سؤال الهجوم الروسي على أوكرانيا.. متى تنضم كييف للاتحاد الأوروبي؟ الإجابة صادمة

الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي يفرض سؤالاً بشأن انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي، فهل أصبح ذلك مسألة وقت فقط؟ الإجابة الصادمة تحددها القواعد الأوروبية التي تنظم المسألة.

كان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد طلب انضمام بلده إلى الاتحاد الأوروبي “بلا تأخير”، وقال مخاطباً البرلمان الأوروبي: “نكافح لنصبح عضواً كامل العضوية في أوروبا، وأعتقد أننا نُظهر للعالم بأَسره اليوم أننا نستحق ذلك. لذلك عليكم أن تثبتوا أنكم معنا وأنكم لا تتخلون عنا وأنكم أوروبيون فعلاً”.

وخلال جلسة عاطفية بامتياز عقدها البرلمان الأوروبي، بدا من خلال تصريحات المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 عضواً، أن انضمام أوكرانيا إلى التكتل الأوروبي أصبح أمراً محسوماً وقد يتم الإعلان عنه في أية لحظة، لكن الأيام التالية أظهرت صورة مختلفة تماماً.

وتقول روسيا إنها بدأت “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا، هدفها منع عسكرة كييف والإطاحة بحكومتها التي تعادي موسكو وتضطهد الأقلية الروسية، بينما تصف الدول الغربية وكييف العملية بأنها غزو روسي وحشي لا مبرر له. وبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا الخميس 24 فبراير/شباط ومازال مستمراً، حيث تحاصر القوات الروسية العاصمة كييف والمدن الأوكرانية الأخرى مثل أوديسا وخاركيف وغيرهما.

أصل الأزمة.. انضمام أوكرانيا لأوروبا الغربية

صحيفة New York Times الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه “الهجوم الروسي على أوكرانيا يفرض سؤالاً: إلى أيِّ مدى تذهب أوروبا شرقاً؟“، رصد احتمالات موافقة الاتحاد الأوروبي على انضمام أوكرانيا وشروط تلك العضوية، التي تسبب السعيُ إلى الحصول عليها في تعرض كييف لغضب موسكو.

وبحسب الصحيفة الأمريكية كانت البداية عندما لوَّح الأوكرانيون بأعلام الاتحاد الأوروبي ووضعوا حياتهم على المحك في عام 2014 في أثناء ثورتهم بميدان الاستقلال (الميدان الأوروبي)، في قلب كييف، على خلفية رغبتهم في الانضمام إلى الغرب. لقد كانت لحظةً محورية، حيث اختيرت أوروبا بدلاً من روسيا، وتسبَّب ذلك في غضب الكرملين.

والآن، في مواجهة الهجوم الروسي والبحث عن مساعدةٍ ذات مغزى من الاتحاد الأوروبي، يطالب الأوكرانيون بأن تصبح بلادهم عضواً في الاتحاد الأوروبي، وأن يتم ذلك قريباً. تنضم إلى الدعوة دولتان متجاورتان، مولدوفا وجورجيا، اللتان تشعران أيضاً بالضعف أمام روسيا وتسعيان إلى الانضواء تحت مظلَّة الاتحاد الأوروبي.

وقال زيلينسكي عبر رابط فيديو من مخبئه، بجلسة خاصة في البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع: “سيكون الاتحاد الأوروبي أقوى معنا”. ووجَّه كلماته إلى الاتحاد الأوروبي قائلاً: “أثبِت أنك معنا ولن تتركنا”.

وقد فعل الاتحاد الأوروبي الكثير من أجل أوكرانيا بالفعل، ففي غضون أسابيع قليلة، بدأ التكتل في التقدم كقوة عسكرية، حيث تُمرَّر ملايين اليوروهات من المساعدات والأسلحة إلى كييف، كما تستقبل الدول الأعضاء مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين.

وأعلنت بولندا عن استقبال أكثر من 800 ألف لاجئ أوكراني حتى السبت 5 مارس/آذار، بينما تواصل دول الاتحاد الأوروبي إرسال شحنات الأسلحة النوعية إلى كييف، مثل صواريخ غالفين وستينغر وغيرها من الأسلحة المضادة للمدرعات والطائرات. وحتى ألمانيا، التي كانت تعارض إرسال أسلحة إلى مناطق الصراع، تخلت عن تلك السياسة وانضمت إلى رَكب الدول الغربية الداعمة دون شروط لأوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي.

لا استثناءات لأوكرانيا!

لكن الشيء الوحيد الذي لا يرجح أن يفعله الاتحاد الأوروبي، هو تسريع عملية انضمام أوكرانيا، أو تعديل قواعده ومتطلَّباته للانضمام، أو السماح لأوكرانيا والآخرين الذين رفعوا أيديهم بشكل عاجل لدخول النادي المدعو فقط بالقفز إلى مقدمة الخط، حتى الآن، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

ففي حقيقة الأمر لا يوجد مسار سريع للدخول إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فالعملية تتطلب تعديلات تشريعية في البلد المرشح تجعل قوانين البلد متطابقة أو شبيهة بالقانون الأوروبي، وهي عملية طويلة ترافقها مناقشات حول سلسلة من القضايا الأخرى.

مفاوضات انضمام رومانيا استغرقت عشر سنوات وبلغاريا 11 سنة بعد تقديم كل منهما طلب الانضمام في 1995، ولم تتجاوز ألبانيا التي قدمت ترشحها منذ 2009 وتركيا المرشحة منذ 1987 العقبات حتى اليوم، كما أن أوكرانيا تبدو غير قادرة على احترام معايير الاتحاد الأوروبي الأساسية مثل الاستقرار السياسي واقتصاد السوق الفعال، بحسب تقرير لموقع فرانس24.

وقال سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، للموقع الفرنسي، إن انضمام أوكرانيا “إشارة وأمر محتمل سيستغرق على أي حال، سنوات عدة”، وأضاف: “لم نصل بعد إلى نهاية هذا النقاش. قال الجميع إنه يتعين علينا النظر في خيارات متنوعة. هناك فروق دقيقة في الحساسيات والعبارات”.

أوكرانيا

لكن لا يتم قبول انضمام أي دولة إلى الاتحاد الأوروبي إلا بالإجماع. وأعلنت دانيالا جيتمان مساعدة وزير الخارجية الروماني، أن بوخارست “ستكون صوتاً قوياً وواضحاً” لمصلحة اندماج أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا “في أسرع وقت ممكن”.

كما صرح غاسبر دوفزان سكرتير الدولة في وزارة الخارجية السلوفينية: “يجب أن نعطي الأمل (للأوكرانيين)؛ حتى يعرفوا لماذا يقاتلون”. ودعت ثماني دول هي تشيكيا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا وبلغاريا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، في رسالة مفتوحة، إلى فتح مناقشات حول انضمام أوكرانيا.

وقال مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس، إن أربع دول أخرى تدعم أوكرانيا، بينها السويد والمجر وكرواتيا. لكن ثلث الدول الأعضاء- وضمنها بلجيكا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا- تبدو أكثر تحفظاً، وتخشى خصوصاً أن يؤدي التوسع الكبير في الاتحاد الأوروبي إلى تراجع فاعليته.

وقال سكرتير الدولة الإيطالي للشؤون الأوروبية، فينتشنزو أمندولا، إن ترشيح أوكرانيا “ليس على جدول الأعمال اليوم”، وما هو مطروح هو “الدفاع عن الشعب الأوكراني في مواجهة العدوان الروسي”. وتساءل المصدر الدبلوماسي: “لا يمكن قبول انضمام (دولة) عندما تكون في حالة حرب. إذا أصبح لدينا جنرال روسي في كييف خلال 15 يوماً، فماذا سنفعل؟!”.

هل تنطبق شروط الاتحاد الأوروبي على أوكرانيا؟

كانت أوكرانيا بعيدة عن الاستعداد لبدء محادثات الانضمام حتى قبل الهجوم الروسي. وقال أحدث تقريرٍ أصدره الاتحاد الأوروبي، ونُشِرَ في ديسمبر/كانون الأول 2020، حول تقدُّم الإصلاح بأوكرانيا، إن الفساد وسيادة القانون لا يزالان يمثِّلان مشكلةً، على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين المؤسسات، خاصةً المحاكم.

ولم يكن التوسُّع السريع سهلاً على الإطلاق بالنسبة للاتحاد الأوروبي. لعقود من الزمان، تردَّد الاتحاد في التوجُّه شرقاً، بعد أن عانى آلاماً متزايدة بعد الاعتراف بعددٍ كبير من الدول التابعة سابقاً للاتحاد السوفييتي، ولم تكن جميعها قادرةً على التعامل مع قضايا الحكم الديمقراطي، ومع الفساد، بعد عامي 2004 و2007.

كان قادة الاتحاد الأوروبي يدركون أيضاً أن التعدِّي الإضافي، مثل ذلك الذي حدث مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على ما اعتبرته موسكو من قبلُ مجالها الخاص، من المُرجَّح أن يثير استعداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كانت الروابط مع بروكسل في قلب الجدل الذي انتهى بالثورة الأوكرانية عام 2014 والتوغل الروسي في شرق أوكرانيا الذي أعقب ذلك.

قالت روزا بلفور، مديرة معهد كارنيغي للأبحاث في بروكسل، لـ”نيويورك تايمز”: “لقد برَّر الواقعيون في العواصم الأوروبية سياسة اللامبالاة تجاه أوروبا الشرقية على أنها رغبة في عدم إزعاج روسيا، لأن إزعاج روسيا كان سيؤدي إلى عدم الاستقرار”.

لكن هجوم بوتين الكامل على أوكرانيا حطَّمَ عملياً كلَّ تفاهمٍ بين روسيا والغرب. لقد سُحِقَت الأفكار المتعلِّقة بالبنية الأمنية تحت وطأة الدبابات الروسية. وتشكَّلَت مجالات نفوذٍ جديدة بسرعة في المناطق الواقعة سابقاً على السياج بين الشرق والغرب.

لكن في حين أن هناك قليلاً من الشك في أن بلدان الاتحاد الأوروبي موحَّدةٌ في الرغبة في إمداد أوكرانيا بدعمٍ ذي معنى، سامحةً لها ولجوروجيا ومولدوفا بالعضوية الكاملة في أيِّ وقتٍ قريب، هو أمرٌ مستحيلٌ عملياً، مثلما يصرُّ مسؤولون ودبلوماسيون في بروكسل.

وحتى منح هذه الدول وضع العضو المرشَّح قريباً يبدو خطوةً بعيدةً جداً بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وترجع أصول الاتحاد الأوروبي إلى الخمسينيات من القرن الماضي، إذ تشكَّلَ آنذاك من ست دولٍ أساسية هي ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا وهولندا ولوكسمبورغ وبلجيكا. ثم توسَّع الاتحاد ليضم 28 دولة، قبل أن تخرج المملكة المتحدة ويصبح 27 دولة.

ويجادل البعض بأن التكتل الأوروبي بات أكبر من أن يحافظ على هوية متماسكة ومجموعة من المبادئ، مثل التوترات طويلة الأمد مع أعضاء مثل المجر وبولندا. تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، وهو المؤسسة التابعة للاتحاد الأوروبي والتي تجمع القادة الوطنيين للدول الأعضاء، اعترف بأن مجرد التفكير في الأمر كان سبباً للانقسام.

وقال بعد المناشدة التي أطلقها زيلينسكي: “سيكون الأمر متروكاً لنا بصفتنا اتحاداً أوروبياً للعمل وفقاً للعصر الذي نحن فيه”. وأضاف: “سيكون الأمر صعباً. نعلم أن هناك وجهات نظر مختلفة في أوروبا. سيتعيَّن على المجلس أن ينظر بجدية في الطلب الرمزي والسياسي والشرعي الذي قُدِّمَ. وسيتعيَّن علينا اتخاذ الخيارات المناسبة بطريقة حازمة وواضحة”.

أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، تحدَّثَت أيضاً عن رمزية اللحظة. وحتى قبل أن يلقي زيلينسكي خطابه في البرلمان الأوروبي، أعلنت أورسولا في مقابلةٍ صحفية، أن أوكرانيا “واحدةٌ منَّا ونريدها في الاتحاد الأوروبي”.

وتراجَعَ المتحدِّث باسم أورسولا بحذرٍ عن تعليقاتها، يوم الخميس 3 مارس/آذار. وقال المتحدِّث، إريك مامر: “هذه دول تُعرب عن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يُظهِر بالفعل نجاح الاتحاد الأوروبي كجزءٍ من مشروع للسلام والازدهار”. وأضاف: “لذلك، من الواضح أن الآخرين يرون في الاتحاد الأوروبي نموذجاً ناجحاً ويرغبون في الانضمام إلينا”.

يُعَدُّ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عمليةً طويلةً وشاقة. للحصول على وضع المرشَّح، يجب على الدولة الامتثال لما يسمَّى بمعايير كوبنهاغن، وهي مجموعة من المعايير المتعلقة بديمقراطيتها واقتصادها.

ولكن هنا يبدأ الجزء الصعب. هناك 35 فصلاً من مفاوضات الانضمام، يتعلق كل منها بمجال السياسة الذي يُطلب فيه من الدولة المرشحة إجراء تغييرات -قضائية وعملية على حدٍّ سواء- لتتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي.

ويمكن أن يتوقَّف العمل في فصولٍ محدَّدة لسنواتٍ، ويخضع أيُّ تقدُّمٍ للمراقبة المستمرة لمعايير المحاكم والأنظمة القضائية في الدول المرشَّحة، فضلاً عن جودة مؤسساتها الديمقراطية.

المصدر: عربي بوست

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا