الزيت المحكوم بالمنع

“إذا كنّا ننتج سابقاً طنيّن من الزيت، فهذه الأيام لن يصل لأقل من النصف، لأن المستوطنين يزحفون بالقوة تجاه الأرض ونتراجع نحن كرهاً”، يقول المزارع محمد معطان من قرية برقة شرق رام الله.

يتوقع معطان الذي يملك قطعة أرض تقع تحت تهديد المستوطنين المستمر، الذي تزداد ذروته في موسم قطف الزيتون، أن يشهد هذا الموسم تصاعد اعتداءات المستوطنين خاصة في تلك المناطق القريبة من نقاط الاحتكاك، في فترة تشهد حالة من التصعيد والغليان.

ووفق مدير عام التوثيق والنشر في هيئة الجدار والاستيطان أمير داوود فإن المستوطنين أعلنوا خلال الفترة الماضية إطلاق وحدة تحمل اسم “الحرس المدني” في المناطق الفلسطينية، وهي مجموعة من المستوطنين المسلحين، ويبررون إطلاق وحدتهم بأن جيش الاحتلال لا يقوم بدوره على أكمل وجه في حمايتهم، وبالتالي أخذوا دورا أكثر خطورة وهو تسليح أنفسهم.

وسيشكل انتشار المستوطنين المسلحين مصدر خطورة إضافي على المزارعين الفلسطينين، الأمر الذي ينذر بمنحى أشد عداوة على المزارعين، غير أن دواود يؤكد بأن الهيئة تعد برنامج زيارات وحشد كبير لدعم قاطفي الزيتون في المناطق المهددة من المستوطنين.

وحسب ورقة إحصائية حول اعتداءات المستوطنين على المزراعين في موسم الزيتون أعدتها هيئة الجدار والاستيطان، فإن استهداف المستوطنين لشجر الزيتون ليس عبثياً، بل لحقدهم على هذه الشجرة التي يرتبط بها الفلسطيني دينيا وثقافيا واقتصاديا، ولأن هناك بعداً دينياً يُنسب للحاخام اليهودي الأكبر عوفاديا يوسيف حيث برر حثّه على سرقة محصول الزيتون الفلسطيني، كجزء من العقيدة اليهودية. وجاء في فتوى قديمة له “لولانا نحن (اليهود) لما نزل المطر، ولما نبت الزرع، ولا يعقل أن يأتينا المطر، ويأخذ الأشرار (يقصد الفلسطينيين) ثمار الزيتون ويصنعون منه الزيت”.

وشرّعت هذه الفتوى للمستوطنين شن هجمات عنيفة على شجرة الزيتون الفلسطينية في جميع أنحاء الاراضي الفلسطينية لحرمان أصحابها من زيتها.

سرق المستوطنون تطبيقاً لهذه الفتوى خلال موسم الزيتون الماضي محصول 120 شجرة بالكامل في منطقة “واد سباس” في قرية قريوت جنوب نابلس.

ووفق بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في القدس العام الماضي فإنه في الفترة ما بين شهر آب/أغسطس 2020 حتى نفس الفترة من 2021 فإن المستوطنين دمروا أكثر من 9300 شجرة زيتون في الضفة الغربية، فيما يعتبر موسم الزيتون الفائت من أشد الأعوام السابقة من حيث شراسة الاعتداءات والتضييق المستمر على المزارعين ضمن سياسة ممنهجة وبحماية من جيش الاحتلال الاسرائيلي، حيث وثقت هيئة الجدار والاستيطان قطع المستوطنين لنحو 2200 شجرة زيتون في الضفة.

وفي العام الماضي اقتلع المستوطنون في بلدة كفر الديك غرب سلفيت 700 شجرة زيتون، وفي بلدة سبسطية غرب نابلس 300 شجرة زيتون، و240 شجرة زيتون في قرية المزرعة الغربية شمال غرب رام الله، وفي الخليل، خاصة في خلة البير في ترقوميا وخربة التوانة، تم قص وتكسير 300 شجرة زيتون، كما تم اقتلاع 280 شجرة في بلدة قفين في طولكرم.

وابتدع المستوطنون خلال موسم الزيتون الماضي، أساليب أكثر تطرفاً تمثلت بإغراق الاشجار بالمياه العادمة ورش مواد سامة على جذور أشجار الزيتون ما أدى لتلفها بالكامل، كما حدث في قرية دير الحطب شرق نابلس، حيث تم إغراق 50 شجرة زيتون بالمياه العادمة والمواد السامة، و100 شجرة زيتون في جالود جنوب نابلس بالرش بالمواد السامة. ومن الأساليب كذلك زرع أجسام مشبوهة لتظهر على انها الغام بالاضافة الى زراعة قضبان حديدية في اراضي المواطنين لاعطاب عجلات السيارات والجرارات الزراعية.

مزراعون لا يستطيعون الوصول لأراضيهم

يفرض وجود المستوطنات القيود على الفلسطينيين الذين يريدون الوصول إلى أراضيهم لزراعتها، فنحو 90 تجمعًا سكانيًا فلسطينيًا تملك أراضٍ تقع ضمن حدود 56 مستعمرة وعشرات البؤر الاستعمارية أو على مقربة منها، ولا يستطيع الكثير من المزارعين الوصول إلى أراضيهم نتيجة تضييقات سلطات الاحتلال وإجراءاتها التعجيزية التي تهدف إلى التضييق على المزارع الفلسطيني وتحويل هذه الأراضي إلى أراضي “بور” لا يستطيع أصحابها فلاحتها تمهيداً للسيطرة عليها.

وتقع آلاف الدونمات المزروعة بالزيتون خلف جدار الضم والتوسع والفصل العنصري أو تحيطها المستوطنات، حيث تتعرض وأصحابها لأفدح صنوف الاعتداء والتدمير (مصادرة، اقتلاع، حرق، تكسير، سرقة، إغراق بالمجاري) ليخسر المزارعون سنويّاً 45 مليون دولار بالمتوسط، وفق المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان.

وحسب تقرير لهيئة الجدار والاستيطان فإن مساحة الأراضي الواقعة خلف جدار الفصل وبالقرب من المستوطنات تقدر بـ7% من إجمالي مساحة الأراضي المزرعة بالزيتون، ولا يتسطيع مالكو تلك الأراضي الوصول اليها، وبالتالي لا يمكنهم استصلاحها وفلاحتها، إضافة إلى أنها تتعرض للسرقة أو الحرق ما يتسبب بخسارة ما يقارب 1500 طن من الزيت، أي ما يقارب 10 مليون و500 ألف دولار سنويا.

وتشير تقديرات وزارة الزراعة إلى أن انتاج هذا الموسم قد يصل إلى نحو 32 ألف طن، منها 5-6 آلاف طن في قطاع غزة والباقي في الضفة، علماً أن معدل الإنتاج لآخر عشر سنوات حوالي 22 ألف طن زيت، ويتوقع أن يكون أكثر من 85٪ من هذا الزيت هو من النوعية الفاخرة (extra virgin) حسب الفحص الكيماوي.

وحسب الوزارة فإن نحو 13 مليون شجرة زيتون مزروعة في الضفّة والقطاع على أكثر من 885 ألف دونم، (95% منها بالضفّة).

وفا- إيهاب الريماوي

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا