جنون نتنياهو المقبول

نبض الحياة

كتب: عمر حلمي الغول

في خضم التباين المعلن بين حكومة حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني بقيادة نتنياهو وإدارة الرئيس بايدن الأميركية، ورغم غضب وانزعاج العديد من المسؤولين الاميركيين في الحزب الديمقراطي من الزعيم الإسرائيلي، بيد انهم لا يطالبون الى القطيعة معه ومع فريقه الحكومي، لا بل العكس صحيح، ويدعون للمحافظة على العلاقات البينية بذريعة، انه رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا، وحقيقة الامر أعمق من ذلك، كونها تعود لطبيعة العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة واداتها الوظيفية إسرائيل.
وكما يعلم الجميع بعد 7 أكتوبر 2023 وارسال الإدارة الأميركية حاملات طائراتها وغواصاتها وبوارجها الحربية وجنودها مع باقي حلفائها من الغرب الرأسمالي، وقادوا حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، واوقفوا الدولة اللقيطة على اقدامها، جاء الرئيس بايدن شخصيا لإسرائيل في 18 أكتوبر الماضي دعما مباشرا لها، وأكد ما كرره مرارا وتكرارا “انا لست يهوديا، ولكني الصهيوني الجيد.”
وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما عشية مغادرته البيت الأبيض في مطلع 2020 وجه خطابا للامة الأميركية، مما جاء فيه أن ” أكبر إنجازات إدارتي هي “وأد الربيع العربي”، فأنتم تعلمون أن الثورات التي نشبت في الشرق الأوسط وشمال افريقيا عام 2011 هددت أمن صديقتنا إسرائيل، التي نعد بقاءها في ذلك الجزء من العالم مرتبطا ببقاء هويتنا نحن.” وحدث ولا حرج عن تمرير الرئيس السابق دونالد ترامب صفقة القرن المشؤومة في نهاية عام 2017 باعترافه بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وتلا ذلك سلسلة من الإجراءات لملاحقة قيادة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية المعروفة للجميع، ومازالت إدارة الرئيس جو بايدن تعمل بخطى حثيثة على ترجمتها وتطبيقها على الأرض عبر توسيع عملية التطبيع المجاني العربية مع إسرائيل، وهناك الاف الشواهد التاريخية تؤكد هذه الحقائق لتكريس دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية وتصفية الحقوق الوطنية، وتبديد عملية السلام، رغم ادعاء الإدارات المتعاقبة عن تمسكها الشكلي بخيار حل الدولتين.
وانعكاسا لما تقدم، فإن نتنياهو وحكومته لإدراكهم العميق طبيعة العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ولعدم خشيتها من بروز اية تباينات مع الإدارات الأميركية، وباعتبارها الأداة الوظيفية المدللة، وكونها بمثابة حاملة طائرات على الأرض الفلسطينية العربية لخدمة مصالح واشنطن الحيوية في الوطن العربي والاقليم الشرق اوسطي الكبير، لهذا لم يتورعوا عن التجاوز المحسوب لسياسات بايدن واوباما وكلينتون قبله. وهو ما تشير له صحيفة “بوليتيكو” الأميركية نقلا عن مسؤولين اميركيين، حيث نقلت عن احد المسؤولين في الإدارة الحالية قوله إن “سلوك نتنياهو وخطاباته في الآونة الأخيرة كانا اشكاليين على أقل تقدير، كما انهما يتناقضان تماما مع الحقائق الفعلية، فيما وصف مسؤول آخر تصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها “مجنونة”، وهم يقصدون كذبه عن تقليص امداد إسرائيل بالصواريخ والقنابل الثقيلة.
ووفقا لأربعة مسؤولين تحدثوا للمجلة ذاتها، فإنه “لا يوجد أي خطط لمعاقبة نتنياهو، حال استمر في انتقاد إدارة بايدن، أو تعريض حياة المزيد من الفلسطينيين للخطر، إذ تفضل الإدارة العمل على حل الخلافات بدلا من استخدام عقوبات دبلوماسية.” وتستخلص مجلة “بوليتيكو” مما ورد، ان رئيس حكومة حرب الإبادة يختبر مدى حدود صبر إدارة الرئيس الأميركي بشكل غير مسبوق، مما يعني أن نتنياهو “لن يتعرض للتجاهل من قبل بايدن، عندما يزور واشنطن ويتحدث أمام الكونغرس في 24 يوليو الحالي.” رغم ان 6 من كبار مسؤولي الإدارة قالوا إن رئيس الوزراء الإسرائيلي “دفع الشعور بالإحباط في البيت الأبيض إلى مستويات جديدة.”
ومع ذلك، فإن المسؤولين الاميركيين يصرون على انه من الأفضل لإدارة بايدن أن تحافظ على علاقة عمل جيدة مع نتنياهو وفريقه للتعامل مع الحرب المستمرة منذ نحو 9 شهور في غزة، وتحسين الظروف الإنسانية، إذ لا يمكن التوصل الى أي اتفاق من أي نوع مع “حماس” دون موافقة الرجل القوي في إسرائيل. والامر لا يتعلق بإبرام الاتفاق مع أذرع المقاومة، انما له عميق الصلة باختيار نتنياهو الوقت المناسب لرفع وتيرة التباينات مع الإدارة وشخص الرئيس الأميركي عشية الانتخابات الرئاسية، وسعي بايدن لخفض منسوب الخلاف مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بهدف كسب أصوات القوى المؤيدة لإسرائيل، ولقطع الطريق على منافسه الجمهوري ترامب، الذي يحرص نتنياهو على مغازلته سلفا، ادراكا منه انه الرئيس القادم لتولي الرئاسة في البيت الأبيض في المرحلة القادمة.
ومن هنا نلحظ، ان أولئك المسؤولين يدعون لامتصاص ردود الفعل من قبل رئيسهم ومرشحهم حتى اللحظة للانتخابات القادمة. الا انهم أيضا جانبوا الصواب، عندما افترضوا ان نتنياهو طليق اليد، وان إدارة بايدن لا تستطيع ان تلزمه بوقف حرب الإبادة وفقا لقرار مجلس الامن 2735، الذي قدمه بايدن نفسه، وهو بالأساس موقف الزعيم الإسرائيلي، وابرام اتفاق لتبادل الاسرى، وترتيبات اليوم التالي لإدارة قطاع غزة وفق القرار الاممي. فالادارة تملك كل أوراق القوة لوقف نتنياهو عند حده إذا شاءت، لكنها لا تريد. إذاً جنون نتنياهو مقبول على مضض، رغم تحفظ اركان الإدارة، والتي تستطيع وضع حد لاستقوائه على بايدن. لكنها ليست بوارد ذلك، ولا تريد، لان هناك توافق إسرائيلي أميركي على أهداف الحرب، ومن يعتقد ان إدارة الاميركية تريد وقف الحرب الان يكون مخطئا جدا، لأنها مع استمرار الحرب والقتل بطريقة اقل صخبا وضجيجا وبشكل انتقائي، وكلاهما لا يريد إخراج حركة حماس من قطاع غزة لإدامة الانقسام داخل الساحة الفلسطينية.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا