كلمة “الاقتصادية” السعودية: أوروبا والغاز .. لغز معقد

تعيش أوروبا حالة رعب ليست جديدة، لكنها أشد عنفا الآن على صعيد نقص إمدادات الغاز إليها، بسبب المواجهة السياسية حتى الآن بين الغرب وروسيا بشأن أوكرانيا. ويتوقع خبراء استمرار أزمة نقص إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا خلال الصيف المقبل حتى 2025، مع ترجيح إمكانية تكرار أزمة أسعار الطاقة المرتفعة.
الأوكرانيون يؤكدون دائما، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستعد لغزو بلادهم، بينما تقوم دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” بحشد ما أمكن لها من جنود على حدود دول الحلف، وليس بالطبع ضمن الحدود الأوكرانية. الغاز الروسي يمثل منذ عقود الشريان الأهم للطاقة في أوروبا عموما، ما دفع دولة كألمانيا مثلا إلى اتخاذ موقف مرن حيال اتهامات الغزو المشار إليها لروسيا، وهذا الموقف أدى إلى غضب أمريكي معلن عليها، فالساحة لا تحتمل بالفعل مواجهة عسكرية، بصرف النظر عما سيتم من سلسلة العقوبات القاصمة للروس التي تشمل بالدرجة الأولى صادراتهم من الغاز.
الوضع الراهن أدى إلى مجموعة من التطورات التي لا ترغب دول في الغرب أن تحدث أصلا، على رأسها، نقص إمدادات الغاز، وارتفاع أسعار هذه المادة الحيوية من الوقود، وزيادة الطلب الحقيقي في فترتي الشتاء والخريف اللتين تشهدان كل عام ارتفاعا كبيرا فيه.
يضاف إلى ذلك، أن المصادر البديلة للغاز الروسي ليست متوافرة على وجه السرعة لأسباب بعضها لوجيستي، وآخر يتعلق بخلافات سياسية لا بد أن تحل، مثل الخط القادم من المغرب إلى إسبانيا.
ومهما كان التحرك الأمريكي بتزويد الأوروبيين بالغاز، أو سد النقص، إلا أنه يبقى رمزيا، فـ20 ناقلة غاز انتقلت من الولايات المتحدة إلى أوروبا لا تشكل شيئا في ساحة الطلب على هذه المادة، وحتى الـ30 ناقلة الأخرى التي تستعد واشنطن لتوريدها لن تحل المشكلة أيضا.
ولأن الأمر كذلك، لم يكن غريبا أن تشجع إدارة الرئيس جو بايدن، الأوروبيين على إيجاد البدائل لتعويض الغاز الروسي في حال تم فرض عقوبات صارمة عليه، ولا سيما من الجزائر. لكن هناك مشكلة في هذا الأمر، تكمن في أن قدرات الإنتاج الجزائرية من الغاز لا تقارن بالقدرات الكبرى لروسيا في هذا المجال، بمعنى آخر: إن خطا قويا من الجزائر لن يحل المشكلة، علما بأن الأخيرة، هي ثالث مزود للغاز إلى الاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، حتى لو تمت إعادة فتح خط أنابيب GME عبر المغرب إلى إسبانيا، فإن الأمر لن يقلل المخاطر المحدقة بإمدادات الغاز للأوروبيين، ما يطرح سؤالا عريضا هو: هل يمكن أن تتحرر أوروبا يوما من الغاز الروسي؟ كل الموردين الآخرين يعانون صعوبات أصلا في الإمدادات نتيجة ارتفاع الطلب بصورة كبيرة، ومع الأزمة الحالية ستزداد هذه الصعوبات.
الوضع الحالي رفع تلقائيا أسعار الغاز إلى مستويات تاريخية، صحيح أن هذه الأسعار تقلبت بعض الشيء الأسبوع الماضي، إلا أنها لا تزال مرتفعة، وستبقى كذلك حتى يتراجع الطلب قليلا مع تحسن الطقس في القارة الأوروبية. هناك حصة كبيرة من واردات الغاز الأوروبية تذهب لتوليد الكهرباء على مدار العام، خصوصا في الدول التي رفضت استخدام الطاقة النووية في ذلك.
المشكلة الأخرى أيضا أن التوقعات كلها تشير إلى ارتفاع الطلب مستقبلا، ما يدفع الغرب إلى التفكير جديا وبسرعة في حل مشكلة الغاز لأوروبا، والاعتماد على مصادر بديلة مستدامة، وهذه المصادر ليست بعيدة، لكنها تحتاج إلى وقت كي تصبح في وضع تجاري قوي، مثل بعض دول حوض البحر المتوسط. بمعنى آخر، يحتاج الأمر إلى موردين إقليميين للغاز باتجاه أوروبا، في حين ستبقى الإمدادات الأمريكية رمزية وآنية وليست ذات حل نهائي للمشكلة.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا