بمعيار الدمغة الوطنية ” صنع في فلسطين ” !!

بقلم: موفق مطر

نعلم أن التنمية والمشاريع الاقتصادية، كانت الأبرز في برنامج حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية التي يرأس مجلس وزرائها الدكتور محمد اشتية، وقد لاحظنا انطلاقة نوعية متميزة، ونعرف أن حكومة منظومة الاحتلال سعت وما زالت تسعى لتفريغ برنامج التنمية الاقتصادية الفلسطيني من مضامينه، بشتى الوسائل، وقد لا نبالغ إذا قلنا إن حكومات الاحتلال العنصرية عملت على تصدير وباء كوفيد – 19 (الكورونا ) إلينا بعد نجاح مؤسساتنا بمحاصرته وتضييق دائرة انتشاره، حيث استخدمت الوباء كسلاح جديد لإضعاف دورة الحياة الاقتصادية إلى أدنى مستوياتها، وإبقائنا في دائرة العلاقة شبه المصيرية مع اقتصادها!.
قاومت قيادتنا، وحكومتنا، ومؤسساتنا الرسمية والاقتصادية، واستطاعت دفع عجلة الاقتصاد الفلسطيني، وإبقاءها في حالة دوران، رغم أن دولا مستقلة وتملك إمكانيات اقتصادية هائلة قد تضررت وباتت تشتكي من تداعيات انتشار الجائحة، وبقيت مؤسساتنا صامدة رغم التشكيك – غير البريء – بقدرتها على البقاء ، وليس الاستمرار وحسب، حتى أن بعضهم قد بشر بانكسار العمود الفقري للسلطة الوطنية من ضغط الجائحة ..فكان أن تجاوزنا ذروتها بأقل الأضرار نسبة إلى ما كان متوقعا !.
ندرك سيطرة منظومة الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي على مواردنا ومعابرنا، ومصادر الطاقة, إلى جانب استهداف وتدمير مصانعنا وتحديدا المنتجة لمواد تتطلبها عملية البناء والتنمية الزراعية وغيرها تختص بإنتاج مواد غذائية، ولنا في المدينة الصناعية شرق مدينة غزة مثال حيث دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي16 مصنعا ما بين تدمير كامل وجزئي خلال عدوانه الأخير ، بذريعة الرد على قذائف يطلقها مسلحو حماس من المنطقة .. بعد تدمير معظمها منذ العام 2000 ، مرورا بأوسع حملة أثناء العدوان على غزة نهاية العام 2008 تحت ذات الذريعة !!.. وندرك قيود اتفاقية باريس الاقتصادية أيضا، لكن ما لا يمكننا التسليم به اختلال توازن المعادلة بين الخطاب الاقتصادي المبثوث من الجهات المعنية المكلفة بمهمة التنمية الاقتصادية، ومعالجة قضية البطالة، وتشجيع المنتوج الوطني وحمايته، وبين الواقع على الأرض، فنحن نتطلع لرؤية حقائق مادية في أسواقنا، تعكس لنا الانسجام المطلوب بين خطاب وواقع السوق، فالوعود والآمال كبيرة، والموضوعية في الطرح تستوجب العلم والمعرفة بأن تنفيذها يحتاج لوقت كاف يتناسب مع حرص الرئيس محمود عباس وتوجيهاته لجهات الاختصاص في كل مناسبة على منح هذه القضايا الاهتمام، والمعكوسة في قرارات الحكومة والمعلنة في جلساتها الأسبوعية والطارئة كذلك، التي باتت تعقد في مناطق تشكل كل منها مفصلا في جسد الحياة الاقتصادية .
تحتاج البرامج لوقت كاف لرؤية ثمارها العملية على الأرض زراعيا وصناعيا وسياحيا، لكن ماذا عن سياسة استيراد مواد غذائية مصنعة نمتلك مقومات إنتاجها، وإنشاء مصانعها وتجهيزاتها ، تشغيل آلاف الأيدي العاملة فيها من الجنسين، وبجودة أفضل من المستورد، وقد تحرك في ذهني هذا السؤال عندما وقفت عند بوابة محل، أحصيت في مساحة محدودة من واجهته 66 نوعا من الحلوى المغلفة من تلك التي يتناولها الكبار والصغار على حد سواء، والتي تباع كعروض في متناول جميع شرائح المجتمع .. أما القاسم المشترك بينها فهو أنها مستوردة من بلدان أجنبية وعربية فيما المنتج محليا نسبته ضئيلة جدا قياسا بالمعروض !.الذي أكاد أجزم أن المحل يحتوي على ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف الرقم من حيث المسميات والأنواع … وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى ، ويمكن لأي مدير عام مختص في الوزارات المعنية رؤية مئات النماذج إذا سار على قدميه وتفقد الأسواق الشعبية، أو اطلع على قوائم المنتجات المستوردة !
إن تنمية وإنشاء مصانع المواد الغذائية مثلا، سيخفض نسبة البطالة، ويرفع نسبة التنمية الاقتصادية، أما حماية المنتوج الوطني فتتطلب معالجة خلل ما في سياسة الاستيراد، فتحصيل الضرائب من التجار المستوردين ليس هو الحل الأمثل والدائم لتأمين موارد مالية للحكومة، فالدورة الاقتصادية الصحية النشيطة، شبيهة بدورة الدماء في جسم الشاب السليم، ونعتقد أننا جميعا معنيون بدولة تتمتع بصحة وعافية اقتصادية لا تشيخ ولا تعجز . .فالنعمة لا تقاس بمعيار كثرتها ووفرتها في فلسطين، وإنما بمعيار الدمغة الوطنية : “صنع في فلسطين ” .

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version