مكافحة الفساد حفاظا على مسيرة حقوق الإنسان

بقلم: رنا صلاح الدين رئيس وحدة النوع الاجتماعي وحقوق الانسان – هيئة مكافحة الفساد

ما هي العلاقة بين حقوق الإنسان والفساد؟ هل يمكن لمكافحة الفساد والنهج القائم على حقوق الإنسان أن يضيفا قيمة لأجندات بعضهما البعض؟

يعد الفساد أحد أكبر العوائق، محليًا وعالميًا، لما له من تكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة خاصة على البلدان النامية التي بلغت حوالي (1.26 تريليون دولار)، كما يعتبر الفساد عقبة هيكلية كونه يهدم هيبة القانون، ويشوه أنظمة العدالة ويؤدي إلى الإفلات من العقاب، فيضعف الإطار المؤسسي ويشوه السياسات، ويؤدي إلى الاستيلاء على الأموال المخصصة للاستثمار في الخدمات العامة الأمر الذي يضعف موارد الحكومات وتقديم الخدمات وتحسين مستوى معيشة مواطنيها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان وبالتالي يعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة بأكملها، وبهذا فإن الدول التي يلتهمها الفساد هي تلك التي أخفقت في مسيرة الحفاظ على حقوق الإنسان.

ومن الجدير بالذكر أن أكثر الفئات تأثراً بالنتائج الكارثية للفساد هي: المجموعات الضعيفة، مثل النساء أو الأطفال أو الأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين والفقراء والأشخاص المنتمين إلى أقليات. كون المجموعات المذكورة آنفاً بحاجة إلى رعاية خاصة، وتحديداً في مجال الحصول على الخدمات العامة وخدمات الرعاية الاجتماعية. وبالنظر إلى الكيفية التي يؤثر بها الفساد على حقوق الإنسان وبشكل مضاعف على تلك المجموعات، من خلال تحويل الموارد المخصصة لمعالجة مشاكل هذه الفئات ومحاربة الفقر إلى جيوب الفاسدين من المسؤولين، أصبح هناك إجماع دولي للاعتراف بأن هناك علاقة بين الفساد والتمتع بحقوق الإنسان التي تظهر بوضوح الأثر السلبي للفساد على حقوق الإنسان.

أينما وجد الفساد برز انتهاك لحقوق الانسان سواء الحقوق الفردية (الجيلين الأول والثاني) التي تناولها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي بعض الحالات مثل هذه الانتهاكات أيضًا تعيق نيل الحقوق الجماعية (الجيل الثالث).

ينتهك الفساد الحقوق السياسية والمدنية، على سبيل المثال ينتهك الحق في المعاملة على قدم المساواة، عندما يُطلب من شخص ما دفع رشوة للحصول على خدمة عامة. في هذه الحالة، تلقى أولئك الذين لم يُطلب منهم رشوة معاملة أفضل، وانتهك الحق في المساواة للشخص الذي طُلب منه دفع رشوة.

كما ويضر الفساد في القطاع القضائي بالحق في محاكمة عادلة، عندما يتدخل الفساد في تعيين القضاة وفي إجراءات المحكمة، على سبيل المثال، فإنه ينتهك حياد القضاء وحقوق المحاكمة العادلة للمدعى عليهم. فيما يتعلق بالحق في المساواة في الوصول إلى مناصب الخدمة العامة. يمكن انتهاك هذا الحق عندما يتم الحصول على وظائف في الخدمة العامة من خلال وسائل فاسدة، مثل رشوة الشخص المسؤول عن التوظيف أو من خلال المحسوبية.

أما في مجال انتهاك الفساد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فمنها الحق في الغذاء على سبيل المثال، إذا كانت الرشاوى مطلوبة لشراء أو الحصول على ترخيص لأراضي زراعية، فهذا قد يضر بالحصول على الغذاء. وقد يكون المواطنون معرضين لانتهاكات حقهم في الغذاء نتيجة المنتجات الغذائية الفاسدة عندما يتجاهل مسؤول حكومي شرط الحصول على ترخيص لإنتاج منتج غذائي سليم أو تنفيذ إجراءات التفتيش مقابل تلقي رشوة.

كما أنه عندما يُطلب من شخص يسعى للحصول على خدمة صحية رشوة من أجل تلقي العلاج، يتم انتهاك حقه في الصحة، لأن طلب الرشوة يقيد وصوله إلى الخدمات الصحية ويضعه في وضع عدم المساواة أمام المرضى الآخرين. ومن أكثر أعمال الفساد انتشارًا التي تنتهك الحق في الصحة هي الرشوة في المستشفيات واختلاس الأموال والأصول المخصصة للخدمات الصحية. وبهذا تؤثر معظم هذه الممارسات على توافر الخدمات الصحية وإمكانية الوصول إليها وجودتها، ولذلك فقد يُنظر إلى الدولة على أنها تنتهك واجبها في الوفاء بالحق في الصحة عندما لا تقوم بمنع ومكافحة هذه الممارسات، وبالتالي يؤدي الفساد إلى انتهاك واضح ومباشر للحق في الصحة.

وبالنظر الى ان قطاع التعليم يعد أحد أكبر مكونات القطاع العام في معظم البلدان الامر الذي يخلق فرصًا وحوافز للفساد وبأشكال عديدة وعلى جميع المستويات. ومن اشكال الفساد في هذا القطاع العطاءات المزورة للمناقصات واختلاس الأموال ورسوم التسجيل غير القانونية والتغيب والاحتيال في الامتحانات.

ولان الفساد جريمة وينطوي على الكثير من الأفعال والمسلكيات الاجرامية التي تؤدي الى انتهاك حقوق الإنسان، وبالإشارة الى أن مكافحة الفساد مبنية على النهج الجنائي ومكملة للنهج القائم على حقوق الانسان وبالتالي فهي أداة فعالة لتصحيح العواقب والأثر السلبي للفساد بالنسبة للفرد أو لمجموعات محددة أو للمجتمع بشكل عام، وانسجاماً مع هذا الفهم فإن مكافحة الفساد أقصر الطرق لحماية وصون حقوق الانسان.

ومعالجة الفساد من خلال خطاب حقوق الإنسان الذي يمتاز بأنه لا يركز على العواقب الاقتصادية والجنائية للفساد فحسب، بل يركز أيضًا على الضحايا وسبل انصافهم، لاسيما أولئك الذين ينتمون إلى الفئات الضعيفة أو المهمشة، وقد يساعد في تمكينهم وتحويلهم إلى جهات فاعلة في مكافحة الفساد. بالإضافة لكونه يؤدي الى زيادة الشفافية والمشاركة والمساءلة التي تفضي لجعل الفساد مرئيا ويذكي وعي المجتمع بانعكاساته وبالتالي المزيد من الجهات الفاعلة التي تكافح الفساد الامر الذي يحيل الى الاعتراف بأن التحرر من الفساد “الحق في بيئة خالية من الفساد” يجب اعتباره حقاً من حقوق الانسان الأساسية.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا