المسفر وجوقة المطبلين

كتب: أنور رجب

من المتعارف عليه أن للحوار أصوله وقواعده وللنصيحة آدابها وأعرافها وللصدق موازينه ومعاييره، وللحقيقة وجها واحدا وللكذب وجوها متعددة، وإذا ما أردنا أن نحاكم مقال محمد المسفر المعنون بـ “أناشدك سيادة الرئيس أن تتنحى عن منصبك فورا”، فسنجده يخلو من آداب النصيحة وحُسن الكلام وصدق النوايا، وينضح بالكذب والافتراء، وعلى قاعدة القول المأثور “من تكلم بما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه”. فإنه وبادئ ذي بدء، فلست أنت من يقرر إن كنت مخلصا أم لا وإنما جوهر حديثك وأسلوبك ومقصدك وفي أي فلك تدور، وهو ما ينفي عنك صفة الاخلاص التي تدعيها، وحرف الدال الذي يسبق اسمك يشير إلى دكتور في مجال العلوم السياسية وليس دال الطبيب لتمنح شهادات طبية وتشخص الحالة الصحية لاسم وقامة أنت أدنى بكثير من أن تقدم له النصح وتمنح نفسك الحق في مخاطبته.
ودون الغوص كثيرا في تناول شخص كاتب المقال وتدخله فيما لا يعنيه، وتجاوزه لآداب الحديث والنصيحة، وهبوط مستوى الخطاب من حيث الشكل والمضمون “فكل إناء بما فيه ينضحُ” ، فإن ما تضمنه المقال من كذب وتزوير وافتراء وتجن على الحق والحقيقة يستدعي الرد والتفنيد.

أولا: إن مضمون المقال وما نضح به من افتراء وكذب وتزوير وتجنى به على الحق والحقيقة، جاء في سياق خطاب ممنهج ومنظم له أدواته وآلياته وأهدافه المعروفة لنا سلفا، خاصة وأننا كفلسطينيين أول من تجرع نتائج مرارة هذا الخطاب وعرفنا نوايا من يديره بعد أن عشناها حقيقة واقعة دفعنا ثمنها دماء وخرابا ودمارا أصاب قضيتنا بنكبة ثانية أشد مرارة وأقسى وقعا من نكبتنا الأولى، ونقصد هنا “الانقلاب”. وبعدنا وصل الدمار والخراب لمجموعة من الدول العربية بفعل هذا الخطاب والمنظومة التي تقوده وتوجهه، وهي منظومة تضم دولا وجماعات ومؤسسات اعلامية ضخمة وحراكات مشبوهة مموله ومثقفين منزوعي دسم الوطنية والضمير “منظومة الربيع العربي”.
إن الحملة الممنهجة والمنظمة والمستدامة لشيطنة السلطة ورموزها وقيادتها ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية، تأتي في سياق استكمال المشروع الذي يهدف لتدمير السلطة الوطنية والمشروع الوطني بهدف افساح المجال امام المشروع الاخواني الموازي الذي تقوده حركة حماس وتمده حواضنها الاقليمية بأسباب القوة والنمو، وهو ما يتقاطع مع سياسة واستراتيجية الاحتلال الاسرائيلي، وتصريحات نتنياهو حول اهمية الحفاظ على سيطرة حماس على قطاع غزة، وسماحه بوصول الاموال القطرية تحت رعاية الشاباك وعبر مطار بن غوريون تؤكد هذا التقاطع والتماهي بين الطرفين.
ففي حين ينعق المسفر من الخارج، تقوم أدوات الداخل بدورها، والا ماذا يعني أن يدعو مجموعة ممن يسمون أنفسهم “نخبة” من خلفيات يسارية وحمساوية وحراكية إلى “هدم المعبد على من فيه” عبر الدعوة إلى العصيان المدني وتوحيد جهود المعارضة “أسوة بالمعارضة الاسرائيلية كما صرح أحدهم وأشاد بعضهم” لاسقاط القيادة الفلسطينية ونشر الفوضى، وما يدعو للغرابة والاستهجان في هذه الدعوة أنها تتقاطع مع رغبة وسياسة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش.

من أهم الآليات التي يتم استخدامها في عملية “صناعة الفوضى” هي الاستهداف المستمر والمنظم لقيادة ورموز الدول والانظمة، عبر محاولة تشويه هذه الرموز والحط من شأنها وتحريض الشارع عليها من خلال ادواتها الاعلامية سواء كانت مراكز ابحاث ودراسات ومؤسسات مجتمع مدني أو مثقفين مرتزقة وحراكات مدفوعة الأجر. وفي نفس السياق تأتي سياسة شيطنة الأجهزة الأمنية والتشكيك بعقيدتها الوطنية، وفي هذا المقام وجب التذكير بما جاء على لسان الجنرال دايتون عندما انهى مهمته وقبل أن يغادر حيث قال: “إن منتسبي الأجهزة الأمنية إذا لم يروا حلم الدولة الفلسطينية يتحقق على أرض الواقع، فإنهم سيعودون ثوارا كما كانوا” وقد تحقق ما تنبأ به ليس بحكم الخبرة والتجربة وانما لأنه قرأ جيدا العقيدة الوطنية لقادة وأبناء الأجهزة الأمنية، وها نحن اليوم وكما كانوا دائماً نراهم في ساحات المعارك يسقط منهم الشهداء والجرحى وتمتلئ بهم السجون والمعتقلات الاسرائيلية. والسؤال هنا: هل يعرف المسفر ومنظومته ان النسبة الأكبر من الشهداء والمعتقلين هم من أبناء الأجهزة الأمنية؟ وهل يعرف أن من يقود المقاومة الشعبية في الميدان ويقف في طليعة المشتبكين مع الجيش الاسرائيلي ومستوطنيه بصدورهم العارية هم من ابناء حركة فتح؟ وهل يعرف أن كوادر وابناء حركة فتح أكثر من يتعرضون للاعتقال والحبس المنزلي والاقامة الجبرية في القدس لدفاعهم عن المسجد الأقصى؟ في حين يبرع ابناء جماعته في التقاط الصور المعد لها سلفا في ساحات المسجد الأقصى.
بقي أن نقول ان هذا الخطاب التحريضي الذي ينضح بالحقد والكراهية له ما بعده وأنه جزء من استراتيجية تقودها قوى اقليمية لها مصالحها في استخدام وتوظيف الساحة الفلسطينية كورقة تخدم سياستها الخارجية وموقعها في خارطة الفعل والتأثير الدولي، وأن أدوات هذا الخطاب في الساحة الفلسطينية ومن يروجون له ان لم يجدوا من يفند خطابهم ويدحض اقاويلهم فإن النتائج ستكون كارثية، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version