محمود العالول ولميس أندوني نموذجا

بقلم: فتحي البس

محمود العالول قائد وطني صاحب تاريخ وحاضر مشرق، في كل مواقفه يدعو لأن تكون البوصلة كنس الاحتلال. ولميس أندوني صحفية وكاتبة لامعة تحظى بالاحترام. أعرف العالول منذ البدايات وأعتز بصداقته، ليس لتاريخه فقط وإنما لدوره الوطني الحاضر، وأعرف لميس من على بعد، وإن كنت التقيت بها أيضا في سنوات عمرها الصحفي المبكرة، لكني أتابعها وأتوقف طويلا أمام ما تكتب. هي الآن صحفية حرة تكتب رأيها ولا أظن أبدا أنها ممن يتقاضون ثمن مواقفها أو كتابتها. إنها نموذج للكثير من المثقفين والصحفيين الذين ينتقدون الوضع الحالي للفلسطينيين من موقع الحريص والناقد والناصح، لذلك، تتعرض هي أيضا لهجوم من هنا وهناك، حين يلتقط البعض جملة لها فيحرفونها عن موضعها…تماماً كما حصل مع محمود العالول الذي وجّهت لميس لخطابه نقدا ليس فيه تجريح، لكن من يقرأ التعليقات على منشورها من البعض، يجد الإساءة المتعمدة لفتح وقيادتها، بلغة أعتقد أن لميس لا تقبلها، والعتب عليها أنها لا تتصدى لها.
يعيدنا ذلك إلى أصل الموضوع، خطاب العالول ونقد لميس له كنموذج.
منذ زمن طويل، يركّز أعداء المشروع الوطني على تحطيم منظمة التحرير بالتركيز على فتح وشيطنتها وتخوينها وإشاعة انتهاء دورها وعدم قدرتها بلغة لا تليق أبدا، لأنها ببساطة عمود البيت، وتركيز ضربات الفأس على هذا العمود يهدف إلى هدمه، وليس إصلاحه. واشتعلت المحطات ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر أخبار وقفات ومظاهرات لم يتورع بعض من شارك فيها عن إطلاق أوصاف نابية من بينها تخوين فتح، استفزت أبناء فتح، ولولا الحكمة لربما أخذنا هذا البعض إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وبالطبع لا أشمل أبدا من شارك بدافع إيمانه بالحرية والديمقراطية، ولا يرى في سلوك بعض أفراد الأجهزة الأمنية القمعي مناسبا مع ما يجب أن يكون الحال عليه ويرفضه.
تكثيف الإعلان عن الشتيمة المستمرة لفتح دفعها للرد الجماهيري فشاهدنا عشرات آلاف الفتحاويين في الخليل ونابلس ورام الله وأريحا ينتفضون لكرامتهم، خاطبهم محمود العالول بلغة الوطنية الهادئة قائلا في إحدى فقرات خطابه للبعض الذي يبشر بانقسامات الفتحاويين “لا أحد يستفز فتح التي إذا ما استفزت وقفت كلها على قلب رجل واحد، من أجل الحفاظ على حلم الشهداء والحفاظ على هذا المشروع الوطني الفلسطيني”.
وكان هذا جوهر خطابه موضع النقد في رام الله عندما خاطب البعض متسائلا “إلى أين يأخذنا البعض؟ فلسنا راغبين بمعارك وصراع ثانوي، عليكم أن تصحوا لذلك، أيها الآخرون الذين تأخذوننا باتجاه صراع ثانوي، إلى أين أنتم ذاهبون؟ أليس هذا لمصلحة الاحتلال؟ ونحن نخوض معركة ضد الاحتلال، أليس في هذا راحة للاحتلال؟ نقول لكم إننا في فتح مع الوحدة والتعددية والرأي الآخر، لكن لدينا القدرة على التمييز، ولدينا من يعارضنا ونستمع لرأيه ونناقشه لا مشكلة لدينا، ومن يعمل لمصالح أخرى ضد شعبنا الفلسطيني علينا أن نراه جيدًا …..”. وأكمل محذّراً “نرجوكم ألا يستفز أحدكم فتح، وإذا استفززتم فتح فإنها لن ترحم أحداً”..
التقط الإعلام، ولا أقول فقط المعادي، هذه الجملة فهي بالنسبة لهم الخبر، وجعلوها العنوان الرئيسي على أنها تهديد فتح للكل الفلسطيني، واكتفى الكثيرون بقراءة هذه العناوين دون تكبد عناء الاستماع للخطاب أو قراءته كاملا، ردَّ هو على موقعه على هذا التحريف أو الفهم الخاطئ قائلا: “بعض المغرضين. انتزعوا جملة من كلمتي بالأمس في مهرجان رام الله خارج سياقها واعتبروا هذا تهديدا. واضح أنهم لم يسمعوا كل الكلمة أو تعمدوا أن يتجاهلوا ما بها. ألم تقرأوا دعوتي للحوار والوحدة. ألم تقرأوا حديثي عن احترامنا للمعارضة (الوطنية)، وحديثي عن أننا لسنا أنبياء ودائما نخطئ وجاهزون لتصويب أخطائنا. وعن احترامنا للتعددية والرأي الآخر. وعن أن عدونا هو الاحتلال وتناقضنا الرئيسي معه. وأن بوصلتنا دائما تشير إلى القدس وفلسطين. من يريد ليسمع الكلمة كلها. لا يقع في فخ من يسعون لجرنا إلى صراع داخلي وثانوي لمصلحة الاحتلال”.
لميس ليست من بعض المغرضين، كالكثيرين جدا من الناقدين الحريصين فكتبت منتقدة للعالول” كنت ولفترة طويلة صامتا وحين خرجت عن صمتك خرجت بتهديد لمن يستفز فتح أيّاً كانوا وقد أكون أنا منهم، صحيح أنك ركزت في خطابك على التحدي الأساسي كما أسميت، معركة الأرض والتحرير، لكنه تهديد لا يليق لا بالتحدي الأساسي ولا بتاريخك ولا بوفائك للشهيد خليل الوزير أبو جهاد ولا إلى ابنك الشهيد جهاد لا أزاود عليك … لكنك بعثت تهديدات لا تليق بالشعب الفلسطيني… ونفسي حزينة من تهديدك أخي محمود”.
وقعت أيضا لميس في خطأ فهمها، الناجم عن اختصار المضمون الجوهري التحذيري للبعض، وليس تهديدا لأي كان، فأنا من الذين لا يقبلون التهديد للمعارضين، ولا محمود العالول أو الفتحاويون يقبلون ذلك كما قال، فإذا أخذنا المعنى بسياقه التحذيري للبعض، يصبح مفهوما، وفي الوقت نفسه علينا أن نرحب بنموذج نقد لميس أندوني وأمثالها، ففتح، على مر التاريخ، حضنت ورَعَت الكتاب والصحفيين، وأعلت من شأنهم، فيجب الاستماع برحابة الصدر لانتقاداتهم، ونميّز بينهم وبين من يرغبون بهدم المعبد، بتحطيم عمود البيت لتدميره.
هذه فتح بتاريخها وموقفها الذي عبر عنه العالول، وهذه لميس نموذجا للناقد الحريص والخائف على المصير. لنُخرِج جميعا من بيننا المغرضين، ولنستمع بمحبة للآخرين.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا