باسل عبّاس وروان أبو رحمة: الصوت لمقاوَمة الهيمنة الاستعمارية

يعيد الفنّانان الفلسطينيان باسل عبّاس وروان أبو رحمة تركيب الذاكرة في مواجهة الاستعمار الاستيطاني الذي يسعى إلى تغيير الجغرافيا ومحو الحضور المادّي للإنسان الفلسطيني، الذي يصبح صوتُه، بما يعنيه من تردّدات وتذبذبات وأداء، عنصراً أساسياً في المقاومة واستحضار الأحداث التي صاغت التاريخ.

في معرضهما، الذي يُفتتح الخميس المقبل في “مركز الفنون الدولي” بكوبنهاغن، يُراكم الفنّانان البحث حول مفاهيم لطالما تمحورت حولها معظم أعمالهما: الروح الجماعية، وفكرة الانتماء، وحقّ تقرير المصير، في لحظة يمارس فيها الاحتلال أقصى درجات العنف عبر الإبادة والتهجير.

باستخدام الصور المتحرّكة والأعمال التركيبية والأفلام، يخلق عبّاس وأبو رحمة حالةً شعورية وذهنية مكثّفة لإيصال الصوت الذي يتراكب في طبقات ويجري تكراره، أو ربط النطق بالمعنى والدلالة، أو التركيز على التأتأة والتقطّعات في الحديث، وغيرها من المجازات لإيصال الصوت الذي قد لا يُسمع، ولكنّه يترك أثره بالتأكيد.

خطاباتٌ مضادّة لا تغفل جماليات الصوت الذي يُحيل إلى نداء الأرض

المعرض، الذي يتواصل حتى العشرين من تشرين الأول/أكتوبر المُقبل بالتعاون مع “متحف غليبتوتيك” في العاصمة الدنماركية، يُضيء تلك القوّة وذلك التأثير، باعتبار الصوت فضاءً غير مرئي يمكن الإحساس به وإعادة تمثيله في سياق مقاومة الاحتلال؛ حيث استخدم الفنّانان في عملهما التركيبي “ظرف طارئ” (2010) أجهزة تسجيل مخفيّة لتوثيق المشهد الصوتي لحاجز قلنديا، الذي ثبّته جيش الاحتلال ليفصل بين القدس وشمال الضفّة الغربية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.

تتمثّل دلالة تسجيل الصوت في موقف استعماري يعيشه الفلسطينيون يومياً خلال تنقّلاتهم فوق أرضهم، في اختراق السيطرة المطلَقة التي يسعى العدوّ إلى تكريسها. وهنا تبرز أهمّية التنفّس كفعل في مشاريع الفنّانين، اللذين يُوضّحان – في مقابلة صحافية أُجريت معهما عام 2020 – “في التنفّس رفضٌ لفكرة أنّك في غير مكانك، حيث لا ينبغي لك الوجود” على حدّ تعبير باسل عبّاس، وأنّ “النفَس هنا لا يحمل معناه الجسماني فحسب، وإنّما يحمل أيضاً سؤالاً وجودياً، ولا سيما عند شعوب لا يُراد لها الوجود”، وفق تعبير روان أبو رحمة.

وفق هذه الرؤية، ترتبط استمرارية الوجود الفلسطيني بكلّ وحدة صوتية بأشكالها المنطوقة المختلفة، وبكيفية الوجود في حيّز يحاول العدوّ إنكاره ومحوه وطمسه، لكنّ الإصرار على التنفّس والحديث والغناء هو تعبيرٌ عن ذلك التصدّع والتمزّق بسبب العنف الاستعماري الاستيطاني الموجَّه ضدّ الإنساني الفلسطيني على مدى عقود.

يُوظّف الفنّانان مواد أرشيفية إلى جانب مقطوعات من الموسيقى الإلكترونية والتسجيلات التي تتضمّن مقاطع صوتية وصوراً، تتجاور مع اقتباسات من نصوص شعرية ونقدية باللغتين العربية والإنكليزية، في ترسيخ لمفهوم يعكس جوهر مقولتهما “شعرية المقاومة”، التي ترتكز على إنشاء خطابات مضادّة للأنظمة الاستعمارية، لا تغفل جماليات الصوت بشكله المجرّد، والذي يُحيل إلى نداء الأرض والمقاومة.

المصدر: العربي الجديد

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا