رأي صحيفة “الشرق” اللبنانية: كذبة كبيرة… اسمها البرنامج النووي الإيراني (1)

لا نتجنّى على أحد، عندما نقول إنّ قصة المفاعل النووي الايراني كذبة كبيرة… خاصة وإنّ هناك سؤالاً بديهياً، وهو ان المفاعل النووي العراقي دمّرته الطائرات الحربية الاسرائيلية في 7 حزيران عام 1981 ولم يكن أحد يتحدث عن المفاعل النووي العراقي.

كذلك دمّرت إسرائيل عام 2006 المفاعل النووي السوري من دون أن يكون هناك أي حديث عن مفاعل نووي سوري.

أما عندما بدأ الحديث عن المفاعل النووي الإيراني، بدأ الفيلم الاميركي – الاسرائيلي بالعمل.

قبل أن نتحدث عن المفاعل النووي الايراني… لا بد أن نعلم جيداً أنّ أميركا لا تتحرّك في منطقة الشرق الأوسط، إلاّ حسب مصلحة ورأي إسرائيل. وهذا ليس سراً وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك نذكر منها:

أولاً: بعد حرب تشرين المجيدة وعندما استطاع الجيش العراقي أن يوقف تقدّم الجيش الاسرائيلي على الجبهة السورية، بعدما أعلن الرئيس أنور السادات وقف إطلاق نار على الجبهة المصرية وخطابه الشهير «أنا مش عايز أحارب أمريكا»، استطاع الجيش العراقي أن يمنع الجيش الاسرائيلي من احتلال دمشق عاصمة سوريا. وهنا يقول كيسنجر إنه تحدث مع شاه إيران، وطلب منه أن يقوم بحرب لإسقاط نظام صدّام حسين. فرفض الشاه، فَخُلِعَ وحلّ محله آية الله الخميني ضمن فيلم ثانٍ يتناسب مع دقة المرحلة، وكي لا ننسى علينا أن نتذكر شعار فيلق القدس «قادمون». وللعلم أيضاً ان هذا الفيلق لم يقم بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، بل كان عنده هدف وحيد هو تحطيم وتفتيت العالم العربي ضمن مشروع التشييع.

وهذا ما حصل في لبنان حيث أصبح حزب الله الذي أنشأته إيران أقوى من الجيش اللبناني وأقوى من الدولة اللبنانية، ليصبح أيضاً الحاكم الفعلي والوحيد للبنان.

كذلك فعل في العراق بعد سقوط صدّام حسين إثر قيام القوات الاميركية باحتلال العراق وقتل صدام، وتسليم العراق الى «فيلق القدس» ليفتت العراق، فأقام ميليشيات طائفية هناك.

أمّا سوريا، وتحت شعار حماية النظام السوري، الحليف الأول لإيران، ذهب حزب الله وشارك في قتل الشعب السوري تحت شعار حماية المراكز الدينيّة في السيّدة زينب، وكأنّ دمشق وحمص وحماه وحلب وطرطوس واللاذقية كلها مقامات للشيعة.

من سوريا الى اليمن، ولا تزال الاسلحة والأموال مع الرجال والخبراء يتدفقون على اليمن من أجل تخريبه وتقسيمه والقضاء على وحدته، والمقصود هنا المملكة العربية السعودية.

إنّ مشروع إيران لامتلاك الطاقة النووية، بدأ العمل فيه قبل الثورة الإيرانية ثم تصاعدت وتيرته مطلع الألفية الثالثة، مما أثار قلق الغرب الذي يتهم إيران بالسعي لحيازة السلاح النووي.

أولا: النشأة والمسار

بدأت قصة البرنامج النووي الإيراني أواسط سبعينيات القرن العشرين، عندما دشن الشاه السابق محمد رضا بهلوي مشروعه الطموح للطاقة النووية ليكون دعامة لإرساء ما كان يصفه بـ»الحضارة الإيرانية الكبرى» التي تعتبر التكنولوجيا النووية أحد أركانها الأساسية.

وقد كانت الولايات المتحدة في أوائل السبعينيات هي السبّاقة بالتلويح بجَزرة الطاقة الكهرونووية للشاه، بعدما كانت وهبت بلاده مفاعلا للأبحاث تم الانتهاء من تشييده وتشغيله في جامعة طهران عام 1967.

إذ عرضت واشنطن على طهران بناء ما بين خمسة وسبعة مفاعلات كهرونووية، لكن الكلفة العالية للمفاعلات الأميركية جعلت الشاه يفضل عرض الشركة الألمانية «كرافتورك يونيون سيمنس»، فكلّفها بالبدء في بناء مفاعلين كهرونوويين في مدينة بوشهر جنوبي البلاد، وبدأ العمل فيهما عام 1974.

اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حين كان المفاعل الأول قد أنجزت نسبة 85% من بنائه، وكان من المخطط له أن يبدأ إنتاج القدرة الكهرونووية عام 1981. توقف الألمان عن إكمال بناء مفاعليْ بوشهر فتباطأ العمل فيهما بعد استتباب الثورة الإيرانية إلى أن تصاعدت حدة القتال أثناء الحرب العراقية – الإيرانية فقام العراق بقصف المفاعلين عام 1987.

بحثت إيران الثورة عن بلد يكمل لها ما بدأه الخبراء الألمان، وبما أن الثورة الإسلامية ناصبت الغرب العداء وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه لم تقبل أي دولة غربية أن تقوم بإكمال المشروع النووي الإيراني، إلا الاتحاد السوڤياتي السابق الذي كان يرى في إيران حليفا جديدا وجاهزا يمكن أن يضيفه إلى حلفائه في العالم الثالث.

وإذا كان الحصول على سلاح نووي خيارا وطنيا يحتاج في الأساس إلى قرار سياسي -وهو ما لم تفصح عنه إيران رسميا- فإن ما قامت به طهران في التسعينيات يرجّح احتمال أن قرارها السياسي كان قد اتُّخِذ إما بعد تدمير العراق لمفاعليْ بوشهر 1987، أو بعد حرب الخليج الأولى والتدمير الشامل للمنشآت النووية العراقية بالقصف الأميركي أو بلجان التفتيش الدولية 1991.

وعلى كل حال، قررت إيران المباشرة في سلوك الخيارين النوويين العسكريين في ذات الوقت، أي الحصول على «البلوتونيوم» الذي صنعت منه القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة ناغازاكي اليابانية عام 1945.

ومن الناحية الفنية، تمكنت طهران من التعاقد مع الاتحاد السوفياتي عام 1995 على تحوير المفاعلين الألمانيين المدمرين إلى النوع المعتمد في الاتحاد السوفياتي، ورأت في هذا التعاقد فرصة لإعادة الحياة إلى برنامجها النووي «السلمي».

وهكذا باشرت إيران منذ عام 1996 بناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل في مدينة آراك (وسط إيران)، وقد بدأ إنتاجه هناك عام 2006 بعدما كشفت المعارضة الإيرانية النقاب عنه عام 2002. كما بدأت إيران عام 2004 إنشاء مفاعل من تصميمها بقدرة 40 ميغاواتاً بالقرب من هذه المنشأة يعتمد في تشغيله على الماء الثقيل واليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران.

وهذا النوع من المفاعلات وبهذه القدرة يصلح لإنتاج البلوتونيوم بالكميات المطلوبة للسلاح النووي، وهو من نفس نوع وقدرة كل من المفاعل الفرنسي في ديمونة الذي يزود إسرائيل بقنابلها النووية، والمفاعل الكندي الذي مكّن الهند من الحصول على سلاحها النووي، والمفاعل الباكستاني في «خوشاب».

إن حجّة إيران التقنية في اختيارها لهذا النوع من المفاعلات هي أنه سيستخدم للأبحاث العلمية ولإنتاج النظائر المُشعّة للأغراض الطبية والزراعية، إضافة إلى أنه يعمل باليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران.

إن قدرة هذا المفاعل (40 ميغاواتا) كبيرة نسبياً إن كان الغرض منه هو ما تقوله إيران (إذ إن قدرة 10 ميغاواتات قد تكون كافية لهذه الأغراض)، في حين أنها عملت ونجحت في تجاوز مشكلة توفّر الوقود النووي بسيطرتها على عملية تخصيب اليورانيوم.

ومن هنا استفادت إيران بذكاء من تجربة العراق القاسية، وذلك بالتصويب نحو تقنية الطرد المركزي التي لها مميزات عن باقي طرق التخصيب، وأهمها بالنسبة لإيران سهولة إخفاء منشآتها في أبنية يصعب الكشف عنها من الجو، إضافة لامتلاكها أقوى سبب لثقتها بقدرتها على الاستمرار في برنامجها النووي العسكري بأمان، ألا وهو فقدان عنصر الجواسيس في كادرها النووي.

كتب عوني الكعكي

aounikaaki@elshark.com

وإلى اللقاء في الحلقة الثانية

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا