تحذير بمضمون قتل

تحت طائلة تحذير لا يؤول سوى بالرغبة في إراقة الدماء، اندفعت قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي صباحا نحو مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة.

استفاق أهالي المخيم على هدير آليات الاحتلال في حاراتهم، ودبيب عساكره في الأزقة، وقعقعة أسلحتهم خلف النوافذ، ودوي مئات الأعيرة النارية، وفتحوا أبواب منازلهم على وجوه جنود يختفي معظمها وراء مناظير التقريب وعزيمة القتل والتخريب.

بدأ اقتحام المخيم قبل السابعة صباحا كما يؤكد شهود العيان، بداعي اعتقال أحد الشبان، وانتهى بارتقاء الشهيد علاء شحام، وتسجيل 6 إصابات على الأقل، خلال مواجهات واسعة.

اشتكى طفل في السادسة، أنه لم يتوجه للمدرسة صباحا، إذ كان عشرات الجنود خلف الباب وفي سائر المنطقة، وأشار إلى زقاق مترامية على جانبيه منازل المخيم المتلاصقة، وفي آخره المنزل الذي لفظ فيه الشهيد آخر أنفاسه.

وما أن أعلن عن تواجد لقوات الاحتلال في المخيم، نشر أحد ضباط الاحتلال، المسؤول عن مخيم قلنديا وكفر عقب، على موقع “فيسبوك” تصريحا يحمل إجازة باستهداف كل من يقترب من جيش الاحتلال خلال الاقتحام.

وكتب من يسمي نفسه كابتن حمزة بعربية ركيكة: “اللي حابب يتعرض لخطر خلوا يتقرب على الجيش”.

الشهادات المتطابقة التي حصلت عليها “وفا” ممن تواجدوا في المكان، بيّنت أن جنديا كان يقف على الشارع أشهر سلاحه وأطلق منه النار بشكل مباشر صوب الشهيد الذي كان يعتلي سطح إحدى البنايات.

أصيب علاء في رأسه، فخارت قواه وتدلى جسده على حافة سطح البناية، رأسه النازف للأسفل، ودماؤه وبقايا من أشلائه التصقت بالحائط الخارجي.

ومن ورائه، هب الشبان الذين أخطأهم رصاص الاحتلال لإخلائه ونقله إلى سيارة إسعاف وصلت للتو أسفل البناية. بعضهم يعتقد أنه ارتقى على الفور، والبعض الآخر يؤكد أنه تحسس نبضا في قلبه، ولكنه كان خافتاً بطيئا.

كان ذلك في الرمق الأخير من الاقتحام، وقبل أن ينسحب جيش الاحتلال من المخيم بقليل.

يقول الفتى عصام عساف، “كنا في العمارة المقابلة لموقع استشهاد علاء؛ نستعد للخروج إلى المدرسة، وجدنا الجيش في وجوهنا فعدنا أدراجنا إلى المنزل، وانتظرنا أن ينسحب وصعدنا للسطح كي نشاهد ما يقومون به. بدأ الجنود بالانسحاب من بعض المناطق والتجمع في هذا الزقاق، وقاموا بإطلاق النار صوب عدد من الأهالي الذين تجمعوا على السطح المقابل”.

أكثر من مرة ومن أكثر من اتجاه، تم إطلاق النار على كل من تواجدوا فوق سطح البناية الذي استشهد عليه علاء، تراجعوا إلى الخلف وتوقف لبرهة إطلاق النار، رفع علاء رأسه ليستكشف ما يجري في الأسفل، فعاجله أحد الجنود وأطلق النار عليه.

لم تكن الرصاصة التي ارتقى بها علاء هي الأولى التي يصاب بها، إذ يروي الشاب موسى عساف أن الشهيد تعرض للإصابة في إحدى ساقيه بعيار معدني مغلف بالمطاط، إلا أن الرصاصة الثانية كان هدفها القتل ليس إلا.

ويقول: “كان إطلاق النار بهدف القتل. الجندي تعمد إطلاق الرصاص الحي وصوب رأس الشهيد”.

بجوار جثمان نجله الذي سُجي لنظرة الوداع في مكتبة مسجد مخيم قلنديا، جلس محمد شحام باكيا يشكر الله على نعمة وهبها واستعادها، “الحمد لله الذي أعطاني هدية وأعدتها له كاملة متكاملة، شاب ذو خلق ودين. رحم الله جميع شهداء فلسطين وشهداء مخيم قلنديا، كانوا السابقين وعلاء التحق بهم، علاء كان مكافحا ويحب عمله في النجارة، وكان يملك مشروعاً منزلياً لصنع وبيع الفشار وغزل البنات”.

علاء الشقيق الأصغر بين خمسة إخوة، كان هدفاً للقتل كما يقول والده، حاله حال أي فلسطيني خلال أي اقتحام لجيش الاحتلال في أي مكان كان.

“الجيش عندما يقتحم فهو يريد أن يقتل، حتى عابري السبيل الذين لا تميز بينهم رصاصات الاحتلال”، كما يقول.

واعتبر مدير مكتب محافظة القدس في منطقة قلنديا وكفر عقب زكريا فيالة أن ما شهده المخيم صبيحة اليوم جريمة جديدة تدون في سجل المجازر التي ارتكبت بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، نتيجة اقتحام قوات الاحتلال المتكررة واستهدافها الدائم للمخيمات الفلسطينية.

وأشار إلى أن ما يسمى بضابط المنطقة في مخابرات الاحتلال، هدد مؤخرا بعض الشبان في المخيم بالقتل بشكل واضح وصريح، وإيصال جثثهم هامدة إلى أمهاتهم، إن لم يقوموا بتسليم أنفسهم.

وما نشره ضابط الاحتلال صباحا على “فيسبوك”، يأتي في سياق تلك التهديدات لشبان المخيم، التي اتخذت عدة أشكال في الآونة الأخيرة، ومنها الاتصالات الهاتفية المباشرة، حسب تصريح فيالة.

من جانبه، قال نائب محافظ القدس عبد الله صيام، إن ما قام به الاحتلال في مخيم قلنديا إنما هو استسهال في استباحة الدم الفلسطيني دون مبرر يذكر، ولا يمكن أن يجري عزله عما قام به الاحتلال في القدس خلال الأيام الماضية، حيث ارتقى 4 من الشهداء في المحافظة.

وحذر صيام من سعي الاحتلال لارتكاب المزيد من عمليات القتل في الأيام القادمة، في تصعيد يسبق حلول شهر رمضان المبارك، الذي يذكر بما كان في أيار/ مايو العام الماضي بكل ما في تلك الفترة من جرائم احتلالية ارتكبت في القدس وقطاع غزة.

وأضاف صيام: “هذا وضع خطير ويمثل استغلالا للموقف الدولي الذي يوجه أنظاره اليوم إلى ما يجري بين روسيا وأوكرانيا. ونعتقد أن هذا الموقف يتطلب أن يكون للعالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي نظرة تجاه الشعب الفلسطيني، الذي تستباح دماؤه وتهدم منازله”.

وفا- رامي سمارة

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا