«مقاومون» في أوكرانيا، «إرهابيون» في فلسطين!!

بقلم: محمد ياغي

تُصنف الدول الغربية ما يقوم به الشعب الأوكراني من دفاع عن بلده على أنه مقاومة وقتال من أجل الحرية والديمقراطية، وهذا توصيف صحيح لأنه لا توجد تعبيرات أخرى يمكن أن تُطلق على شعب يرفض أن تتعرض بلاده للاحتلال.
في الوقت نفسه تصنف هذه الدول المقاومة الفلسطينية على أنها إرهاب وأعمال عنف تعطل مسار الحلول السياسية التي يتم العمل عليها منذ سبعة عقود، ولم تؤدِ إلا إلى ابتلاع دولة الاحتلال لكامل الأراضي الفلسطينية.
التوصيف في الحالتين يترتب عليه التزامات من جانب الدول الغربية: «المقاومون» يتم دعمهم إعلاميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا.. أما «الإرهابيون» فيتم تسهيل القضاء عليهم أيضا بكل الوسائل المتاحة.
إعلاميا مثلا وفي الحالة الأوكرانية، الإعلام الغربي بكل اتجاهاته الأيديولوجية ينقل معاناة الشعب الأوكراني الحقيقية والمتخيلة، ومعها أيضا ينشر تقارير كاذبة كجزء من الحرب الإعلامية التي تستهدف رفع معنويات «المقاومة الأوكرانية»، تثبيط معنويات «الغزاة الروس»، وحشد الرأي العام العالمي لصالح الشعب الأوكراني. والغرب في هذا السياق لا يجد مشكله «دستورية» في التضيق على الحريات لديه وذلك عن طريق منع قنوات تلفزيونية فضائية ووكالات إعلام من العمل على أراضيه إذا كانت داعمة «للغزاة»، كما حدث مع قناة الـ»آر تي» الروسية التي حُرِمت من العمل والبث في كل أوروبا.
في الحالة الفلسطينية، هنالك تمايز محدود بين سلوك الدول الغربية وبين المؤسسات الإعلامية.
الدول الغربية تصنف المقاومة الفلسطينية على أنها إرهاب وهي تمنع الناس في أوروبا وأميركا وكندا من الوصول إلى جميع المواقع الإعلامية التابعة لحركة حماس والجهاد الإسلامي مثلا في مؤسساتها أو المؤسسات التي تدعمها. لكن يمكن الوصول إلى هذه المواقع إذا كان اشتراك الإنترنت شخصيا أو تابعا لمؤسسة بحثية.
أما ما يتعلق بتغطية المؤسسات الإعلامية الغربية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فهي متروكة لهذه المؤسسات لتقرر بشأنها، وهي في معظمها تشارك حكوماتها وصف المقاومة على أنها إرهاب، ونادرا ما تذكر قارئيها بأن إسرائيل هي دولة احتلال وأنها ترفض أي تسوية سياسية للصراع قائمة على أساس قرارات الشرعية الدولية.
الحقيقة أن وسائل الإعلام هذه تجنبت وصف الأراضي الفلسطينية «بالمحتلة» في غالبية أخبارها حتى وقت قريب جدا والكثير منها لا يزال يتجنب هذا الوصف.
سياسيا وفي الحالة الأوكرانية، يمارس الغرب كافة الضغوط الممكنة على روسيا لمعاقبتها على غزوها لأوكرانيا، ابتداء من طرد الدبلوماسيين الروس، ومروراً بعقد الاجتماعات للجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
في الحالة الفلسطينية، يقف الغرب بثقله السياسي خلف إسرائيل. أميركا مثلا لا تسمح بمرور أي قرار في مجلس الأمن من شأنه إدانة إسرائيل على جرائمها أو تطالبها بإنهاء احتلالها أو الالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة معها، أو التي تدعوها إلى التوقف عن الاستيطان أو التي «ترجوها» بأن ترفع الحصار المستمر على قطاع غزة منذ خمسة عشر عاما.
أما الغرب عموما، فباستثناء «الثرثرة» الكاذبة عن دعمه لحل الدولتين، فهو لا يمارس أي نوع من الضغوط السياسية على دولة الاحتلال، ويبذل قصارى جهده لحرف الأنظار عن الاحتلال وتوجيه الاتهامات «للمقاومة» بذريعة العنف، أو للسلطة بذريعة الفساد، حتى يتنصل من أي التزام سياسي أخلاقي تجاه حقوق شعب يرزح تحت الاحتلال منذ عقود. الغرب يساوي بين الضحية والجلاد حتى لا يقوم بما يجب عليه القيام به وهو الضغط السياسي على إسرائيل.
اقتصاديا وفي الحالة الأوكرانية، يقوم الغرب بمحاولات حثيثة لخنق اقتصاد «الغزاة الروس» بكل الطرق الممكنة.
العديد من البنوك الروسية تم حرمانها من استخدام نظام الـ»سويفت»، وهو نظام للاتصالات المالية العالمية بين البنوك لا يمكن دونه نقل الأموال من بنك لآخر وهو ما يعني حرمان الأفراد والشركات من القيام بإجراء حوالات مالية.
يترتب على ذلك بالطبع إيقاف أي عمليات استثمار لشركات أجنبية داخل روسيا، وحرمان الشركات الروسية من الاستثمار خارج بلادها.
العقوبات الاقتصادية أيضا على «الغزاة الروس» اشتملت على منع طيرانهم المدني من التحليق في الأجواء الأوروبية والأميركية والكندية، وعلى إيقاف اعتماد عمل خط الغاز (نورد ستريم 2) الذي يربط روسيا بألمانيا والذي تم استكماله في شهر أيلول من العام الماضي.
والغرب يهدد أيضا بتوسيع هذه العقوبات حتى لو تسببت بالأذى له نفسه مثل وقف واردات الغاز والبترول والمحاصيل الزراعية من روسيا.
لكن في الحالة الفلسطينية، يقوم هذا الغرب بدعم إسرائيل اقتصاديا بكل الطرق، فهو يقدم المساعدات المالية لها ويستثمر في شركاتها، ويعطيها أفضليات تجارية كأنها عضو في الاتحاد الأوروبي.
والغرب لا يكتفي بذلك، بل إن بعض بلدانه يستورد بضائع يتم إنتاجها في المستوطنات.
والغرب أيضا يضع قوانين لمنع أي نشاط فلسطيني يستهدف التأثير على الرأي العام الغربي لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا. في الولايات المتحدة أكثر من 25 ولاية منعت حركة الـ»بي دي سي» من العمل في ولاياتها ؟، وفي أوروبا وباستخدام قوة القانون منعت العديد من الدول هذه الحركة من النشاط على أراضيها بذريعة أنها «لا سامية» رغم أن كل ما تدعو له هو مقاطعة إسرائيل اقتصاديا وثقافيا إلى أن تنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية.
عسكريا، اليوم هنالك 27 دولة أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة واليابان وأستراليا تقوم بتزويد «المقاومة الأوكرانية» بآلاف الأطنان من أحدث الأسلحة من صواريخ أرض جو دقيقة تسقط الطائرات الروسية إلى القذائف التي تدمر دباباتها. هذا بالإضافة إلى الإسناد بالخبراء والمعلومات التي تمكن من استخدام هذه الأسلحة بشكل فعال.
يضاف لذلك السماح للسفارات الأوكرانية في كل الدول الغربية أو المتحالفة معها بالعمل على تجنيد «المتطوعين» لإرسالهم لخطوط المواجهة مع الروس.
لكن في الحالة الفلسطينية، هذا الغرب يستكثر على الفلسطيني إلقاء الحجارة على الاحتلال الإسرائيلي، وهو يصنف كل من يقاوم الاحتلال بالسلاح على أنه إرهابي، ويقوم بمنعه من دخول أراضيه أو اعتقاله إن وصل إليها وهو يقوم أيضا بالتنسيق مع إسرائيل لمنع أي مقاومة فلسطينية ويدعم أي جهد للقضاء عليها.
والغرب لا يقوم بذلك فقط، ولكنه يدعم دولة الاحتلال بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا والتي تمكنه من هزيمة كافة الدول العربية مجتمعة.
هذه المقارنة لا تكشف لنا فقط ازدواجية المعايير في سياسات الغرب، ولكن أيضا حجم السقوط الأخلاقي له رغم كل حديثه عن الحرية والديمقراطية.

[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]

تنويه: إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي المكتب الاعلامي الفلسطيني في أوروبا وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة أو الكاتب حصراً

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا