نيويورك تايمز: جونسون صقر حمل الراية في الحرب الأوكرانية ولكنّ تأثير بلاده محدود

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده مارك لاندلر، قال فيه إن بريطانيا اتخذت موقفا متشددا من روسيا وبدت صقورية أكثر من غيرها في أوروبا، والسؤال هل ستحذو القارة حذوها؟

ويرى لاندلر أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يحد من قدرتها الدبلوماسية. فعندما استقبل رئيس الوزراء بوريس جونسون المستشار الألماني أولاف شولتز في مقر الحكومة البريطانية يوم الجمعة، تجنب الزعيمان موقفا يشبه الذي حدث مع مارغريت تاتشر التي عنفت الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، عندما قالت له: “هذا ليس وقت التذبذب”. وكانت تاتشر تحث بوش على اتخاذ موقف قوي من غزو صدام حسين للكويت. وشدد جونسون من جانبه على شولتز ألا يخفف الضغط عن روسيا بعد غزوها أوكرانيا. إلا أن رئيس الوزراء البريطاني صمم على إظهار الوحدة. وليس واضحا إن كان مقنعا في موقفه الصقوري أثناء الحديث الخاص مع المستشار الألماني كما كانت تاتشر مع بوش.

وقال جونسون بعد اللقاء إن ألمانيا ملتزمة بتقليص اعتمادها على الطاقة الروسية، في وقت رفض الاتحاد الأوروبي طلبات جونسون بجدول زمني لإنهاء الواردات من الغاز الروسي. وقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان يراهن على موضوع الطاقة كي يقسم الحلفاء الأوروبيين حول الموضوع إلا أنه فشل.

وقال: “لم يكن هذا الموضوع سهلا علينا جميعا، وأشيد بالقرارات المزلزلة التي اتخذتها حكومة أولاف لإبعاد ألمانيا عن الهيدروكربون الروسي”. وأضاف: “لن نغير منظور نظام الطاقة الذي نتبعه في ليلة وضحاها، ولكننا نعرف أن الحرب لن تنتهي سريعا”.

وتقول الصحيفة إن بريطانيا راهنت في الحرب الأوكرانية على دور قاس أكثر من بقية الدول الأوروبية، وقدمت الدعم لأوكرانيا وشجبت روسيا، لكن تأثيرها على فرنسا وألمانيا يظل محلا للشك، في ضوء مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي ولا مقعد لها في بروكسل. ورد شولتز: “نفعل قدر الاستطاعة ونفعل الكثير” محذرا أن فطم بلاده عن الغاز الروسي يقتضي استثمارات هائلة من أجل إنشاء بنى تحتية كي تستطيع ألمانيا استيراد الغاز من دول أخرى.

وبالنسبة لشولتز، فثمن قطع الغاز الروسي يتفوق على أي شيء يقوله جونسون. وبعد اتخاذه قرارا بزيادة النفقات العسكرية بعد توليه السلطة، قال نقاده إن شولتز بدأ يشعر بحجم بلاده الجيوسياسي في أوروبا. وهو ما أثار قلقا بأنه قد يواصل التعامل مع روسيا كما فعلت ميركل سابقا. ويقول نوربرت روتيغن، المسيحي الديمقراطي الذي ترأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان حتى عام 2021: “هناك فراغ في السلطة داخل أوروبا ويجب على ألمانيا ملأ هذا الفراغ. وبدلا من لعب دور القائد، كنا بطيئين ومتأخرين ولم نفعل إلا القليل لممارسة الضغط على روسيا”.

إلا أن جونسون تجنب نقد المستشار الألماني في أول زيارة له إلى لندن. وبدلا من ذلك، أظهر تفهما مع الزعيم الأوروبي مثلما تفهم إيمانويل ماكرون الذي تعرض للتمحيص بسبب استمراره في الحديث مع بوتين منذ بداية الحرب. لكن جونسون لم يتحدث مع بوتين منذ أن اجتازت القوات الروسية الحدود الأوكرانية. وقال: “المفاوضات مع بوتين ليست واعدة” و”هذا لا يعني أنني لست معجبا بجهود الذين يحاولون البحث عن مخرج، ولكنني متشكك وبالتأكيد ساخر”.

وجعل جونسون بريطانيا المزود الرئيسي للسلاح إلى أوكرانيا. وفي يوم الجمعة، أعلن عن شحنات جديدة من الصواريخ المضادة للطائرات المعروفة باسم “ستارزستريك” و800 صاروخ مضاد للدبابات. وقال وزير الدفاع بن والاي، إن بريطانيا أرسلت عربات مصفحة. وفي الأسبوع الماضي، نظمت بريطانيا مؤتمر مانحين شاركت فيه أكثر من 33 دولة لتقديم الدعم العسكري إلى أوكرانيا.

ومشكلة بريطانيا اليوم نابعة من موقعها في أوروبا، فقبل مغادرتها الاتحاد الأوروبي لعبت دور الجسر بين القارة والولايات المتحدة، مستخدمة علاقتها الخاصة مع وشنطن للتحاور مع ألمانيا وفرنسا. ولم تكن جهودها في تلك الفترة ناجحة تماما، وهي أقل نجاحا بعد البريكست. وقال جوناثان باول، الذي عمل رئيسا لطاقم رئيس الوزراء طوني بلير أثناء حرب العراق: “من غير المحتمل أن تلعب بريطانيا دور الجسر لأنها حاولت التفوق حتى على بولندا في موقفها المتشدد من روسيا”. و”ينظر جونسون لنفسه كطليعة وليس جسرا”.

والمخاطر التي تواجه بريطانيا هي تعامل دول أوروبا معها على أنها “الكلب الذي يجري لمصالح الأمريكيين” وهو أمر مناسب لجو بايدن. وأقام جونسون علاقة واضحة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو على اتصال دائم معه بشكل شبه يومي. وفي الخطابات التي ألقاها أمام البرلمانات الأجنبية، كانت بريطانيا الوجهة الأولى، وشكر جونسون تحديدا على دعمه.

وتقول الصحيفة إن جونسون وجد في حرب أوكرانيا حدثا طغى على الأحداث السياسية داخل بلاده، وأظهر ذكاء واضحا لانتهاز اللحظة. وفي الأسبوع الماضي، سجل فيديو موجها للشعب الروسي حاول فيه فصلهم عن بوتين: “رئيسكم بات متهما بجرائم حرب”. وأضاف: “لكنني لا أصدق أنه يتصرف باسمكم”. وقررت بريطانيا يوم الجمعة فرض عقوبات على ابنتيْ بوتين وابنة وزير الخارجية سيرغي لافروف. وهي جزء من إجراءات فات وقتها كما يقول النقاد ضد الأثرياء الروس الذين ضخوا مكاسب غير مشروعة في قطاع العقارات بلندن.

وقال مالكولم تشالمرز، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن: “قبل الأزمة، نظر لوضع بريطانيا بأنه منافق لأنها فشلت في معالجة الثروة الروسية التي تدفقت إلى لندن” و”لكنها اتخذت إجراءات يدعو لها الناس منذ سنوات”.

وتعلق الصحيفة أن دعوة جونسون الأوروبيين للتخلي عن الطاقة الروسية سهل له لأن بلاده أقل اعتمادا عليها من بقية دول القارة. وكانت بريطانيا قد أعلنت يوم الأربعاء التوقف عن شراء الفحم الحجري والنفط من روسيا بنهاية 2022 والغاز في أقرب فرصة. ويرى كيم داروش، السفير البريطاني السابق في واشنطن: “هو محق بأن يكون حامل الراية، حتى لو كان هذا سهلا علينا” ولكن “الأوروبيين سيقولون ماذا تفعلون بلندن غراد” في إشارة “للمال الروسي المشبوه”. والجواب “ليس الكثير”.

“القدس العربي”

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا