سلطة أوسلو في قفص الاتهام (2)

كتب: الدكتور محمد صالح

كنت تحدثت في مقالة سابقة عن مصطلح المعارضة الذي صكّته لتحقتنه بمضامين تصل حدّ الاتهام بالتآمر و الخيانة ، وتحدثت عن ثمارها التي عملت المعارضة على تدميرها منذ اللحظة الأولى ، وكانت الفلسفة التي انطلقت منها المفاوضات مع العدو تتمثل في الحصول على ما يمكن الاستفادة منه من العدو من مكاسب فيما يتعلق بالأرض و السيادة و لو في حدودها الدنيا بعد أن بدأت الانتفاضة الأولى تتراجع في إيقاعها جراء الضربات القويّة التي وجهت إليها ، وبعد أن تم اعتقال كوادرها وعدد هائل من مقاوميها ، وبعد أن فشل التعليم الموازي الذي عمدت المقاومة إلى أن تستبدله بالتعليم الرسمي الذي شلّته الإضرابات المتوالية وكادت أن تحدث كارثة تربوية و تعليمية نتيجة عدم الانتظام في الدراسة ، وتراجعت معظم مناحي الحياة وحراكها الحيوي الضروري، وتشتت المقاتلون في شتى أنحاء الوطن العربي بعد الانسحاب من لبنان ، وبلغ بعضهم سن التقاعد واضطر الكثير منهم إلى التماس سبل الهجرة ، وأوصد الباب أمام الحراك السياسي وضاقت بعض الدول العربية ذرعاً من موقف المنظمة من غزو الكويت وفتر الحماس للقضية الفلسطينية ، وبعد أن تم اغتيال عدد من أعضاء اللجنة المركزية وخاصة أبو جهاد وأبو إياد وكما ناصر و كمال عدوان و يوسف النجار و أبو الهول و غيرهم، و تجمّعت كثير من الأسباب التي حدت بالقيادة إلى استغلال ما أحدثته الانتفاضة الأولى من نتائج لامست مواطن حسّاسة في جسد الكيان الصهيوني و قد أدركت إسرائيل قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود و الصبر و تهديد أمنهم فكان مؤتمر مدريد الذي أرغمت القيادة على الالتحاق به، و إلا فلن يسمح لأي فرد من أفراد المنظمة الدخول إلى كثير من البلدان العربية التي أنذرتهم بذلك ؛ فلم يكن من الممكن الخروج على الإجماع العربي ، وقصة مدريد وانتزاع التمثيل المستقل للفلسطينية منشورة ومعروفة ، وكان اللجوء إلى المحادثات السرية في (أوسلو) فراراً من روتين التفاوض طويل الأمد الذي سيمتد لعشرات السنين كما وعد مناحيم بيجن . وجملة هذه الظروف ألجأت القيادة إلى خوض المفاوضات السرية و الوصول إلى اتفاق المبادئ الذي أسفر عن قيام السلطة ودخول المقاتلين إلى أرض الوطن واشتباكهم في أول معركة مع العدو بعد دخولهم (معركة النفق الشهيرة )
إذن دخول السلطة كان تحقيقاً للمبادئ التي أعلنتها منظمة التحرير في الجزائر ونتيجة للظروف التي تحدثت عنها آنفاً و أسفرت عن وجود كيان يحمل هوية وطنية داخل أرضه ، ولكن (التناحة السياسية) في أبسط وصف للمعارضة الإسلامية وقصرالنظر أدى إلى التناغم مع اليمين الإسرائيلي الذي حارب السلطة و ما زال يحاربها لأنهم أدركوا الحقيقة التاريخية التي تقول : إن أي تراجع للمحتل يكن ذلك إيذانا بانحساره و نهايته ، وهذه العبارة التي سمعتها من صديق الصبا و الشباب الفريق عثمان أبو غربية (رحمه الله) حين زرته في مقرّه، ودار بيني وبينه حوار مطوّل حول أوسلو .
لقد كانت السلطة أن تتسلم مناطق (ج) حين أصرت المقاومة الإسلامية على تخريب الاتفاق دون تروٍّ بهدف واحد وحيد (إفشال أوسلو) وهم الذين تسلقوا على سلَّمها ليصلوا إلى السلطة بمشاركتهم في الانتخابات و محاولة الاستحواذ عليها فكان التمرّد الذي كان عنوانه (الحسم العسكري) وهو ما سأتحدث عنه لاحقا إن شاء الله .
وعلى الرغم من المقاومة السياسية العنيدة التي قامت بها السلطة و وقوفها بحزم في وجه (صفقة القرن) وانتزاعها الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال ،و لجوئها إلى محكمة العدل العليا التي أدت إلى فرض العقوبات عليها وتقليص أموال المقاصة و تحديد حركة مسئولي الحكومة الفلسطينية ، وقد أطلقت السلطة الحريات العامة رغم بعض الأخطاء (وفاة نزار بنات) التي كانت في الغالب نتيجة اختراقات مدبّرة أو أخطاء أثارت الرأي العام وسمحت لكثير منهم بالتطاول على كبار المسؤولين واتهامهم علنا و في ساحة المنارة في رام الله على الرغم من استنكار السلطة لما حدث و تشكيلها لجنة تحقيق مشتركة لم تذع تفاصيلها خشية على السلم الاجتماعي و ارتكاب جرائم قتل ثأرا ممن كانوا سبب الوفاة و إثارة الحساسيات العشائرية.
واتّهمت السلطة بالتواطؤ مع العدو على الرغم من أنها وأجهزتها الأمنية سمحوا باتشكيل الكتائب المقاومة : عرين الأسود و كتيبة جنين وكتائب شهداء الأقصى و الكتائب الأخرى بالوجود العلني و أبّنوا الشهداء و عزّوا أهاليهم و وقف رئيس الوزراء يشيد بالمقاومة و الشهداء علناً مما عرّضه للتهديد من قبل العدو وكذلك الرئيس أبو مازن ، وكل خطابات المسؤولين كانت مع المقاومة ؛ و مع هذا كله يهاجمون السلطة التي وقفت مع شعبها في صف واحد ، ولكنها الخديعة الكبرى التي ظلت تهيمن على الخطاب الدعائي عن المقاومة و التنسيق الأمني و الفساد ،و تجاهلوا ما فعله الطرف الأخر في القضية ؛ وللأسف فقد ركب الموجة سياسيون وإعلاميون ومن يزعمون أنهم مفكّرون و مثقفون وشعراء وبعض عملاء الموساد من أصحاب الأقلام المشبوهة و الذباب الإلكتروني ، عملوا جميعاً على الهجوم على السلطة لإسقاطها كما فعلت إسرائيل ؛ ولولا أنني لا أريد أن أحمل منبر النشر لهذه المقالات المسؤولية لذكرت أسماء بعضهم مشفوعة بتصريحاتهم
و للحديث بقية
د. محمد صالح الشنطي

للاطلاع على مصطلحات شائعة في خطاب المعارضة الفلسطينيةوحقائق موضوعية تدحض مفاهيمها المضلّلة
سلطة أوسلو (1) الرجاء الضغط هنا

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا