالات والقطاعات، وعلى صعيد المساءلة فإنه مطلوب من الأُطر الحركية في مرحلة لاحقة مساءلة مرشحيها عن أدائهم وسلوكهم ومدى التزامهم بالبرنامج الانتخابي للحركة.

بطبيعة الحال؛ لا يخفى على أحدٍ اليوم أن الوعي الفلسطيني بكل ما يحيط به لا ينتظر أسماء المرشحين فحسب، بقدر التطلع للبرنامج الانتخابي للقوائم كلها، فهناك استحقاقات تهمّ للناخب الفلسطيني الذي يتطلع لأن تتحقق من خلال البرنامج الانتخابي للقوائم، وهو ما يقتضي مراعاة مدى انعكاس ذلك على الحياة اليومية في المجالات قاطبة، وسيكون بمقدور الناخب الفلسطيني التعبير من خلال صندوق الاقتراع عن نسبة ثقته بقدرة الشخصيات المرشحة في القوائم الانتخابية على إحداث التغيير في التشريعات، وفرض هيبة برلمانية لمساءلة السلطة التنفيذية ومراقبتها ومحاسبتها.

للتغيير في النهج والأسلوب استحقاقات مردّها الانفتاح الواعي على حوكمة النظام السياسي الفلسطيني ومأسسته، وأول تلك الاستحقاقات فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية، لينحاز البرلمانيون لشعبهم؛ مصدر السلطات، وهو ما من شأنه توفير ضمانات بأن يغدو نظام المساءلة الفعال للسلطة التنفيذية النهج الإستراتيجي السائد تحت قبة البرلمان الفلسطيني، فالكل الفلسطيني يتطلع بشغف لاختيار ممثليه في البرلمان الفلسطيني؛ ليكونوا أداة رقابة ومساءلة للسلطة التنفيذية.

إن ما تبنته فتح من توجّه يتجاوز بكثير مجرّد كونه توجّها عابرا، فهو تغيير في نمطيّة التعاطي، وتجديد في الرؤى والمنهجيات، وتجاوز لما ساد أو سائد من آليات، وأول المطلوب أن تدرك النُخب الفتحاوية أنها أمام تحدّ جديد يستوجب الارتقاء لمستوى التجديد، على صعيد كل فرد، ودون ذلك سيظل التجديد دون جدوى أو مردود، فهل تستوعب القاعدة مرامي التغيير أم تواصل الدوران في حلقة مفرغة من نمطيّة التعاطي؟!

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا