الانهيار المروع في العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية: إلى أين نذهب من هنا؟ (1)

وحشية حماس أدت إلى تغيير جذري في ديناميكية الصراع وخلقت نموذجا جديدا يمكن أن يؤدي إلى اتفاق سلام على أساس حل الدولتين.

كتب: د. ألون بن مئير

منذ حرب الأيام الستة عام 1967 بُذلت جهود كثيرة للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال الوساطة التي يقوم بها وسيط محايد، والمفاوضات وجها لوجه، والمؤتمرات الدولية، وتقديم الحوافز، ومحادثات القنوات الخلفية، والاتفاقات المرحلية وخاصة اتفاقات أوسلو، وأحيانا من قبل جهة مؤثرة تمارس الضغوط على الجانبين، وخاصة الولايات المتحدة. وكما نعلم، لم تنجح أي من الأساليب المذكورة أعلاه أو العديد من الطرق الأخرى للتوصل إلى اتفاق سلام. ويُعزى الفشل في التوصل إلى اتفاق بشكل أساسي إلى حقيقة أن كلا الجانبين يطالبان بالملكية الحصرية لكامل الأرض من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، على الرغم من أنهما يلقيان اللوم على بعضهما البعض في الفشل في تقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق سلام.

وفي حين أن احتمال حل الدولتين كان قابلا للتطبيق بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993، فإن آفاق مثل هذا الحل أصبحت قاتمة تدريجيا مع تحرك إسرائيل إلى يمين الوسط. أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان عازما على تخريب اتفاقات أوسلو منذ البداية عندما شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 1996 و1999، وظل في السلطة طوال معظم السنوات الخمس عشرة الماضية، مرارا وتكرارا أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية تحت إشرافه. وأخذت فكرة حلّ الدولتين تفقد جاذبيتها بشكل مطرد في إسرائيل، وتم تطبيع احتلال الضفة الغربية وإنشاء دولة الفصل العنصري بحكم الأمر الواقع، وهو أمر أصبح أسلوب حياة لمعظم الإسرائيليين والفلسطينيين.

من المعروف جيدًا في مجال حل النزاعات أنه في بعض الأحيان يتطلب الأمر حدوث انهيار كبير يؤدي إلى حدوث أزمة غير عادية لتغيير ديناميكية الصراع. وتشكل حرب يوم الغفران المدمرة وغير المتوقعة على نحو صادم في عام 1973 والتي أدت فيما بعد إلى اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، مثالا قويا على ذلك. وعلى هذا النحو، فقد جعل من المستحيل ببساطة العودة إلى الوضع السابق. في الواقع، لن تعود إسرائيل ولا الفلسطينيون، بما في ذلك حماس، إلى حالهم بعد هذه المذبحة البشعة وغير المسبوقة وانتقام إسرائيل الذي أدى بالفعل (حتى كتابة هذه السطور) إلى سقوط أكثر من 7000 ضحية فلسطينية، ناهيك عن الموت والدمار الذي لا يمكن تصوره وهذا سيحدث إذا قامت إسرائيل بغزو بري واسع النطاق لغزة.

كان ينبغي توقع هذا الرعب المتكشف بسبب ما كان يحدث على الأرض في الضفة الغربية وغزة خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة في الأشهر العشرة الأخيرة منذ تشكيل الحكومة الائتلافية اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل (كما أشرت إلى ذلك في مقالتي المنشورة بتاريخ 3 أكتوبر 2022). في الواقع، لم يكن الأمر بحاجة إلى نبي ليتنبأ بما سيحدث بعد ذلك. أصبحت أعمال العنف المتزايدة في الضفة الغربية تحصد حياة المئات من الفلسطينيين كل عام، معظمهم تحت سن الثلاثين (قُتل حتى الآن هذا العام ما يقرب من 300 فلسطيني من الضفة الغربية، بما في ذلك 102 منذ 7 أكتوبر وحتى لحظة كتابة هذه المقالة). وأصبحت المداهمات الليلية المتكررة وعمليات الإخلاء والسجن وهدم المنازل والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان هي القاعدة.

لقد اجتاح اليأس والاكتئاب والقنوط قسما كبيرا من السكان الفلسطينيين على نحو يشبه تجمع عاصفة شرسة اختارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بقيادة نتنياهو التخلص منها. علاوة على ذلك، فإن البعد النفسي للصراع هو الذي ظهر الآن بشكل كامل، وكشف عن الصدمة العقلية والعاطفية التي عاشها الفلسطينيون منذ عقود والتي كان الإسرائيليون غافلين عنها وكان من المحتم أن تظهر بطريقة غير مسبوقة.

تزايد استياء الفلسطينيين وكراهيتهم لإسرائيل. وبما أن الحكومة الجديدة لم تتمكن رسميًا من ضم الأراضي الفلسطينية، فقد لجأت إلى تخويف ومضايقة الفلسطينيين تحت أعين وزير الأمن القومي المجرم إيتمار بن غفير الذي أعطى المستوطنين الحرية الكاملة في هياج المجتمعات الفلسطينية من أجل “حثّهم” على الرحيل. أصبحت نية حكومة نتنياهو لضم جزء كبير من الضفة الغربية ببطء واضحة تمامًا. ومع ذلك، لا يمكن لأي مما سبق أن يبرر تحت أي ظرف من الظروف هجوم حماس الشنيع على المدنيين الإسرائيليين ويجب على حماس أن تدفع ثمن ذلك غاليا، وسوف تدفع الثمن. ولكن مثل هذه المذبحة التي لا يمكن تصورها حدثت بسبب “الإستراتيجية” المحفوفة بالمخاطر التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والتي مكنت حماس ومنعت إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وهذا ما يفسر أيضًا سبب رفض نتنياهو المستمر للتفاوض مع أي حكومة وحدة محتملة بين السلطة الفلسطينية وحماس.

إسرائيل هي التي أنشأت حماس لموازنة حركة منظمة التحرير الفلسطينية الوطنية العلمانية بقيادة ياسر عرفات، والتي كان المقصود منها تقسيم الفلسطينيين إلى معسكرين ومنع إنشاء دولة فلسطينية. إن إنشاء إسرائيل لحركة حماس، وهو ما أكده العديد من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الإسرائيليين على مدى عدة سنوات، أمر لا جدال فيه. قال العميد السابق يتسحاق سيغيف، الذي كان الحاكم العسكري الإسرائيلي في غزة في أوائل الثمانينات، لمراسل صحيفة نيويورك تايمز، إنه ساعد في تمويل حماس باعتبارها “ثقلا موازنا” للعلمانيين واليساريين في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بزعامة ياسر عرفات، وصرّح قائلا “لقد أعطتني الحكومة الإسرائيلية ميزانية والحكومة العسكرية تعطيها بدورها للمساجد”. ومن بين كثيرين آخرين، قال أفنير كوهين، مسؤول الشؤون الدينية الإسرائيلي السابق الذي عمل في غزة لأكثر من عقدين من الزمن، لصحيفة وول ستريت جورنال في عام 2009 إن “حماس، لأسفي الشديد، هي صنيعة إسرائيل”.

في مقابلة أجريت معه عام 2015 قال بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الحالي والمسؤول أيضًا عن تنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي (COGAT)، إن “السلطة الفلسطينية عبء، وحماس مكسب” (التأكيد مضاف). وفي مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 18 أكتوبر 2023 بعنوان “نتنياهو قادنا إلى الكارثة. يجب أن يرحل”، قال المؤلف غيرشوم جورنبرج إن “إعادة غزة إلى السلطة الفلسطينية لم تكن على ما يبدو جزءًا من أجندة رئيس الوزراء. لقد كانت حماس هي العدو، وفي تطور غريب، كانت حليفة ضد تهديد الدبلوماسية وحل الدولتين والسلام”.

وفي الواقع، لم يتّبع أي رئيس وزراء إسرائيلي سياسة فرق تسد الكارثية هذه بقوة أكبر من نتنياهو. وعلى الرغم من استمراره في الحصار على غزة، إلا أنه سمح بتدفق مئات الملايين من الدولارات من قطر ودول أخرى إلى خزائن حماس، وهو يعلم تمام العلم أن أكثر من 50 في المئة من هذه الأموال استخدمتها حماس لشراء وتصنيع الأسلحة، بما في ذلك عشرات الآلاف من الصواريخ، وبناء شبكة ضخمة من الأنفاق ذات القيادة والسيطرة بينما تستعد للحرب القادمة.

وذكر جورنبرج أيضا أنه “في عام 2019، على سبيل المثال، أوضح نتنياهو سبب سماحه بدعم نظام حماس في غزة بأموال من قطر بدلاً من اعتماده على الحبل السري المالي للضفة الغربية. وقال لمشرعي الليكود إن ‘كل من هو ضد الدولة الفلسطينية ينبغي أن يكون مع التمويل القطري…’”. وصرح يوفال ديسكين، رئيس الشاباك من 2005 إلى 2011، في يناير 2013 قائلا “إذا نظرنا إلى الأمر على مرّ السنين نرى أن أحد الأشخاص الرئيسيين الذين ساهموا في تعزيز حماس هو بيبي نتنياهو منذ ولايته الأولى كرئيس للوزراء”. وفي تصريح أكثر دلالة من شخص منغمس بعمق في السياسة والحكم الإسرائيلي، قال إيهود باراك في أغسطس 2019 “إستراتيجيته (المقصود نتنياهو) هي إبقاء حماس حية ومزدهرة… حتى على حساب التخلي عن المواطنين (في الجنوب …) من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله……”.

لقد كانت “إستراتيجية” نتنياهو المشؤومة مجرد وهم. لقد كان يعتقد أنه قادر على السيطرة على الوحش الذي رعاه على مر السنين، والذي عاد بدلاً من ذلك ليذبح المئات من الإسرائيليين الأبرياء الذين كانوا يعتمدون على حكومتهم للحصول على الحماية وقد خُذلوا بشكل مأساوي. لقد تعرضوا للخيانة من قبل رئيس الوزراء الذي كان يركز على تعزيز أمن إسرائيل في الضفة الغربية بينما يضعف أمن الجبهة الجنوبية على طول حدود غزة. وبينما لم يدخر نتنياهو أي جهد من أجل “إصلاح” السلطة القضائية، كانت حماس تخطط وتدرب وتحصل على الأسلحة وتتقن التقنية لشن الهجوم الأكثر جرأة ضد إسرائيل الذي لم يكن لأحد أن يتخيله.

لقد حدث كل ذلك تحت مراقبة نتنياهو. والأسوأ من ذلك، كيف يمكن أن يكون جهاز الاستخبارات الأكثر شهرة في العالم، الموساد الإسرائيلي، قد فشل في الكشف عن التخطيط لهجوم بهذا الحجم الذي ربما استغرق الإعداد له أكثر من عام؟ ولماذا تجاهل نتنياهو تحذير وزير المخابرات المصري اللواء عباس كامل الذي اتصل شخصيا بنتنياهو وحذره من أن حماس من المرجح أن تقوم بـ”عملية مروّعة وغير عادية” قبل عشرة أيام فقط على الهجوم؟

أنا لا أشير أو حتى ألمح إلى أن نتنياهو كان يعلم ما سيحدث ولكنه اختار أن يتجاهل ذلك، بل إنه كان ببساطة رافضًا لما تستطيع حماس فعله، ويعتقد أنه كان يتعامل بشكل جيد مع ما كان يحدث في غزة. لقد كان منشغلا بإصدار التشريعات التي من شأنها إخضاع المحكمة العليا وتعيين القضاة لسياسيين منتخبين، الأمر الذي كان من شأنه أن يدمر الديمقراطية في إسرائيل ويسمح له بتولي السلطات الاستبدادية التي كان يطمح إليها بشدة.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا