إزفستيا: عالم بارد يلوح في الأفق

سرد عميد كلية العلاقات الدولية في جامعة موسكو الرسمية للعلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية أندريه سوشنتسوف كيف تراجع اهتمام الغرب في أخذ مصالح روسيا بالاعتبار خلال العقود الماضية.

استخدم الغرب عبارات مثل “محطة غاز تزعم أنها دولة” و”قوة إقليمية” في خطاباته وهي مجرد أمثلة قليلة عن النهج الغربي تجاه موسكو. بعبارة أخرى، كانت صورة روسيا كـ”جندي من ورق” تكتسب شعبية.

أخبار سيئة.. على دفعات
حسب تحليل سوشنتسوف في صحيفة “إزفستيا” الروسية، اعتقد الغرب أن روسيا لن تقاوم أي قرارات عسكرية-استراتيجية للولايات المتحدة في ما يخص أوروبا. كان الأمر الأساسي هو إعطاءها أخباراً سيئة على دفعات. في 2008، كتب السفير الأمريكي في موسكو ويليام بيرنز عن عدم إمكانية تحقق القرارات الأمريكية الثلاثة بشأن أوروبا – الاعتراف باستقلال كوسوفو، منح خطط عضوية أطلسية لجورجيا وأوكرانيا، ونشر أنظمة دفاعية صاروخية في أوروبا – إذا تم تقديمها إلى موسكو دفعة واحدة. دعا بيرنز حينها إلى التحرك بحزم في قضية كوسوفو وتأجيل خطة العضوية الأطلسية لأوكرانيا وجورجيا، والتفاوض مع بوتين في المسألة الثالثة.

تشوه في العلاقات
قبل 24 فبراير، برز تشوه بارز في نظام العلاقات بين روسيا والغرب حسب الكاتب. كان الروس مشاركين في علاقة اعتمادية متبادلة من خلال انخراط روسيا في اقتصاد دولي يتمركز حول الغرب. ساد اعتقاد بأن مصلحة روسيا بالمشاركة في هذا النظام أهم من مصلحتها بضمان أمنها.
خلال السنوات القليلة الماضية، وقعت أحداث عسكرية على طول محيط حدود روسيا الغربية، أكانت على شاكلة مناورات خطرة للسفن الحربية أو انتشار للمقاتلات أو تدريبات غير مجدولة سلفاً أو استفزازات أخرى. رسم الإعلام الغربي الخطوط العريضة لأوضاع ما قبل الحرب تقريباً.
في الصيف الماضي، تم نشر مقاتلات إسبانية في ليتوانيا وتمت دعوة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز لرؤيتها. عقد الأخير مؤتمراً صحافياً مع الرئيس الليتواني غيتاناس نوسيدا أمام حظيرة المقاتلات. في تلك اللحظة، دوى جرس إنذار قتالي، وتم الإعلان عن حاجة إحدى المقاتلات للمغادرة كي تعترض مقاتلة روسية. بالطبع، صُنع ذلك لأغراض الصورة الإعلامية وفقاً لسوشنتسوف.

ما تخشاه روسيا
بعد 24 فبراير، توقفت فجأة جميع النشاطات العسكرية الاستفزازية للناتو في محيط حدود روسيا الغربية: أدرك الغرب أن روسيا كانت قادرة على الرد العسكري. لكن أصبح واضحاً أيضاً أن اللاعب الأمني الحقيقي الوحيد في الغرب هو الولايات المتحدة التي تتدبر إرسال شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا في وقت تقول إنها لا تسعى إلى تصعيد الأزمة.
ظهر رد الفعل الروسي على علاقات أوكرانيا مع الغرب على خلفية رد فعل الدول الأخرى في الفضاء السوفياتي السابق. إن خطورة أوكرانيا هي أنها الدول الأوروبية الوحيدة ذات الحدود المشتركة مع روسيا والتي تفرض خطراً محتملاً عليها: عدد كبير من السكان وقوات مسلحة ضخمة مع أسلحة حديثة والعديد من الحوافز الآيديولوجية لمعارضة الاتحاد الروسي.

الهند وباكستان ومخاوف أخرى
يذكر الكاتب أنه بالنسبة إلى روسيا، العلاقات مع أوكرانيا مماثلة لعلاقات الهند مع باكستان. ولدت هاتان الدولتان بشكل متزامن خلال عملية انهيار الإمبراطورية البريطانية. بالنسبة إلى باكستان، كانت المواجهة مع الهند تجربة تكوينية حددت طبيعة السياسة الداخلية لتلك الدولة والدور المركزي للجيش والاستخبارات وجوهر برامج صناعة الأسلحة النووية وتدريب الإرهابيين على شن أعمال تخريب في الهند، حسب سوشنتسوف. إن أكلاف مواجهة مطولة مع أوكرانيا متعسكرة ستكون كبيرة على موسكو.
يفترض الكاتب على سبيل المثال أن تثبت صحة توقعات وزارة الدفاع الروسية، حيث تتمكن الدولة المجاورة من تصنيع قنبلة قذرة. في الوقت نفسه، تستمر عملية تسليح الجيش بأسرع ما يمكن، وبعد فترة من الزمن، سيتركز 300 ألف جندي في شرق أوكرانيا بدلاً من 120 ألفاً. يعيش في أوكرانيا أكثر من 40 مليون نسمة بينما موازنة أوكرانيا الدفاعية 6% من ناتجها القومي وهو رقم مساو للموازنة العسكرية الإسرائيلية. والجيش الأوكراني هو ثالث أكبر جيش في أوروبا بعد روسيا وتركيا.

واقع تفاوضي جديد.. وعالم جديد
يؤسس استخدام القوة الروسية في أوكرانيا واقعاً تفاوضياً جديداً. المعادلة السابقة للساسة الغربيين حول أن “روسيا على الجانب الخاطئ من التاريخ.. لكننا سنتجاهلها” قد استنفدت مواردها. أصبح واضحاً أن ذلك لم يكن فقط “نسخة عن الأحداث” لكن أيضاً موقع تفاوضي متطلب يهدف إلى خلق نظام أمني في أوروبا يأخذ مصالح موسكو بالحسبان.
يجدر الاعتراف بأن النظام الأمني الجديد في أوروبا سيكون معتمداً على العدوانية المتبادلة. لكن سيكون ذلك متحوراً من العدوانية يستثني السلوك الاستفزازي. بعد 24 فبراير، ستزيد الدول الأوروبية إنفاقها العسكري وستتغير جغرافيا الانتشار العسكري الأمامي للأصول والقوات الأطلسية. ستصبح أقرب إلى الحدود الروسية.
لكن من جهة ثانية، سيكون هنالك أيضاً زيادة في مسؤولية استخدام هذه القوات وأساليبه. سيكون أي حادث قادراً على إثارة أزمة لا تناسب المصالح الحيوية للدول الأوروبية. نتيجة هذه التوازنات والقيود هي عالم بارد، وهو أفضل الممكن حالياً وفقاً للكاتب.

موقع 24-جورج عيسى

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا