فرص السلام قبل “طوفان الأقصى” وبعده

هذه الحرب تبدو مقدمة لمشهد جديد ربما سيبدأ بتفكيك اللغم الأكبر في طريق الحل السياسي بمجرد سقوط نتنياهو وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي بعد الإخفاق الأمني الكبير الذي وقع.

كتب: فاضل المناصفة

قبل السابع من أكتوبر والذي كان بداية الحرب التي تشهدها غزة اليوم، كانت تصريحات وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أشارت إلى أن الاتصالات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل برعاية أميركية تقترب من الوصول إلى اتفاق تاريخي، ومُجدّدا في نفس الوقت التأكيد على ربط ذلك بتسوية للقضية الفلسطينية، لتخلق واقعا جديدا في منطقة الشرق الأوسط وتجعل من التطبيع اتفاقا يخدم السلام. لكن الحرب الأخيرة خلطت الأوراق بعد أن ألقت حماس عود الثقاب على البنزين وأشعلت جولة جديدة من الصراع الذي من المؤكد أنه قد ألقى بتبعاته على الملفات الأخرى في المنطقة. فهل ستكون حرب غزة حجر العثرة في طريق التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟ أم أنها ستقدم واقعا جديدا سيساهم في إعادة إحياء مبادرة السلام العربية؟

قبل أن تصل حماس إلى حكم قطاع غزة، وعندما كان خاضعا للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، تقدمت السعودية عبر الجامعة العربية بمبادرة سلام وضعت ضمن بنودها انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب يونيو – حزيران 1967 وقبول قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة وقطاع غزة على أن تكون عاصمتها القدس الشرقية، وقدمت المملكة من خلال هذه المبادرة تصوّرها للحل الذي يفضي إلى إنهاء الصراع وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك أرييل شارون اعتبر أن الانسحاب إلى حدود ما قبل 1967 يعني نهاية إسرائيل، واعتبر هذا الموقف إجهاضا لمبادرة السلام قبل أن تولد.

بالنسبة إلى السعوديين فإن عقارب الساعة قد توقفت عند تلك المبادرة، وهم يصرّون على تحقيق اختراق في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي تفضي إلى حل الدولتين كشرط أساسي في المضي قدما في مسألة التطبيع، وبالنظر إلى الوقائع التي تجري على الأرض من استمرار للسياسة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، ومن أحاديث عن محاولات خلق وطن بديل للغزيين فإنه يبدو واضحا بأن بنيامين نتنياهو ليس على استعداد لتلبية شروط السعوديين، ولا للجلوس معهم على طاولة المفاوضات بشروط مسبقة.

كان في خطوة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005 فرصة حقيقية لإعادة إحياء اتفاق أوسلو ووضع مبادرة السلام العربية قيد التنفيذ، لكن ذلك الانسحاب لم يتم وفق أجندة تضع في الحسبان تحقيق حلم الفلسطينيين، ولم يقدم اليد الممدودة للعرب من أجل إيجاد تسوية تنتهي بسلام. فتح هذا الانسحاب الباب لإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 والتي أفرزت واقعا سياسيا جديدا انتهى بسقوط الفلسطينيين في فخ الانقسام بعد أن استفردت حماس بحكم قطاع غزة وأعلنت خروج غزة من معادلة حل الدولتين. وأمام هذا الواقع انتهت صلاحية مبادرة السلام العربية، وفشلت معها جميع الجهود الأممية الرامية لإيجاد حل سياسي في المنطقة، وفتح هذا الفشل الباب لفصول متكررة من مسلسل العنف والمواجهات.

تقدم حرب غزة وكل ما يجري فيها من دمار وقصف وتهديد وتهجير للمدنيين سببا آخر سيقلص من حظوظ حصول تقارب سعودي – إسرائيلي في المستقبل القريب، ربما لأن المسؤولين في المملكة يدركون تأثير هذه الحرب على الرأي العام السعودي وعلى استقرار المنطقة ككل، مع احتمال اتساع دائرة الصراع والذي ينذر بعودة اشتعال بؤر التوتر في اليمن والعراق ولبنان من جديد في حال حرّكت إيران وكلاءها في المنطقة ردا على اجتياح محتمل لغزة.

ومن هنا يمكن القول إن حركة حماس استطاعت من خلال عملية “طوفان الأقصى” فرملة مسار التطبيع بين السعوديين والإسرائيليين والتأثير حتى على المواقف الإقليمية بعد أن أحدثت شرخا في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، ومصر وإسرائيل.

في نفس الوقت فإن هذه الحرب تبدو مقدمة لمشهد جديد ربما سيبدأ بتفكيك اللغم الأكبر في طريق الحل السياسي بمجرد سقوط نتنياهو ومعه حكومة اليمين المتطرف، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي بعد الإخفاق الأمني الكبير الذي وقع، وقد يعبّد هذا السقوط الطريق لوصول حكومة تستجيب للمطالب الأميركية والإقليمية حول ضرورة إعادة تفعيل مشروع حل الدولتين. حتى وإن نجح ذلك فثمة لغم آخر لا يقل وزنا عن الأول والمتمثل في حالة الانقسام التي يعيشها البيت الفلسطيني، وهو ما يستدعي الحاجة إلى دور سعودي يتمثل في عقد نسخة جديدة من اتفاق مكة للمصالحة الفلسطينية، والذي إن نجح فإن نجاحه سيعطي الضوء الأخضر للمرور إلى المرحلة الثانية من مسار عملية السلام.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا