قيمُنا لا تشكل قيمة مضافة لمصالح الإدارة الأمريكية

كتب: مروان اميل طوباسي

قبل البدء لا بد من تحية اَسرانا الأبطال المقاتلين من أجل الحرية في معركة الصمود والعصيان التي يخوضونها ضد المحتل .

أن دولة الأحتلال كمشروع أستعماري عنصري يقوم على اسس الفوقية اليهودية بالمنطقة والتطهير العرقي منذ نشأته ، يشكل الأداة المتقدمة لأستراتيجيات “الأمن القومي الأمريكي ورؤيتها الأستعمارية” وفي محاولات تلك الإدارة من الابقاء على هيمنة نظام قطبيتها الأحادية الآن في مواجهتها وحربها المفتوحة الاقتصادية او العسكرية بالوكالة مع الشرق الناهض ودوله مثل الصين وروسيا ومصالح شعوب العالم ، والتي من الممكن اتساعها لتصبح مباشرة من خلال القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة حول العالم وبتعاون اطلسي إسرائيلي .

تلك العلاقة العضوية لن تتبدل بتغير شكل الإدارة الأمريكية أو حكومة دولة الأحتلال كما يظن البعض الا بهوامش سطحية محدودة منها نظرا لتحرك مجموعات تقدمية تمارس الضغط داخل الحزب الديمقراطي أو لأصوات يهودية معادية للصهيونية ، كما ولفئات شبابية مناهضة للتمييز العنصري ، قوى يتوجب العمل معها لاحراج الإدارة الأمريكية.

فهنالك محددات وأسس فكرية لها علاقة بالانجيليين وبالمحافظين الجدد والذين يتواجدون بكلا الحزبين بامريكيا ، كما وسياسية بل ورؤية دينية مشتركة وفق تفسيراتهم ، وأطماع ومصالح متوحشة واضحة للحركة الصهيونية العالمية وغطائها السياسي وشركائها العقائدين حول العالم بالرغم من أزمة دولة الأحتلال البنيوية اليوم وانقسام مجتمعها من أجل قضايا النظام القضائي ومفهومهم للديمقراطية بعيدا عن أي خلاف بشأن استمرار الاحتلال أو حتى الأبرتهايد ،إلى حد ما ، الذي يحظى باجماع الأحزاب الصهيونية التي تتفق على توسيع دائرة القهر ضد شعبنا لتنفيذ مشروعها الصهيوني والديني .

فمن الخطاء بمكان الأعتقاد ان الإدارة الامريكية ستقوم بالضغط على حكومة دولة الأحتلال ، أو حتى للقيام باي جهد لتحريك عملية السلام المفترضة وفق المرجعيات الدولية بالمنطقة او لفتح افق سياسي جاد . فالولايات المتحدة التي ما زالت تفكر بعقلية الهيمنة التي نشأت منذ زمن التطهير العرقي للشعوب الاصلية هنالك ، ودولتها العميقة التي مارست الجرائم ضد شعوب العالم ما زالت تعتمد على مدى قوة تاثير المجمع الصناعي العسكري وعنصرية الفوقية البيضاء إلى حدود كبيرة لا تملك مصلحة في تنفيذ ذلك ، ونحن كفلسطينين لا نُشكل فائدة او قيمة مضافة لمصالحها في مشروعها للشرق الأوسط الجديد لتطوير دور دولة الاحتلال فيه بل ولقيادتها لهذا المشروع تحت مسميات واتفاقيات مُذلة للغير طالما قضيتنا وحقوقنا بالتحرر والاستقلال الوطني هي المستهدفة . ولذلك فهي التي أوقفت تلك العملية السياسية واجراءات تدخلها بعد ان احتكرتها طيلة الاعوام الماضية حتى تُبقي على مبدأ إدارة الأزمة دون حلها لفائدة ذلك المشروع واستراتيجياتها السياسية بالمنطقة بما فيها قضايا الطاقة والأمن.

حتى أن بايدن عندما أتى جاء ليؤكد امامنا بوضوح أعلان صهيونيته والطلب منا انتظار مجيئ المسيح المنتظر وفق الرؤية اليهودية التوراتية لحل ما عرض عليه من مشاكل .
وعند العودة إلى بعض المفاهيم التوراتية والتلمودية نرى ان ما يعتقد به سموتريتش الآن وغيره وحتى نتنياهو نفسه يتطابق تماما مع تعليمات يشوع بن نون الذي ورث موسى بالقيادة ، والتي تتصف بمفاهيم اليوم حول خطط ضم المناطق التدريجي و التطهير العرقي واعتبارنا غير مواطنين في دولتهم الكبرى المزعومة .

واذا عدنا للوراء بالتاريخ سنجد ان رؤية ترامب بصفقة العصر وما يجري اليوم من تصريحات فارغة من مضمونها حول “حل الدولتين المتفاوض عليه” يقوم على مضمون تلك الصفقة ، كما وباستغلال انشغال العالم بقضايا اكثر أهمية في مناطق اخرى خاصة في اوروبا ، ومن واقع النظام العربي وتداعيات اتفاقيات التطبيع المستمرة التي تستند إلى رؤية الشرق الأوسط الجديد الذي ما زال العمل جاري عليه منذ ان أعلنت عنه كونداليزا رايس . ان كل ذلك يتفق مع ما جاء عام ١٩٨٢ بما يسمى خطة مستشار شارون انذاك عوديد يونون حول مخطط إسرائيل الكبرى .

تلك الخطة التي اعتبرت كمثال مبكر لوصف المشاريع السياسية في الشرق الأوسط والتي تمثلت بما سمي بالربيع العربي جزافا بمنطق الانقسامات الطائفية حيث لعبت دورا في كل تحليل حل النزاعات من قبل الباحثين الذين يعتبرونها قد أثرت في صياغة السياسات التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية منذ عقود حين تم تبنيها من قبل أعضاء معهد الاستراتيجيات الصهيونية في الإدارة الأمريكية حتى تم تناوله بشكل مفترض كوسيلة لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك تحقيق الحلم اليهودي الصهيوني باقامة “اسرائيل الكبرى “.

واليوم يقوم عدد من اعضاء الكونغرس الامريكي بتقديم مشروع قانون لوقف مساهمة الولايات المتحدة الامريكية في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “الاونروا”. حيث يهدد مشروع القانون هذا المقدم للكونغرس الأمريكي إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينين ، من خلال خطة شاملة تلزم الإدارات الامريكية بضوابط محددة تهدف إلى شطب هذا الملف الذي يشكل احد الاركان الاساسية لقضيتنا الوطنية على اثر التهجير القصري لشعبنا وما له علاقة بحقنا في تقرير المصير .

لذلك ولغيرها من الأسباب التي لا يتسع المقال هنا للحديث بتفاصيلها ، فأن الرهان على دور الإدارة الامريكية يعني بقاء شعبنا في دوامة الإرهاب المنظم لدولة الاحتلال الاستعماري وزيف التعهدات الأمريكية لأمبراطورية الكذب التي أنتجت بيان رئاسة مجلس الأمن الدولي مؤخرا ، بدلاً عن مشروع القرار الذي كان يفترض تقديمه الأسبوع الماضي لتحافظ هي على مصالحها من خلال ممارسة الضغوط بسحبه .

هنالك الآن أمام تلك السياسات والمواقف الأمريكية المنحازة تماما ضرورة لرفض سياساتهم المنحازة القائمة على البعد الأمني دون أفق سياسي يحقق لنا انهاء الأحتلال الاستيطاني ، وكما رَفضنا التعاطي مع صفقة العصر وما ارتبط بها في حينه ، و رَفضنا الرعاية الأمريكية الاحادية لمسار أي عملية سلام مفترضة وحين رفضنا ضغوط أمريكية لمنعنا من الانضمام إلى منظمات دولية والى تقديم مشاريع قرارات فيها لادانة جرائم وسياسات دولة الاحتلال ، الأمر الذي لا يدلل على عبثية السياسة الفلسطينية بقدر ما يدلل على استنادها إلى مصالح شعبنا وحقوقه ، لذلك فإن هذا التوجه هو ما يجب أن يستمر ويبقى هو المعيار طالما لا تغير حقيقي في سياسات الولايات المتحدة . فالادارات الأمريكية المتعاقبة لا تملك اي من المشاريع أو الرؤى السياسية التي تحقق لشعبنا حقه الأساس في تقرير المصير وفق قواعد القانون الدولي والنظام الأساسي لهيئة الأمم.

والآن فانه من الضرورة الانتباه الى تداعيات الانجرار خلف خطط امريكية أو الوقوع في فخ الوعود السرابية التي تعتمد مصالح دولة الاحتلال الاستعماري فقط ، وعلينا استمرار التوجه من جديد لمجلس الأمن لاتخاذ قرار بالحماية الدولية واستمرار عزل سياسات واجراءات دولة الاحتلال بل وعزلها كمنظومة فصل عنصري واستعماري بكل المحافل كما حدث بالقمة الافريقية من طرد لمندوبيها والتوجه بشكل أوسع لقوى الشعوب الحية التي تساند مبادئ العدالة وحقوق الإنسان بما يتوازى مع كفاحنا الوطني وتصعيد المقاومة الشعبية وتمتين جبهتنا الداخلية في إطار منظمة التحرير ومصارحة شعبنا واحتضان جيل الشباب الذي لم تنجح كل محاولات كي وعيه الوطني بابعاده عن تراث حركتنا الوطنية وفق ما يجري اليوم ، وذلك لجسر الهوة الحاصلة بين مكونات شعبنا وتوسيع اسس المشاركة الشعبية بمسيرة التحرر الوطني . بالتالي فانه اصبح من غير المنطقي أن نستمر بمطالبة الإدارة الامريكية بالضغط على حكومة الأحتلال لوقف ما يسمى باجراءات احادية هي فعلا تشكل مفاصل أساسية في سياسة الاحتلال ، مطالبة اصبحت خالية من المنطق والمعنى السياسي في ظل المعطيات التي أشرت لها في هذا المقال .

لكن التاريخ لا يعرف السكون والثابت الوحيد فيه هو المتغير ، ليس هنالك من قهر واضطهاد قد استمر دون نهاية ، وما سقوط وصعود امبراطوريات وما يجري اليوم بالعالم من بداية أفق جديد لنظام دولي متعدد فهو اكبر دليل على ذلك ، وحينها سيكون شعبنا على أبواب حريته .

*سفير سابق

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version