الفساد والشفافية لا يجتمعان كتب د. حنا عيسى

الشباب هم قادة ومشاعل التغيير والتطوير وصناع المستقبل المشرق للوطن، والرقم الصعب الذي لا يمكن تجاهله من قبل قيادات الدولة ومنظمات المجتمع ويفوق دورهم في التطوير والتنمية للوطن ومحاربة الفساد الدور الذي يمكن أن تقوم به الأحزاب والتنظيمات السياسية والمؤسسات الرسمية والخاصة ذات العلاقة بهذا الجانب في الدول والمجتمع. وتعتبر فلسطين بشبابها وشيوخها نموذجاً رائعاً في التاخي والتعايش الإسلامي المسيحي، وقفوا جنباً إلى جنب في البناء والتعليم والصحة … وغيرها من المجالات، وتجدهم يداً واحدة تبطش بكل قوة في وجه الاحتلال الاسرائيلي الغاشم، فترى المسيحي بصليبه يحرس الأقصى المبارك ويذود عن قبة الصخرة، والمسلم يجلس حارساً على بوابة القيامة حاملاً مفاتيحها ليلاً نهاراً، يرعى شؤونها ويذود عنها…

ويعتبر الشباب الفلسطيني عامة والمقدسي خاصة ابرز وسائل مكافحة الفساد في فلسطين مهما تعددت اشكال الفساد واختلفت صوره، فالشباب يشكلون الشريحة الأكثر تضرراً ومعاناة من مختلف مظاهر الفساد المالي والإداري في المجتمع، والأكثر تأثراً بمتغيرات وتطورات العصر والأكثر إندفاعاً وحماساً نحو إحداث التغيير والتطوير في المجتمع، بالإضافة إلى كونهم يشكلون النسبة الأكبر بين شرائح المجتمع.

*وحتى يتمكن الشباب من القيام بدوره في مكافحة الفساد يحتاج إلى توافر مقومات منها:-

– ضرورة امتلاك هؤلاء الشباب لقيم وروح الحب والولاء والانتماء للوطن وتغليب مصلحة الوطن وتقدمه ووحدته وأمنه واستقراره على أي مصالح أخرى.

– الرؤية المتعمقة للأحداث والتجارب الأخرى المرتبطة بالتغيير ومحاربة الفساد والاستفادة من ايجابياتها وسلبياتها بعد دراسة دقيقة وتحليل واعي لهذه التجارب ونتائجها.

– ضرورة امتلاك الشباب روح العزيمة والإصرار والحماس على محاربة الفساد في المجتمع مهما كان شكله ومظاهره ومصادره وتوحيد صفوفهم ورؤيتهم وتنسيق جهودهم للإسهام الفعال في تنمية الوطن.

-عمل مختلف الجهات الراعية للشباب والهيئات الشبابية على صناعة برنامج وطني يعمل على تدريب هؤلاء الشباب يضمن في طياته التعريف بماهية الفساد وأشكاله وكشف مواطنه وطرق رصد الفاسدين من خلال المحاضرات والنشاطات اللامنهجية.

-رفع وعي قطاع الشباب حول منظومة الفساد أشكاله، مظاهره، أسبابه، نتائجه وسبل مكافحته والحد منه من خلال تطوير عدد من المواد التثقيفية.

– نشر الوعي المجتمعي ضد ظاهرة الفساد.
يعتبر الفساد افة المجتمع، فهو افة تتغلل في كافة مناحي الحياة اليومية، بداية من الأسرة التي تميز بين فرد واخر، وتحابي لنفر دون سواه، وإذا ما توسعت الدائرة نرى الفساد يكبر أكثر وأكثر، وإذا ما وصلت للشركات والدوائر الحكومية والخاصة ترى فنوناً رائدة في الفساد… فالفساد يدمر جهود التنمية ويزيد الفقراء فقراً والأثرياء ثراءاً وتنعدم العدالة الاجتماعية، فلا عدالة مع الفساد، بل ولا تنمية في ظل الفساد. ونؤكد هنا على ان مجتمعاتنا العربية تواجهه العديد من المشاكل، والتي يعتبر الفساد أكبرها وأخطرها، حيث أشار تقرير لمنظمة الشفافية العالمية لسنة 2011م، إلى أن “ثلث الفساد المالي مركزه الوطن العربي، ونصفه في العالم الإسلامي، وأن حجم الفساد المالي في العالم يقدر بألف بليون دولار، منها ثلاثمائة بليون في الوطن العربي وحده، أي أن حجم الفساد المالي في الوطن العربي يساوي ثلث الفساد العالمي، فإذا أضفنا حجم الفساد في الدول القائمة في العالم الإسلامي الأخرى فإن حجم الفساد في العالم الإسلامي يتجاوز نصف الفساد العالمي، والفساد المقصود في هذا التقرير ينحصر في سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية”.

وكان الفساد لا سيما المالي منه أول المظاهر السلبية التي عالجها الإسلام منذ بداياته، فشن حرباًً لا هوادة فيها على الاستغلال والاستعباد وتطفيف الميزان والغش والاحتكار والسرقة والرشوة والربا والاغتصاب، ومن ثم التعدي على المال العام وغير ذلك، واستمر في محاربة الفساد بكل أشكاله وألوانه، وقد وضع التشريعات القانونية التي تمنع كل مظاهر الفساد المالي، فحرم السرقة، فقال تعالى:” السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا” سورة المائدة اية 38، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة”.

والمسيحية وقفت ضد الفساد وحاربته بكافة أشكاله، فجاء في الوصايا العشر حسب الدين المسيحي التي انزلها الله على النبي موسى “لا تسرق”، وفي كتُب العهد الجديد نجد موضوع الفساد حاضراً. فيوحنا المعمدان الذي كان يعلن، بحسب نبوءة أشعيا، اقتراب ملكوت السماوات وقدوم المسيح، كان يعظ بالتوبة كل من يأتي إليه لينال المعمودية.. وها هو يجيب جباة الضرائب الذين «قالوا له: يا معلِّم، ماذا نعمل؟ فقال لهم: لا تجمعوا من الضرائب أكثر ممَّا فرض لكم» (لو 3/13). وفي الاتجاه نفسه يقول للجنود: «لا تظلموا أحداً ولا تشوا بأحد، واقنعوا بأجوركم» (لو 3/14). وفي الحالتين يمكن إجمال تعليم يوحنا لهؤلاء الموظفين بأن يتجنبوا الفساد وأن يبقوا في حدود ما تتطلبه منهم واجبات وظائفهم: الواجب كل الواجب ولا شيء أكثر من الواجب. وتوبتهم بهذا المعنى تصير قائمة في تحقيق الأمانة لواجباتهم… كذلك تشهد رواية “سمعان الساحر” الذي حاول أن يعرض مالاً على الرسولين بطرس ويوحنا لكي يحظى بموهبة استدعاء الروح القدس بوضع الأيدي (رسل 8/8-24)، على النموذج الأول لإحدى أكثر ممارسات الفساد التي ستعاني منها الكنيسة عبر العصور (السيمونيَّة)، والتي لم تفتأ تهدِّد نقاوة حياة الجماعة المسيحيَّة ومصداقيَّة شهادتها للإنجيل. هنا أيضاً يُعلن بطرس بعنف بارز حكماً قاطعاً يتجاوز القاعدة الأخلاقيَّة، لأنَّ الأمر يمسُّ قيمة المواهب الإلهية ذاتها: «إلى جهنَّم أنتَّ ومالك، لأنَّك ظننتَ أنَّك بالمال تحصل على هبة الله!».
والفساد تكثر صوره وتختلف أساليبه، فمنه الرشوة، الابتزاز، المحسوبية، المحاباة، الوساطة، الاختلاس، الأعمال الاجرامية، غسيل الأموال، تهريب الأموال، التهرب من الضرائب، الاتجار بالبشر، سرقة الاثار، تعاطي المخدرات، التزوير، والتزييف… وجميع ما ذكر يضر بالفرد أولاً، والأسرة ثانياً، والمجتع ثالثاً، يؤدي الى الحقد والضغينة، وتفاقم الكراهية، ويتنامى الظلم ما ينتج عنه مجتمع مفكك غير اّمن، فتتزايد حالات الإفقار وتراجع العدالة الاجتماعية وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وتدني المستوى المعيشي لطبقات كثيرة في المجتمع نتيجة تركز الثروات والسلطات في أيدي فئة الأقلية التي تملك المال والسلطة على حساب فئة الأكثرية وهم عامة الشعب.

ووفق تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية التي تحارب الفساد عن العام 2014م والي شمل 175 دولة من دول العالم، فان اكثر من ثلثي الدول المشمولة في المؤشر حصلت على معدل أقل من 50. وقد بلغ عدد الدول العربية التي شملها المؤشر لهذا العام 21 دولة، حصلت على معدل عام نسبته 38% على المؤشر مقارنةً بدول العالم. وجاءت السودان في المراكز الاخيرة مع دول سوريا ـ اليمن ـ ليبيا ـ العراق ضمن اسوء الدول التي تغيب فيها الشفافية والرقابة المالية وينتشر فيها الفساد وتصدرت دول قطر ـ الإمارات العربية المتحدة ـ البحرين ـ الأردن ـ السعودية ـ عمان ـ الكويت أفضل الدول العربية في مجال الشفافية ومحاربة الفساد كما تصدرت الدنمارك ـ فلنداـ السويد ـ النرويج ـ سويسرا ـ سنغافورة ـ هولندا ـ لوكسمبيرغ ـ كندا كأفضل الدول في العالم في الشفافية ومحاربة الفساد.

ولا تزال الامارات العربية المتحدة أفضل دولة عربية من حيث كونها الاقل فساداً، حيث حصلت على المرتبة الأولى عربياً والمرتبة 25 عالمياً بمعدل 70 للعام 2014 متقدمةً بنقطة واحدة عن معدل 2013. وتلي الامارات العربية المتحدة قطر التي احتلت المرتبة 26 عالمياً مع تقدمها بنقطة واحدة (69) عن المعدل التي سجلته في عام 2013 .

وأظهر التقرير تحسناً في الدرجات لهذا العام لكل من: البحرين التي تقدمت بنقطة واحدة هذه السنة (49) عن العام الماضي (48)؛ والاردن التي أحرزت معدل 49 وبالتالي تقدمت بأربعة نقاط عن العام 2013 (45)؛ والمملكة العربية السعودية التي تقدمت بثلاثة نقاط فأصبح معدلها لعام 2014 49 بينما كان 46 في العام 2013؛ ومصر التي أحرزت تقدماً ملحوظاً بخمسة نقاط فجاء معدلها لهذه السنة 37 بينما كان 32 العام الماضي.

كما أحرزت أيضاً كل من الكويت (44 لعام 2014 – 43 لعام 2013)، والمغرب 39 لعام 2014 – 37 لعام 2013، وسوريا (20 لعام 2014 – 17 لعام 2013)، وليبيا (18 لعام 2014 – 15 لعام 2013)، واليمن (19 لعام 2014 – 18 لعام )2013 تقدمأ، وإن كان طفيفاً، على مؤشر مدركات الفساد.

في حين سجلت سلطنة عمان تراجعاً من معدل 47 في العام 2013 إلى معدل 45 لهذه السنة، وكذلك الأمر لتونس ولبنان اللذين تراجعا بنقطة واحدة، فأصبح معدل تونس 40 ومعدل لبنان 27 لعام 2014.

أما الجزائر (36) والعراق (16) فحفظتا على نفس معدل السنة الماضية. وجاءت الصومال اكثر الدول العربية فساداً لهذه السنة بحصولها على معدل 11 كالعام الماضي وبإحتلالها المرتبة 174 عالمياً.

ومن هنا أتوجه بدعوة الأسر والمدارس والتي تعتبر اللبنات الأولى في التربية والتنشأة إلى تربية الأبناء والأطفال على قيم النزاهة والعدل والمساواة، وأثر الفساد على خراب وتأخر المجتمع، والعمل على تحصينهم من اّفة الفساد، كما وأتوجه بدعوتي إلى كافة شرائح المجتمع من الطالب للمدرس أو المزارع او العامل وصولاً لكافة المسؤولين من مدراء ووزراء إلى توخي معايير النزاهة والوطنية المتمثلة بالنزاهة والشفافية والمساءلة والحاكمية الرشيدة. حيث إن مكافحة الفساد مهمة إنسانية أخلاقية دينية شرعية على الجميع المشاركة فيها، وذلك من خلال :

1- التربية الدينية الصحيحة في البيت والمدرسة والجامعة: عن طريق غرس أصول الدين منذ الصغر، فهذه هي القاعدة الأساسية لمحاربة كافة أنواع الفساد والإفساد، فغياب الوازع الديني هو الأصل في الوقوع بالمفاسد والمحرمات.

2- التحلي بالقيم والأخلاق الحميدة التي تجعل الفرد بناءا في مجتمعه.

3- العبادة الواعية وليست المغالية والسير على القيم الإيمانية السمحاء كمحصنات ضد الفساد المجتمعي.

4- تحسين الظروف المعاشية لأفراد المجتمع.

5- التوعية المجتمعية لهذه الظاهرة الخطيرة وتداعياتها وتأثيرها على المجتمع واخلاقياتهم.

6- وضع نظام حماية و مكافأة لمن يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد.

7- وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بالاعتماد على الكفاءة والابداع العلمي.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا