50 عاما من الهزيمة

بقلم: عمر حلمي الغول

اليوم ذكرى مرور خمسون عاما على هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967، هزيمة الدول العربية الثلاث مصر وسوريا والأردن امام إسرائيل، فبدل تحرير الأرض من الغاصب الإسرائيلي، وخلق شروط سياسية مناسبة لبناء ركائز سلام على اساس قرار التقسيم الدولي 181، تم سحق الجيوش العربية وخاصة الجيش الأهم، جيش مصر وعبد الناصرخلال ساعات معدودات، ولم تكتف إسرائيل آنذاك بالحدود، التي قامت عليها قبل تسعة عشر عاما، في اعقاب عام النكبة 1948، بل سيطرت على كل فلسطين التاريخية وإحتلت سيناء المصرية حتى حدود قناة السويس، وإحتلت الجولان السورية.

كان لهزيمة الخامس من حزيران 67 آثارا عميقة وبعيدة على معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وجلها لصالج المشروع الكولونيالي الإجلائي والإحلالي الإسرائيلي، حيث باشرت حكومة ليفي إشكول مباشرة التنفيذ الفوري لإستكمال مشروعها الإستعماري لكل فلسطين التاريخية. وتجلى ذلك في سلسلة من الإنتهاكات الخطيرة، حيث أعلنت عن ضم القدس بعد شهر من الإحتلال، وهدمت وغيرت في معالم المدينة تمهيدا لتوطيد مشروع التهويد والأسرلة، وفي الضفة والقطاع والجولان وسيناء، باشرت بإقامة المستعمرات في مناطق متفرقة ومنتقاة، وخضع الإستيطان الإستعماري لإربع مراحل: اولا المرحلة الأمنية العسكرية؛ ثانيا المرحلة الإقتصادية؛ ثالثا المرحلة الدينية؛ رابعا المرحلة السياسية بالمعنى الأشمل. كل المراحل كان لها علاقة بالبعد السياسي، لكنها كانت تعتمد في تطبيقاتها على بعد محدد. والمشروع الصهيوني الإستعماري، كان مشروعا متحركا، ومازال حتى اللحظة يتقدم ويتراجع إرتباطا بالمتغيرات الداخلية والمحلية والإقليمية والعالمية، لكن الناظم الأساسي له، هو الصعود باتجاه مؤشر بوصلة الإستيطان الإستعماري وإقامة إسرائيل الكبرى.

كما أن هزيمة حزيران 67 كان لها أثر فادح في ركوب القيادات الإسرائيلية المتعاقبة من الحزبين الرئيسيين العمل والليكود وتحالفاتهما الرأس، ورفض خيار السلام حتى عندما زار الرئيس السادات إسرائيل 1978، لإنها (الزيارة العار)عمقت القناعة في الأوساط القيادية الإستراتيجية الإسرائيلية، ان عوامل القوة العربية تآكلت، وبدأ التفكك يسري في اوصال الجسد العربي الرسمي، حتى جاءت حرب الخليج الثانية 1990/1991 لتقصم ظهر البعير، وتتالت التراجعات العربية إلى يوم الدنيا المعاش.

عير ان الحرب حملت معها عامل “ايجابي” تمثل في: انها اولا وحدت فلسطين التاريخية تحت الإحتلال، مع الإدراك المسبق ان شروط النضال داخل الخط الأخضر تختلف تماما عن شروط النضال داخل الأراضي المحتلة عام 1967؛ ثانيا وحدة الشعب العربي الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والضفة بما فيها القدس وقطاع غزة، وإعادة جسور الصلة بين التجمعات الموجودة تحت السيطرة الإسرائيلية عززت الثقل الفلسطيني في معادلة الصراع، وخلقت أرقا للقيادات الإسرائيلية، لاسيما وانها (القيادات) كانت تبحث دائما عن تقليص وتجفيف الوجود الفلسطيني في المشهد السياسي، لكن الحرب ونتائجها، أعطت مردودا عكسيا، مازال تاركا آثاره على الفكر السياسي الإسرائيلي حتى الآن؛ رابعا تجديد إنطلاق الثورة بعد الهزيمة مباشرة، وبروز الظاهرة العلنية في عواصم الشتات وخاصة الساحة الأردنية، وإمتداداتها العميقة داخل الأرض الفلسطينية ترك بصماته القوية على الصراع؛ خامسا إنتصار الثورة في معركة الكرامة في آذار/مارس 1968 نتاج الكفاح الفلسطيني الأردني المشترك دورا هاما، شكلت رافعة للنضال الوطني، وأعطت مصداقية عالية للثورة الفلسلطينية المعاصرة،؛ سادسا تحقيق الإنجازات الوطنية المختلفة على الصعيدين العربي والدولي: الإعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، القرارات الأممية التي أيدت حق تقرير المصير، وكفلت للشعب الفلسطيني إستخدام كافة اشكال النضال بما في ذلك الكفاح المسلح .. إلخ من الإنجازات والإنتصارات الكمية والكيفية، جميعها عززت الروافع الإيجابية، وتمثلت في بروز وسطوع العامل الفلسطيني، كعامل حاسم ومقرر في الصراع، حتى امسى الآن صراعا فلسطينيا إسرائيليا بعد التوقيع على إتفاقيات كامب ديفيد 1979 ثم اوسلو 1993 واتفاق وادي عربة 1994.

على تداعيات الهزيمة ان تتوقف عند سقف الخمسين عاما، وإنسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 لتسمح بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية كاملة غير منقوصة وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194. لإنه لا مستقبل لإسرائيل دون تحقيق السلام، ولا مجال لقبول الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال الإسرائيلي، والآن هناك فرصة يمكن ان يحملها الرئيس ترامب من خلال ما يسميه، هو إبرام الصفقة الكبرى. هل تعيد حكومة نتنياهو معادلة الصراع وتقبل بخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وتوقف نزيف الدم والإرهاب والحروب، وتعلي صوت السلام والتعايش بين شعوب المنطقة؟ الكرة في ملعب إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص والعالم عموما، المطالب بإلزام إسرائيل بدفع إستحقاقات السلام.

Oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا