كيف تقرأ إسرائيل رسالة حماس للوسيط المصري أنها غير معنية بالتصعيد في غزة؟

كلما طالت فترة التوتر داخل القدس وفي “المناطق” [الضفة الغربية] تظهر اللعبة المزدوجة التي تلعبها قيادة حماس. المنظمة أصبحت مسيطرة أكثر على التحريض وقيادة العنف داخل الحرم وفي القدس. في الوقت نفسه، يبدو أنها تحرر الحبل للفصائل الفلسطينية الأصغر في القطاع، التي عادت إلى التنقيط الليلي بالصواريخ على بلدات غلاف غزة بعد فترة هدوء طويلة. ورغم الوتيرة المتزايدة للأحداث، ليس هناك حتى الآن مواجهة مباشرة بين إسرائيل وحماس، التي تواصل إرسال رسائل تقول إنها لا تريد التصعيد في القطاع. وحتى الآن يبدو أن إسرائيل تجد صعوبة في السيطرة على ارتفاع اللهب ومنع اشتعال كبير، إذا ارتفع عدد المصابين، خاصة حول الحرم.

تتبنى إسرائيل منذ سنوات سياسة معلنة من التفريق بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن حماس ثقبت ثقباً كبيراً في استراتيجية إسرائيل في أيار الماضي عندما خلقت الصواريخ التي أطلقتها من القطاع نحو القدس بعد التوتر في المدينة، انطباعاً بنضال فلسطيني موحد، يشمل أيضاً السكان العرب في شرقي القدس. سجلت حماس لصالحها انتصاراً آخر على خلفية الأحداث العاصفة التي اندلعت قبل سنة في المدن المختلطة داخل الخط الأخضر. جزء مما نشاهده في الأسابيع الأخيرة هو محاولة لحماس لتكرار الإنجاز الذي حققته في السنة الماضية.

الحريق المتواصل في الحرم يسهل عليها ذلك. خليط خطير من نشر أخبار كاذبة في الجانب الفلسطيني، مع استفزاز اليمين المتطرف في إسرائيل، يبقي النار مشتعلة. الجمعة، حدث أمر قاس داخل الحرم عندما أصيب شاب فلسطيني إصابة بالغة في مواجهات مع رجال الشرطة. حسب ادعاء الشرطة، هو سقط وأصيب برأسه. حسب الرواية الفلسطينية، أصيب برصاصة مطاطية من مسافة قريبة. من الواضح لكل من يتابع ما يحدث في القدس أن الحريق سيزداد إذا توفي مصاب.

مسيرة الأعلام المناوبة، وبعدها إصابة المتظاهر، شكلت ذريعة لإطلاق بعض الصواريخ في الليالي الأخيرة. تم الإطلاق الأول من قبل نشطاء الجهاد الإسلامي بتوجيه من الأعلى من قبل قادة التنظيم. كان المسؤول عن الإطلاقات القادمة كما يبدو نشطاء محليون من الجهاد. وقال جهاز الأمن الإسرائيلي إن إطلاق الصواريخ لم يتم بموافقة حماس، وأشار إلى أن أجهزتها الأمنية اعتقلت العشرات من نشطاء الجهاد الإسلامي بعد إطلاق الصواريخ. بعد الإطلاق، نقلت حماس أيضاً رسائل لإسرائيل عبر الوسطاء في المخابرات المصرية تقول بأنها غير معنية بالتصعيد. مع ذلك، يجب التذكير بأن الاستخبارات الإسرائيلية تمسكت في مرات كثيرة بالفرضية التي تقول بأن حماس لا تريد إطلاق الصواريخ، وهو افتراض لم يصمد دائماً أمام اختبار الواقع.

ورد الجيش الإسرائيلي في البداية على إطلاق الصواريخ بهجمات جوية ضد مواقع عسكرية تعود لحماس بذريعة أن حماس هي المسؤولة عن كل ما يحدث في القطاع، حتى لو جرى الإطلاق من قبل فصائل أخرى. في إحدى الحالات، تم قصف وتدمير موقع يستخدم لإنتاج المواد المتفجرة لصناعة الصواريخ، بصورة قد تمس ببرامج زيادة القوة العسكرية لحماس.

اليوم تقرر اتخاذ عقوبة من نوع آخر: إسرائيل ستوقف كلياً ولفترة غير محدودة دخول العمال والتجار الفلسطينيين من القطاع إلى إسرائيل. الأمر يتعلق بـ 12 ألف شخص، الذين يعد إسهامهم في اقتصاد القطاع ضخماً. يأمل المستوى السياسي والجيش بأن الضرر الاقتصادي هذا قد يحث حماس على اتخاذ خطوات ضبط ومعاقبة أوسع تجاه الجهاد الإسلامي وفصائل أخرى إذا ما استمر إطلاق الصواريخ.

في الشهر الماضي، أكدت الحكومة على الخط المعاكس؛ فقد تجنبت العقاب الجماعي في “المناطق”، وقالت إن استمرار عمل الفلسطينيين في إسرائيل قد يكبح العنف. الآن يتم اتخاذ عقوبة محددة تجاه القطاع، الأمر الذي يدل على خوف شديد في إسرائيل من العودة إلى القصف اليومي لبلدات غلاف غزة.

في كل الجبهات، ما زالت الحكومة تبذل جهود تهدئة كبيرة. ويظهر تفكير مبكر تمثل بإعطاء التسهيلات الاقتصادية الأوسع في غزة، وسياسة شرطية منضبطة نسبياً في الحرم، وفي تحييد محتمل حول الإخلاء المخطط الذي تم تأجيله لفلسطينيين من بيوتهم في الشيخ جراح شرقي القدس. والآن هناك جهود لإدارة الأمور بصورة موضوعية دون البلاغة المتطرفة والعدوانية. حتى الآن، بقي أسبوعان متوتران على الأقل لنهاية شهر رمضان وعيد الفطر وأيام الذكرى وعيد الاستقلال في إسرائيل. في هذه الأثناء، قد يسجل رئيس الحكومة نفتالي بينيت، لنفسه نتيجة مختلطة. فرغم موجة الإرهاب التي بدأت قبل شهر تقريباً والتوتر داخل القدس لكن لا يظهر أي انجرار جماهيري لفلسطينيين في الضفة نحو العنف، وليس هناك أي تورط حقيقي للعرب داخل إسرائيل في المواجهات. ولكن مثل سلفه نتنياهو قبل سنة، يسير بينيت الآن فوق جليد رقيق. ائتلافه على حافة الانهيار والأزمة الأمنية، إذا اشتدت، قد تعطيه الدفعة الأخيرة نحو الهاوية.

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 24/4/2022

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا