إسرائيل تصطدم بالموقف الفلسطيني للحيلولة دون تمرير مخطط التقسيم للمسجد الأقصى

بقلم: المحامي علي ابوحبله

دأبت سلطات الاحتلال الصهيوني على إصدار القوانين والتشريعات التي تساعد إسرائيل على إحكام قبضتها على مدينة القدس والأعمال التي استهدفت الوضع الجغرافي والديمغرافي والمؤسسي لمدينة القدس منذ اليوم الأول لاحتلالها، اهتمت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بما يجري فيها من ممارسات خطيرة وانتهاكات جسيمة لمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فاتخذ كل من مجلس الأمن والجمعية العامة، القرارات التي ترفض وتشجب وتدين الإجراءات الإسرائيلية في المدينة بدءا من العرض العسكري الإسرائيلي التي أقامته إسرائيل في المدينة عام 1968، ثم قرار حكومة إسرائيل بفرض القانون الأساسي على القدس وضمها إلى إسرائيل واعتبارها عاصمة لها، وصولاً إلى التغييرات الجغرافية والديمغرافية فيها، وإقامة المستوطنات الإسرائيلية حولها لعزلها عن محيطها الفلسطيني. هذا وقد أكدت معظم هذه القرارات بطلان الإجراءات الإسرائيلية في المدينة المقدسة وانطباق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب والمعقودة عام 1949 على الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بما فيها القدس.
منذ عام 1967 أصدر مجلس الأمن قرارات عديدة أكدت انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، وكذلك فعلت الجمعية العامة، ولجنة حقوق الإنسان في دوراتهما المختلفة عند بحث الممارسات الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولقد عالج مجلس الأمن والجمعية العامة في كثير من الأحيان تلك الانتهاكات التي وصفتها اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب بأنها انتهاكات جسيمة لأحكام الاتفاقية، وعرفها البروتوكول الأول الملحق بالاتفاقية بأنها تمثل جرائم حرب.]
ورغم القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن والجمعية ألعامه تواصل سلطات الاحتلال مشاريعها لتهويد القدس والتنصل من كافة الاتفاقات بخصوصها ،ولا تردد في ترداد مقولة حرصها على استمرار «الوضع الراهن» في المسجد الأقصى والتفاهمات المتّصلة به. وهي مقولة تتناقض مع الحقائق على ارض الواقع
لم تَعُد خطط إسرائيل للسيطرة على المسجد الأقصى، بما يشمل تقسيمه زمانياً ومكانياً، خَفيّة أو مموَّهة بشعارات من قبيل الحرص على ترتيبات «الوضع الراهن»، والتي لا تفتأ تل أبيب تتجاوزها بشكل مدروس وهادف. وإن كانت المواجهات الاخيره في مدينة القدس المحتلّة قد أعادت تسليط الضوء على تلك المخططات التي خططت لها إسرائيل منذ سنوات وتميّزت المرحلة الجديدة لاستهداف المسجد الأقصى بالتجرّؤ على تطبيق ما خُطّط له قبل سنوات، بعدما تيقنت حكومة الاحتلال الصهيوني إمكانية تنفيذ مخططها لتهويد المسجد الأقصى في ظلّ هرولة البعض للتطبيع معها على حساب القضية الفلسطينية ، لكنها فوجئت بالموقف الأردني والهجوم الدبلوماسي والسياسي الأردني الذي يرفض أي تغيير على الوضع الراهن .
يردد كبار المسئولين الإسرائيليين أنهم لا يريدون تغيير ترتيبات «الوضع الراهن» في المسجد الأقصى، فما هي هذه الترتيبات؟ وما موقف إسرائيل منها؟ ولماذا قد تكون ساعية الآن لتغييرها؟ تعود بدايات التزام إسرائيل بـ«الوضع الراهن» إلى الفترة التي أعقبت احتلال المدينة المقدسة عام 1967، إذ بعد عشرة أيام من ذلك، قرّر وزير الأمن في حينه، موشيه ديان، ترك إدارة الحرم للأوقاف الإسلامية، إلّا أنه اشترط عليها السماح لليهود بدخول المكان وإنْ من دون الصلاة فيه، وهو اشتراطٌ كاد يكون رمزياً، لأكثر من سبب كان يمنع اليهود من الدخول، سواءً بقرار ذاتي منهم مرتبط بمحرّمات الشريعة اليهودية (منعاً لتدنيس «أقدس الأقداس» بنجاسة يتعذّر رفعها قبل أن يَظهر المسيح المخلّص في آخر الزمان)، أو ربطاً بالتفاهمات التي سرت إبّان السيطرة الأردنية السابقة، أو حتى في ظلّ الانتداب البريطاني، وأيضاً – مع استثناءات – في العهد العثماني، بموجب اتفاقية عام 1853 بين السلطنة العثمانية والكنيسة الكاثوليكية التي عُرفت باتفاقية «الوضع الراهن»، ومنحت إدارة الحرم للمسلمين، وحظرت على غيرهم دخوله
ومع مرور السنين ترسي إسرائيل معادلة مفادها بأن أيّ توتّر في المسجد أو خارجه سيؤدّي إلى مزيد من المكاسب اليهودية فيه، الأمر الذي شجّع الجماعات المتطرّفة على تصعيد استفزازاتها داخله. وعلى رغم عدم الإعلان رسمياً عن ذلك، إلّا أن الوضع حتى الأمس القريب كان يسير فعلياً نحو تقسيم زماني ومكاني بين اليهود والفلسطينيين، لا بصورة مباشرة، وإنما موارَبةً عبر تدوير الحقّ المكاني زمانياً (عندما يدخل اليهود، يُمنع الفلسطينيون من الوجود)، الأمر الذي قد يفضي لاحقاً إلى ما يزيد عن مجرّد تقسيم مكاني وزماني، كما هو الحال في الحرم الإبراهيمي في الخليل ، والخشية أن إسرائيل بدأت خطوات التهويد من النقطة التي انتهت إليها، الأمر الذي يتطلب وحدة الموقف الفلسطيني و العربي لمواجهة ما تسعى إسرائيل لإرساء دعائمه على الأرض كفرض أمر واقع في ظلّ سياسة الكيل بمكيالين وتواطؤ البعض وتماهيه مع المخططات التي تستهدف تهويد المقدسات ،المرحلة حسّاسة جدّاً، ويمكن أن تبني إسرائيل على نتائجها كلّ ما تستطيع بناءه، وصولاً إلى إلغاء الحق الفلسطيني في المكان تماماً ، والانقضاض على “الوضع الراهن (الستاتيكو)”وهو الذي ساد بالأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية أثناء الفترة العثمانية، واستمر خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين والحكم الأردني، وحتى ما بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967 وإحلال «حقّ يهودي» آخر بدلاً منه. وعليه، عندما يتحدّث المسئولون الإسرائيليون عن أنهم يحفظون «الوضع الراهن» وتفاهماته، فهم يكذبون. والكذب هنا فاضح ومباشر، ضمن مسار مقرَّر مسبقاً يستهدف التهويد الكامل للمكان، لكن الموقف الفلسطيني مدعوما بالموقف الأردني صاحب الولاية والوصاية الهاشميه على الأماكن المقدسه حال دون تمرير مخطط التقسيم ألزماني والمكاني الذي مازال ضمن مخطط ليتحول ، إلى جزء لا يتجزّأ من هذا «الوضع الراهن».

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا