هزيمة أميركا انتصار لفلسطين

بقلم: عمر حلمي الغول

يخطئ من يقرأ هزيمة مشروع القرار الأميركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس (6 ديسمبر 2018) من زاوية تبرئة حركتي حماس والجهاد، لأن هكذا وجهة نظر فيها قصور بائن، وفيها تبسيط وتسطيح للمعركة الفلسطينية والأممية مع شرطي العالم الفاجر، ولم ترَ خلفية القرار السياسية، الذي أرادت منه إدارة ترامب استهداف الوطنية الفلسطينية، ومشروعها التحرري، ووصمها بما ليس فيها، وفي ذات الوقت، قلب المعادلة السياسية رأسا على عقب من خلال تبرئة دولة الاستعمار الإسرائيلية من جريمة وإرهاب احتلالها للأرض الفلسطينية، ومن انتهاكاتها الخطيرة لأبسط حقوق الإنسان في فلسطين، وحرف الصراع عن مجراه السياسي والقانوني. فضلا عن تناقضه مع ما يزيد عن 700 قرار أممي صدرت عن الجمعية العامة نفسها طيلة الواحد والسبعين عاما الماضية من الصراع، وما يتجاوز الثمانين قرارا من مجلس الأمن الدولي، والمساواة بين الضحية والجلاد، بين القاتل والمقتول، بين رافض السلام والمناضل من اجله.
إذا انتصار الشرعية الفلسطينية في معركة أول أمس في الجمعية العامة بوقوف العالم معها، وإلى جانبها في مواجهة البلطجة الأميركية الإسرائيلية، كان انتصارا لمنظمة التحرير وللشعب الفلسطيني كله، ولأهدافه التحررية، ولنضاله العادل والمشروع، ولم يكن دفاعا عن حركتي حماس والجهاد، لأن مجرد القبول بمبدأ تجزئة المقاومة الوطنية، وإخضاعها للتصنيف، هذا أبيض وذاك أسود، والآخر أحمر فيه قبول بتمزيق الهوية الوطنية الفلسطينية، وفيه إقرار فلسطيني وعربي وعالمي، أن المقاومة الفلسطينية ليست لونا واحدا، وهو ما يفتح شهية أميركا وربيبتها الاستعمارية إسرائيل لقلب معادلة الصراع الفلسطيني العربي والإسرائيلي الصهيوني، وهو ما يسعى إليه أعداء السلام والعدالة السياسية والقانونية.
ولتكشف حركة حماس عن عجزها، وعقم رؤيتها، وغبائها السياسي (وقد يكون الأمر عكس ذلك من محاولات خبيثة لتعميق الانقسام والانقلاب، وهو ما تسعى إليه أميركا وإسرائيل وتنظيم الإخوان المسلمين الدولي)، ذهب رئيسها، إسماعيل هنية إلى متاهة الانزلاق في مخاطبة العالم والأمين العام للأمم المتحدة، غوتيرش، متجاوزا القيادة الشرعية وكل بديهيات العمل السياسي والدبلوماسي، معتقدا انه يعيش وسط قطيع من الأمم، حين أرسل رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، لكن القيادة الأممية أعادت الأمور إلى نصابها، وحولت الرسالة إلى الدكتور رياض منصور، ممثل دولة فلسطين فيها، والذي أعلن بوضوح شديد: انه لا يعمل ساعي بريد لدى هذا الفصيل أو ذاك، وانما يمثل الشرعية الوطنية وقيادة منظمة التحرير.
مع ذلك القيادة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، لم تتوقف أمام التفاصيل، ولم تفكر لثانية في اتخاذ الموقف الوطني الأصيل بالدفاع عن الذات الوطنية، وعن حق المقاومة بكل أشكالها بما في ذلك الكفاح المسلح، الذي كفلته قرارات الشرعية الدولية للشعب العربي الفلسطيني منذ أواسط سبعينيات القرن العشرين. وخاضت المعركة بجدارة عالية، وهزمت أميركا وإسرائيل ومن لف لفهم، وألقت على قفا هيلي قبل مغادرتها الأمم المتحدة مع نهاية الشهر الحالي ما يليق بها من العار والمخازي، وجعلتها تجر أذيال هزيمتها بمرارة.
السؤال الذي طرحه العشرات من ابناء الشعب الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي: هل استفادت حركة حماس من الدرس؟ وهل تعتقد قيادة الانقلاب أن القيادة الفلسطينية تنتظر “الشكر” و”عبارات التبجيل” للدفاع عن نفسها وخيارها ومقاومتها، وهي صاحبة الطلقة الأولى؟ إن كانت حركة الانقلاب صادقة (وهي ليست كذلك من وجهة نظري) فالفرصة أمامها لتغتنمها، وتذهب بسرعة ودون تردد إلى خيار المصالحة، وتنفذ اتفاق أكتوبر 2017، فهل تفعل؟

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا