«يا نبضَ الضفّةِ.. لا تهدأْ»!

بقلم: حسن البطل

تقول الحكاية القديمة: في سنوات تلت النكبة، ذهبت أم فلسطينية إلى الحاكم العسكري في كفر برعم، المهجّرة بالخديعة والكذبة، لتحصل على إعانة 100 ليرة إسرائيلية، بعد ولادة طفلها السادس.
الحاكم سأل المرأة: من أين أنت؟ قالت: أنا من كفر برعم. قال: ما في كفر برعم. قالت: بلى، في كفر برعم. قال: ما في 100 ليرة. قالت: بالناقص.. تركنا في القرية كنادر تسوى أكثر من 100 ليرة؟!
لاحقاً، رغم أربعة قرارات من محكمتهم العليا، بعودة المهجّرين إلى قريتي كفر برعم وإقرث، أقامت إسرائيل كيبوتسا يحمل اسم كفر برعم، محوّراً ومعبرناً، لكنها تمنع سكانها الأصليين من العودة إليهما.
مسيرة الأعلام الإسرائيلية الاستفزازية تجمّعت في باب العامود، قبالة مقاومة رفعت واحدة علم فلسطين، فقال مستوطن: ما في فلسطين.. قريباً النكبة الثانية!
إلى بؤرة الاحتجاجات والاعتصامات والاشتباكات في حي الشيخ جرّاح الفلسطيني المهدّد بالتهويد، تفشّت المقاومة الفلسطينية الشعبية السلمية، منذ بؤرتها في بلعين، العام 2005، ومنذ عامين تجري احتجاجات واشتباكات، كل يوم جمعة، في قرية كفر قدوم، قرب نابلس، تطالب بفتح طريق مختصر طوله 2 كيلومتر، يجتاز مستوطنة «كادوميم» إلى نابلس، وأغلقته سلطات الاحتلال، ما اضطر أهل القرية إلى سلوك طريق التفافي ترابي طوله 20 كم. لاحظوا كيف تحوّر إسرائيل، و»تستلبس» وتعبرن الأسماء التاريخية للقرى والأماكن الفلسطينية، ثم تحاصرها وتكاد تخنقها. هناك «بيت إيل» التي سرقت اسم «بيتلّْلُو» البعيدة كثيراً عنها!
في موجة أخرى وجديدة، من السعار الاستيطاني التهويدي تحاول حركة «غوش إيمونيم» ومجلس المستوطنات اليهودية، المسمّى «يشع» (يهودا والسامرة وغزة) السيطرة على 15 موقعاً آخر.
واحد من هذه المواقع، قرب قرية بيتا، القريبة من نابلس، وهي قرية عريقة الاسم، لأنّ حرف «الألف» للتعريف على دلالة اسم «البيت» في اللغات السامية، وهناك تلة يسميها سكان القرية «جبل صبيح» يريد المستوطنون تهويده. البيت هو البيت، وهو الوطن.
حتى الآن، سقط خمسة فتية شهداء دفاعاً عن الجبل، يضافون إلى 26 آخرين غيرهم منذ احتلال الضفة، وكتب الشهيد الثالث، محمد حمايل، ستاتوساً «نحن لا يليق بنا الاستسلام». يومياً، يصعد شباب وأهالي «بيتا» إلى الجبل، نهاراً وليلاً، لصدّ المستوطنين، ومنعهم من الصعود إلى قمته. هناك تلة قريبة من كفر قدوم، أيضاً، مستهدفة بالتهويد، لكن أهلها يصعدون إليها لمنع المستوطنين من السيطرة عليها، وفي قرية نعلين المجاورة لقرية بلعين، يتصدى سكانها لمحاولات إقامة بؤرة على ما يسمّونه «جبل العالم».. وبالطبع ينحاز جيش الاحتلال للمستوطنين.
يدعي المستوطنون أن الفلسطينيين يتوسعون في البناء في المنطقة (ج) وبذلك «يخنقون» المستوطنات، بما يذكّر بقصة الذئب أعلى النبع والنعجة أسفله، ويشكو الذئب أن النعجة تعكّر عليه الماء!
كان شارون قد حثّ المستوطنين: «اصعدوا كل تلّة»، وتسيطر التلّة على سفوحها، أيضاً، كما هو في حالة سلسلة مستوطنات غرب عين عريك وكفر نعمة، المسمّاة «دولب 1-2-3-4؟».
حملة السعار الاستيطاني الجديدة، لها توقيت يصادف خسارة نتنياهو منصبه، لصالح «حكومة تغيير» يقودها نفتالي بينيت، ربيب حركة «غوش إيمونيم» ورئيس سابق لمجلس «يشع» الاستيطاني، وهو أول رئيس حكومة على أم رأسه الأصلع «كيباه»، حتى لا يعني «حلّ الدولتين» دولة فلسطينية مترابطة الأركان، يراها نتنياهو «خطراً وجودياً» على دولة إسرائيل.
خلال حكمه الأطول لإسرائيل، شجع نتنياهو حركات الاستيطان، ما زاد عدد المستوطنين 200 ألف، معظمهم في المستوطنات اليهودية الأصولية، كما شرّع العديد من البؤر الاستيطانية «غير الشرعية»، لكن ضمّ المستوطنات إلى إسرائيل ينتظر خلق واقع تعترف فيه الولايات المتحدة، كما اعترفت «بالقدس الموحّدة» عاصمة لإسرائيل.
بؤرة تجدُّد المقاومة الشعبية السلمية للتهويد كانت في بلعين، وبعد سنوات من تضامن دولي تمكنت من استعادة حوالي ثلث أراضيها المهدّدة بالتهويد اللاحق منذ الاحتلال، غير ما خسرته بعد النكبة. وتشكل بؤرة «الخان الأحمر»، قرب مستوطنة «معاليه أدوميم» بؤرة مقاومة شعبية ـ دولية لإزاحتها من مكانها، والسيطرة التهويدية على طريق القدس ـ الأغوار، الذي تدور فيه المعركة الأساسية لتهويده، خاصة بعد اعتراف إدارة ترامب بفرض سيادة إسرائيل عليه!
وضعتُ عنوان العمود بين مزدوجين، ربما لأنه كان شعاراً لشكل ثالث من المقاومة الشعبية للاستيطان والتهويد، واتخذته فضائيات فصائل المقاومة المسلحة في غزة شعاراً في حملات التحريض خلال معارك غزة الأربع، من الصواريخ إلى البالونات الحارقة، لكنها استعارت، أيضاً، من الضفة شكلاً واحداً من المقاومة الشعبية، مثل مسيرات الاحتجاج الحاشدة على الحدود مع إسرائيل، و»الإرباك الليلي»، الذي طوّرته بشكل أكثر فاعلية، بؤرة المقاومة الشعبية لقرية بيتا.
يتحدثون، في إسرائيل وعندنا، عن الانتفاضة الثالثة. في الواقع أنها جارية منذ بؤرة بلعين، ولو بشكل موضعي في كل قرية وكل حيّ فلسطيني.. ومن القدس الشرقية والشيخ جرّاح وحي سلوان، إلى أقصى شمال الضفة، وأقصى جنوبها بعد مدينة الخليل.. وحتى يطا.. وحتى النقب، أيضاً.

حسن البطل

المادة السابقة
المقالة القادمة

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا