عندما كنت إرهابيّاً

بقلم: محمد علي طه

أهمل الإعلام الاسرائيليّ “المشروع النّوويّ الإيرانيّ” والخلافات بين مركّبات “حكومة التّغيير بدون تغيير”، وانشغل طيلة تسعة أيّام باعتقال الزّوجين موردي ونتالي أوكانين في إسطنبول بعدما التقطا صورة لهما وفي خلفيّتها قصر أردوغان، وتدخّل لإطلاق سراح الزّوجين السّادة إسحاق هرتسوغ رئيس إسرائيل، ونفتالي بينيت رئيس الحكومة، ويائير لبيد وزير الخارجيّة، ورئيس الموساد وربّما شخصيّات أخرى عملت بالخفاء.
أقول للزّوجين أوكانين مبارك إطلاق سراحكما من السّجن والعقبى للأسرى الفلسطينيّين في السّجون الإسرائيليّة.
لو كان المعتقلان محمود وفاطمة محاميد أو أحمد وجميلة خطيب أو غسان ونادرة خوري ما سأل عنهما رئيسٌ أو وزيرٌ أو موظّف صغير، وما نشرت الصّحف ووسائل الإعلام العبريّة صورتيهما، وما ردّد مذيعو القنوات التّلفزيونيّة اسميهما، وربما في أحسن الحالات يحظيان بخبر صغير في صفحة داخليّة في صحيفة “هآرتس”، وقد يستجوب نائب عربيّ في الكنيست وزيرة الدّاخليّة المعروفة بديمقراطيّتها وإنسانيّتها، ولا بد من أن تجيبه بكلام ذي احتمالات عديدة وقد “ينعم” الزّوجان العربيّان بالعيش سنوات في المنتجع التّركيّ يأكلان الشّاورما والحلقوم.
ذكّرتني حادثة الزّوجين أوكانين بتجربة مررت بها (ومرّ بها آخرون) قبل سنوات عندما ترجّلت من الطّائرة فرحاً في مطار القاهرة وناولت الموظّف المصريّ جواز سفري فمرّت لحظات وهو يحدّق به وبشاشة الحاسوب ثمّ نظر إليّ بريبة وأمرني أن أقف جانباً.
مرّت خمس وأربعون دقيقة ثقيلة وأنا أنتظر قلقاً والمسافرون يمرّون وينظرون إليّ بنظرات مختلفة فسألته: إلى متى أنتظر؟ فأجابني بجفاء: حتّى يأتي المسؤول.
وجاء المسؤول بعد نصف ساعة أخرى وتناول جواز سفري وسألني: ما اسمك؟ فأجبته: مسجّل في الجواز. فسأل: ما اسم أبيك؟ -علي. – وجدّك؟- عبد القادر- هل معك إثبات بأنّ والدك عليّ وجدّك عبد القادر؟ فأجبته بسخرية: إذا ما صدقت الوالدة.
احتدّ الضّابط وسألني هل معك شهادة أو بطاقة تثبت أن والدك علي وجدّك عبد القادر؟ أجبته معي جواز سفري فقط.
تركني ثمّ عاد بعد ربع ساعة تقريباً وأمرني أن أرافقه فمشينا إلى بناية صغيرة في المطار وقابلت ضابطاً آخر فأعاد الرّجل الأسئلة نفسها وأجبته الأجوبة نفسها تقريباً.
ركبنا، أنا ورجلا الأمن، في سيّارة عسكريّة ووصلنا بعد دقائق إلى بناية مكتوب عليها أمن الدّولة.
أيقنت أنّ المسألة جادّة وأنّني في ورطة فربّما يعتقدون أنّني إرهابيّ خطير وربّما الحاسوب قد أشار إلى ذلك، وتخيّلت نفسي سجيناً في سجن مصريّ ولا أحد يسأل عنّي، ولا بد لي من أن أعتاد لفترة قد تكون طويلة أو قصيرة على تناول فطور الأمير وغداء الفقير وعشاء الحمير، أعني الفول حفظكم الله.
قادني الرّجلان إلى غرفة يجلس فيها ضابط مهيب فأعاد عليّ الأسئلة نفسها وأجبته بالأجوبة إيّاها ثمّ سألني بحدّة: ألست أنت محمد صالح الخروف؟ فأجبته ساخراً: والله يا سيّدي ذبحنا الخروف قبل شهر في عيد الأضحى.
– ماذا تقول؟
– لا صالح ولا خروف يا باشا.
– ما هي مهنتك؟
– أديبٌ، والشّغل مش عيب، وقدمت لزيارة معرض القاهرة الدّوليّ للكتاب.
– من تعرف من أدباء مصر؟
– يوسف إدريس رحمه الله.
أطلق سراحي بعد ساعات وما عدت إلى أم الدّنيا وإلى معرض الكتاب وإلى مطعم قدّورة للأسماك منذ كنت إرهابيّاّ خطيراً ومنذ كان السّيّد خروف جدّي رحمه الله.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version