هربا من مستقبل مظلم

قبل أيام، انتهى الشقيقان جهاد وخضر بني عودة، من بناء خيمة سكنية، وأخرى حظيرة للماشية على مقربة من مكان سكنهما الحالي.

وهاتان الخيمتان هما من مجموعة خيام سكنية، وحظائر ماشية أخطرها الاحتلال الإسرائيلي بالهدم قبل 10 أيام تقريبا، كانت جميعها مبنية في مكان قريب.

واستباقا لعملية هدم متوقعة قد يقدم عليها الاحتلال لتلك المنشآت التي أخطرها، عمل الشقيقان بني عودة، على مدار أيام بشكل دؤوب على تفكيك بعض المنشآت السكنية، وحظائر الماشية التي يقيمان بها حاليا في الرأس الأحمر جنوب طوباس؛ توطئة لنقلها إلى بعد لا يتعدى 200 متر.

يقول جهاد: “فككنا حظيرة سكن، وأخرى للماشية، وأعدنا بناءهما على بعد 200 متر، لا نعلم متى يأتون ويهدمون خيامنا”.

غير أن الاحتلال اقتحم، قبل يومين، المنطقة التي أقام فيها الشقيقان بني عودة الخيام، وأخطروهما شفهيا بهدمها ذاتيا.

خلال سنوات، كانت العائلات الفلسطينية تبني خيامها التي هدمها الاحتلال، على بعد 100 متر تقريبا من مكان الهدم، تجنبا لتكرار الهدم، لكن الشقيقان بني عودة يريدان من خلال هدم خيامهما بأيديهما الهروب من مستقبل مظلم كما وصفاه.

في الفترة الأخيرة، شهدت مناطق الشريط الشرقي للضفة الغربية، حركة هدم كبيرة تنفذها سلطات الاحتلال، لمنشآت سكنية وحظائر ماشية للمواطنين الفلسطينيين.

وبالعادة، يهدم الاحتلال خيام الفلسطينيين لأسباب تتعلق حسب ما يدعي أنها مبنية في مناطق عسكرية مغلقة، أو عدم الترخيص.

وفي أرقام رسمية، صادرة عن محافظة طوباس، فإن الاحتلال هدم منذ بداية العام الحالي ما يقارب 200 منشأة سكنية، وحظائر ماشية لموطنين في الأغوار الشمالية.

ذاتهما بني عودة هدم الاحتلال لهما منذ عام 2003 لغاية اليوم سبع مرات، آخرها عام 2019، حينها أعادا بناء خيامهما على بعد 100 متر من كان الهدم.

“الحجة كانت عدم الترخيص، أيضا هذه المرة كانت عدم الترخيص”. قال بني عودة.

في أرقام رسمية صادرة عن دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني، في منظمة التحرير الفلسطينية، فإن الاحتلال هدم خلال الخمس السنوات الماضية في الأغوار أكثر من (600) منشأة سكنية، وحظيرة ماشية.

وبني عودة من عائلة تهتم بتربية الماشية في منطقة غنية بالأراضي الرعوية الخصبة في الرأس الأحمر.

والرأس الأحمر، أحد التجمعات السكانية ضمن سهل البقيعة الكبير، ويضم 33 عائلة فلسطينية، يعتمد معظمها على تربية الماشية.

يقول جهاد: “قبل أسبوع أخطر الاحتلال بهدم أربع خيام سكنية، وثماني حظائر ماشية، مساء أمس انتهت المهلة، والآن ننتظر قدوم جرافات الاحتلال للهدم”.

“لن ننتظر حتى يهدموا لنا، لنبدأ برحلة سباق مع الوقت لتأمين مسكن لنا وحظيرة لماشيتنا”.

قبل عام أخطر الاحتلال بوقف البناء في هذه الخيام، ثم أخطرها قبل أسبوع بالهدم. قال بني عودة: “لا وقت محدد لقدوم الاحتلال وتنفيذ عمليات الهدم”.

ففي المرات السابقة هدم الاحتلال بعد انتهاء مدة الاخطار بأوقات متفاوتة.

“لن نلدغ من ذات الجحر مرتين”، وهو يقصد بذلك أنهم لن يتركوا أنفسهم ومواشيهم دون حظائر في حال وقع الهدم.

وبالرغم من أنهما لا يزالان ينامان في خيامهما السكنية المخطرة، لكنهما عملا طيلة أسبوع على بناء خيمة سكنية واحدة، وحظيرة ماشية على مقربة، وهما من الخيام التي أخطر الاحتلال بهدمها قبل أكثر من أسبوع”.

ولم يعرف تاريخيا أن انتشرت ظاهرة الهدم الذاتي في الأغوار الشمالية، لكن الشابين يمتلكان سجلا حافلا في عمليات الهدم، وهو ما يضعهما في وضع التأهب لمستقبل وصفاه “بالأسود”.

وأمكن خلال عشر سنوات تسجيل حالات قليلة لعمليات هدم ذاتي لخيام المواطنين في منطقة تسجل فيها عشرات عمليات الهدم سنويا.

فجهاد بني عودة أخبر مراسل “وفا”، أنه بعد هذا العدد الكبير لعمليات الهدم التي طالت منشآته، صار يمتلك قدرة في التعامل مع الموضوع بشكل أفضل.

مواطنون من المنطقة قالوا إنهم كانوا يفككون قديما الخلايا الشمسية في حال الاخطار.

“وضعتهما (الخيمتين) بين مزارع المواطنين”. يقول بني عودة.

لكن، حتى في هذه الحالة فإن وجود حظيرة ماشية، وخيمة سكنية لا يفي بالغرض المرجو منهما تمام، فقطيع ماشية أكثر من 200 رأس غنم لا يستطيع الدخول بين مزارع المواطنين.

مواطنون كثر يمتهنون تربية الماشية في المنطقة، فتضاريس المنطقة الشفاغورية تغري مربي الماشية لرعي مواشيهم فيها، وقد أمكن مشاهدة قطعان ماشية تجوب الجبال المحيطة، وهو دليل قائم على أن وجود حظيرة محصورة بين مزارع مروية لا يكفي.

“مجبرون على ذلك، نحن نهرب من المجهول”. وصف بني عودة ما يحدث.

فالشقيقان يسجل لديهما يوميا ولادة خراف جديدة، ولهذا؛ نقلا إحدى حظائر الماشية تقريبا (100) متر مربع، لمكان يبعد عن مكان إقامتهما الحالية، لتكون مجهزة للخراف حديثة الولادة إذا ما حدث الهدم.

“في المرة الأخيرة هدموا لنا دون سابق إنذار، نحن لا نريد أن نجد أنفسنا في ليلة وضحاها دون مأوى لنا، ولماشيتنا”. يقول بني عودة.

وفا- الحارث الحصني

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا