ماذا بعد الاتفاق النووي الإيراني؟

بقلم: باسم برهوم

ما لم يحصل ما لا بالحسبان فإن كفة التوصل للاتفاق النووي الإيراني في مفاوضات فيينا باتت هي الأرجح، حتى ان إسرائيل، التي بذلت كل ما تستطيع لمنع حصوله، فإنها على ما يبدو قد استسلمت لهذه الحقيقة، وهي تحاول في الساعات الاخيرة التأكد من ان تكون آليات المراقبة الدولية على المواقع النووية الإيرانية أكثر شدة. الرئيس الأميركي بايدن جاء للحكم وهو يضع هذا الاتفاق هدفا له، وهو على ما يبدو قد اقترب من تحقيقه وتصحيح الخطأ الذي ارتكبه الرئيس الأميركي السابق ترامب عندما انسحب من طرف واحد من الاتفاق عام 2018 إرضاء لحليفه نتنياهو.

المعادلة التي يقوم على أساسها الاتفاق هي رفع العقوبات الدولية، وخاصة الأميركية، عن ايران مقابل ان تقوم وكالة الطاقة النووية وخبراء دوليون في زيارات دورية وتركيب كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة في المواقع النووية الإيرانية. كانت هناك محاولات من جانب الولايات المتحدة لإدخال المشروع الصاروخي الإيراني ضمن الاتفاق، الا أن هذا الامر على ما يبدو انه بحاجة لمفاوضات تكميلية لاحقة بين واشنطن وطهران لانه مرتبط بالمشروع الإيراني الإقليمي.

السؤال الآن ماذا بعد هذا الاتفاق وكيف سينعكس على الأوضاع الإقليمية وعلى القضية الفلسطينية بالتحديد؟

من دون شك سيقود الاتفاق الى تخفيف حدة الاحتقان والتوتر في المنطقة، لن نعود نسمع التهديدات الجوفاء الإسرائيلية اليومية لإيران بالحدة ذاتها على الاقل، كما ان الازمات الإقليمية من العراق الى سوريا ولبنان واليمن، التي فيها إيران لاعب مؤثر وقوي قد تنتقل من مرحلة التخاطب بالسلاح الى مرحلة الحوار وإيجاد التسويات، ولعل أزمتي لبنان واليمن أولى الأزمات التي نحتاج ان نلمس فيهما اذا ما كان الاتفاق سيفتح عهدا جديدا ام لا. إيران المحشورة اقتصاديا ومعيشيا بحاجة لالتقاط الأنفاس وإعادة هيكلة اقتصادها المتهالك وإعادة بناء بناها التحتية التي تأثرت بالحصار والعقوبات، فهي لن تكون بحاجة لأزمات تستنزفها، فما كان ضروريا قبل الاتفاق لم يعد كذلك بعده. فقد لا نرى صواريخ وطائرات مسيرة حوثية في سماء الخليج العربي.

أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن الاتفاق قد يسمح بإعادة إعمار قطاع غزة وتيسير الحوار الوطني الفلسطيني وصولا الى حالة توافقية تنهي بشكل او بآخر الانقسام.

بالتأكيد إيران لن تتخلى عن تمدداتها الإقليمية ببساطة، وبالمقابل فإن المتضررين من هذا التمدد سيواصلون العمل ضده، بمعنى جوهر الصراعات لن يتبدل ولكن الأساليب هي التي قد تتبدل فبعض الأزمات التي كانت إيران تستخدمها كأوراق ضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطق هي التي ستتأئر أكثر بالاتفاق فلم تعد إيران بحاجة الى مثل هذه الأوراق. هذا التغير بالتحديد قد نلاحظ انعكاسه بالساحة الفلسطينية فالاهتمام الإيراني بدعم الحركات الفلسطينية الموالية لطهران قد يتراجع أو يتوقف في بعض الحالات. فمعركة العض على الأصابع مع واشنطن التي كانت إيران تخوضها على حساب استنزاف اقتصادها لن تعود بحاجة لها على الاقل بذات الحدة السابقة.

على أية حال يأمل الجميع ان ينعكس الاتفاق استقرارا على منطقة الشرق الاوسط الذي استنزفته الازمات، وكانت إسرائيل في واقع الامر أكثر المستفيدين من حالة التأزم هذه، حيث طبعت وعززت وجودها وتمددت بشكل ملموس في المنطقة وكل ذلك جرى على حساب القضية الفلسطينية.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا