رأي “الوطن” العمانية: رسالة تحذير فلسطينية

تتداعى الأزمات العالمية، اقتصادية كانت أو سياسية، واحدة تلو الأخرى في الفترة الأخيرة، وتأثرت نتيجة تلك الأزمات مخططات وبرامج النُّمو على مستوى العالم، وتأثر المواطن في بقاع المعمورة كافَّةً، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط المُهدَّد أصلًا بالعديد من المشاكل والتحدِّيات الكبرى، فهي منطقة على صفيح ساخن مليئة بالصراعات الإقليمية، ولكن تبقى قضية فلسطين المَنسيَّة هي المُحرِّك الأساسي للأزمات في المنطقة، ولا يمكن تصور عودة الهدوء إلى الشرق الأوسط دون إيجاد حلٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. أمَّا استمرار حالة التجاهل العالمي التي نشهدها في الآونة الأخيرة؛ نتيجة التصدي لتداعيات جائحة كورونا “كوفيد19″، أو محاباة دولة الاحتلال الإسرائيلي، فهو بداية انفراط المساعي نَحْوَ الحلول، وبداية أزمات ستزيد الوضع في المنطقة تأزمًا، وستُلهب الصراعات القائمة، وستخلق موجة جديدة من الصراعات، نحن في غنًى عنها، علينا مكاشفة النَّفْس والتأكيد على أنَّ حل الأزمات الإقليمية مرتبط دائمًا بأمل إيجاد حلٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضية الأُم، وهي القضية الفلسطينية.
ومن هذا المنطلق، فعلى الجميع إقليميًّا وعالميًّا، أنْ يتعاطى مع التصريحات التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بجدِّية، وعلى المجتمع الدولي التصدي بجدِّية وإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على: أولًا: وقف الاعتداءات اليومية في حقِّ الشعب الفلسطيني الأعزل، وثانيا: الجلوس على طاولة المفاوضات بمرجعية القرارات الشرعية الدولية، وتقبُّل الحقوق الثابتة والراسخة للشعب الفلسطيني، دون الاعتماد على ما قامت به هذه الدولة المارقة من محاولات سرقة تسعى إلى تغيير الواقع على الأرض، وفرض واقع جديد يتناسب مع الرغبة المحمومة لدولة الاحتلال في التهام معظم الأراضي الفلسطينية، وإلغاء المزيد من الحقوق الفلسطينية، أمَّا استمرار التعنُّت الإسرائيلي والجرائم المستمرة، فسيأخذنا نَحْوَ طريق مجهول لَنْ يترك الأخضر ولا اليابس.
لقد شهدت المنطقة الأزمات برغم الصبر الفلسطيني، والسَّعي الدؤوب نَحْوَ إقامة سلام عادل وشامل، وتحمُّل المنغِّصات اليومية والالتزام بالخيارات التي تحافظ على شعرة السلام في المنطقة، لذا فعندما يفقد الفلسطينيون صبرهم ويتحدثون بوضوح عن إعادة النظر في الوضع القائم بأسْره، في الخيارات الفلسطينية (كُلِّها)، وفي العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث كرَّر الرئيس الفلسطيني جملة (بأنَّنا سننظر في خياراتنا كُلِّها)، فهي رسالة من فقَد صبره نتيجة الإرهاب الإسرائيلي، لقد أثبت الفلسطينيون (قيادةً وشعبًا) حرصهم على إنجاح الجهود الدولية الرامية لإيجاد حلٍّ عادلٍ للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأوفوا بكُلِّ الالتزامات، ولم يكونوا أبدًا حجر عثرة أمام تحقيق السلام.
وفي المقابل تزيد دولة الاحتلال الإسرائيلي من سطوتها الاستعمارية من خلال هجماتها المسعورة المتمثلة بالاستيلاء على الأرض، وتوسيع نشاطاتها الاستيطانية، فضلًا عن الاعتداءات الإرهابية لمستوطنيها، التي تجري بحمايتها، كما تجاهر بتحدِّي المجتمع الدولي بتنصُّلها من حلِّ الدولتَيْن والعمل المُمنهج لتقويضه، والتَّمادي في انتهاك الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، وجميع المقدَّسات، والإمعان في تغيير هُوية القدس وطابعها، وهدم منازل أهلها وطردهم من أحيائها، والتنكيل بالأسرى في سجونها، ومواصلة الحصار الجائر لقطاع غزة، والعديد العديد من الجرائم العنصرية، التي تؤكِّد أنَّ تلك الدولة القائمة بالاحتلال لا تريد السلام.
إنَّ تلويح القيادة الفلسطينية باتخاذ قرارات مصيرية لا بُدَّ أنْ يقرأه العالم، ودول المنطقة في نطاق الصرخة الأخيرة لمظلوم أضحى لا يملك من الصبر الكثير، فعلى العالم ألا يكتفي بقراراته الأُممية، وأنْ يربطها بعقوبات دولية نراها تصيب دولًا أقل إجرامًا من دولة الاحتلال الإسرائيلي، فما فائدة القرارات الدولية التي لا يتمكن المجتمع الدولي من تطبيقها أمام الغطرسة الإسرائيلية؟ لذلك على المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته في تنفيذ قراراته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والحرص على إرساء السلام، فالسلام الفلسطيني الإسرائيلي سيفتح الباب لحلِّ جميع أزمات تلك المنطقة المُلتهبة، والتي تُعيق النمو العالمي.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا