فلسطين بين نكبة الماضي ونكبات الحاضر كتب أ. سامي أبو طير

إن النكبة التي حلت على فلسطين وأبنائها لم تكن نكبة طبيعية حدثت بفعل زلزال أو بركان مُدمر ، و يا ليتها كانت كذلك لتنجوَ الأرض من هول تلك النكبة إن لم ينجُ منها البشر، ولذلك فهي نكبة سوداء لم تعرف لها البشرية مثيلا من قبل ، لأنها كانت نكبة للحياة ممثلةً في ضياع الأرض و الإنسان .

إن نكبة فلسطين الكبرى تختلف عن باقي النكبات والمصائب التي تعرفها البشرية لأن تلك النكبة نتج عنها ضياع الأرض والإنسان معا وفي اّن واحد وهذا ما لم يحدث في جميع النكبات التي عرفها كوكب الأرض .

لذلك فإن معاجم اللغات تقف عاجزةً وقاصرةً عن إيجاد المفردات اللغوية لوصف النكبة السوداء التي حلّت على رؤوس أبناء فلسطين بعد أن وجدوا أنفسهم بين ليلةٍ وضحاها مُهجرين ومُشردين في شتى أصقاع الأرض و خارج أرضهم بعد أن فقدوا أعز ما يملكون من الغالي والنفيس ، بالإضافة إلى فقدان البيت ومرتع الطفولة والأحلام الجميلة واقتطاع الجذور الطويلة التي ارتبط بها الفلسطيني بوطنه منذ اّلاّف السنين .

النكبة الكُبرى والسوداء حدثت أمام مراّى ومسمع من العالم الحُر أجمع ، ولذلك تبقى نكبة فلسطين وصمة عار على جبين الإنسانية بصفة عامة وعلى جبين أدعياء العالم الحُر الذين ينادون بحرية الإنسان والحفاظ على حقوقه المختلفة بصفةٍ خاصة .

لأن ذلك العالم شاهد وصّور تلك النكبة بكل حذافيرها ومع ذلك وقف مكتوف الأيدي وعاجزاً حتى الساعة عن إرجاع أو رد الحقوق المُغتصبة والسليبة لأصحابها الفلسطينيين الأصليين أبناء فلسطين بعد أن تم تهجيرهم وتشريدهم من وطنهم على أيدي عصابات القتل والإجرام الوحشية الصهيونية .

نكبة فلسطين وصمة عار على العالم ومنظماته الأممية والدولية الذي أصدر قرارات كثيرة تنص على وجوب قيام دولة فلسطين وحق عودة أبنائها إلى وطنهم ، ولكنه لم يُلزم الكيان المسخ بتلك القرارات الورقية التي تبقى حبراً على ورق دون أدنى فائدة .

لذلك فإن ذلك العالم يكيل بمكاييل مختلفة لأنه بالأمس البعيد شرعن قيام الكيان الصهيوني المسخ ، وأما عندما يتعلق الأمر بفلسطين وعودة أبنائها وإقامة دولتها المستقلة ستجد ذلك العالم هو نفسه أول من يتصدى ويقف كالعقبة الكؤود في وجه الحق الفلسطيني الثابت لنيل الحرية والاستقلال .

لهذا سُـحقا للعالم الحُر ولجميع المُنظمات الأممية القابعة تحت لواء عُصبة الأمم المتحدة ، لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين أفعال السفاحين اليهود ومع ذلك فقد تاّمروا و تقاعسوا عن نصرة الأبرياء من أبناء فلسطين ، ولذلك فإن المجتمع الدولي بأكمله كان متآمراً حقيقيا على ضياع فلسطين ، بل أجزم أنه كان مُشاركاً فعالاً في إحكام حدوث النكبة السوداء لتهويد فلسطين وتسليمها لليهود ، وتلك حقيقة مؤكدة يؤكدها التاريخ ولا ينفي أضدادها بالمُطلق .

لأجل ذلك أؤكد بأن تلك النكبة الكبرى للشعب الفلسطيني ما كانت لتحدث بالمُطلق لولا التواطؤ والتآمر الدولي على فلسطين وأبنائها ، ولقد تجلّى ذلك التآمر والظلم التاريخي لفلسطين وشعبها بوضوحٍ تام ابتداءً من السماح للصهاينة بالتخطيط لسرقة أحلام أبناء فلسطين من وطنهم فلسطين لإقامة وطن صهيوني للصهاينة على أرض فلسطين ، وكانت تلك المؤامرة واضحة عند عقد مؤتمر بازل السويسري عام 1897م.

استمرت خيوط المؤامرة واستمر الظلم التاريخي والتآمر الدولي ليتوّج بوعد بلفور المشئوم عام 1917 م ، ناهيك عن التخطيط التاّمري المُسبق لتنفيذ هذا الوعد المشئوم ،وكان ذلك تحديدا قبل عام واحد من ذاك الوعد الملعون وفقا لمعاهدة سايكس بيكو من عام 1816م .

وللعلم فإن فلسطين لم تكن خاضعة تحت الحكم البريطاني آنذاك كي يُقسم ويوزع الهِبات لمن يشاء ، ولكنها خيوط المـؤامـرة الدولية الدنيئة على فلسطين .

تلك المؤامرة الدولية تم تطبيقها بحذافيرها لاحقا عندما وقعت فلسطين في قبضة الانجليز، ومن ثم قاموا رويدا رويدا بالعمل الحقيقي مع اليهود وتوفير جميع الأجـواء والظروف لتحقيق وإقامة كيانهم المسخ .

ولإضافة مزيدا من الرتوش الجميلة على المؤامرة فقد تحولت فيما بعد إلى صيغة قانون دولي أممي ،ولذلك كان قانون التقسيم الظالم لفلسطين بسبب التخاذل الدولي و الضغط الأمريكي على عُصبة اللمم في الجمعية العامة المتحدة عام 1947 م .

قانون التقسيم جاء ليتم إسدال الستار على المؤامرة في الخفاء ولتنتقل بذلك إلى العلن لتُصبح مساعدة الصهاينة حق مشروع في نظر تلك الدول الاستعمارية البغيضة .

الغريب والعجيب أن الكيان المسخ حظي بعضوية الأمم المتحدة مباشرةً بعد إعلانه قيام كيانه المسخ على أرض فلسطين في 15 اّيار عام 1948 م بعد إرتكابه لسلسلة جرائم ومجازر وحشية سادية لم تعرف لها البشرية مثيلا من قبل للوصول إلى تحقيق الحلم الصهيوني المشئوم على جماجم الشعب الأعزل من النساء والأطفال الأبرياء بعد الاستيلاء على الأرض وتطهيرها من سكانها الأصليين .

وهكذا فقد أصبحت دولة العنصرية الأولى عالميا والمسماة بـ إسرائيل هي أول كيان ينشأ على أرض الأخر بعد ارتكاب مذابح غير مسبوقة من تقتيل وتدمير وتهجير لسكان الأرض الأصليين ، ويُعزى ذلك إلى سياسة التواطؤ والمناصرة الدولية لذلك الكيان المسخ ، مما جعله فيما بعد يتجبّر ويتكبّر ويتوسع على حساب الأخرين وليترك الخراب والدمار والقتل والموت لكل أنواع الحياة أينما وطأت قدماه .

ونظرا لتلك السياسة المُنحازة للصهاينة كانت الاعتداءات الأثمة والمتكررة من دولة المسوخ الصهيونية على الأرض والحجر والشجر لتدمير الحياة في فلسطين ،ولم تسلم دول الجوار العربي من تلك الاعتداءات الاّثمة للعدو الصهيوني الذي ذهب بعيداً في غطرسته ليتمدّد ويتوسع ويحتل أراضي أخرى من دول الجوار تنفيذاً لأطماعه المذهبية والصهيونية بإقامة كيانه الأكبر لدولة المسوخ من النهر إلى البحر .

وما جميع الويلات والنكبات التي تحدث في المنطقة إلا نِتاجاً طبيعيا لغطرسة دولة الكيان الصهيوني الحاقد على كل إنسان ينتمي لجنس البشر وخصوصا إذا كان ذلك البشري عربي فلسطيني .

لقد ارتكبت العصابات الهمجية الصهيونية جرائم ومجازر وحشية يندى لها الجبين وتقشعر من هولها الأجساد ، و رافقتها السادية التامة في التفنن والتعطش لسفك الدماء من السكان العُزل لإحداث جرائم غير مسبوقة ينتج عنها أصداءً مُـرعبة ومُدوية لمن شاهدها أو يسمعها لينقل أخبارها المُرعبة مُحذراً الأخرين ، ومن ثم يحدث الأثر المرجو لتلك المجازر الهمجية بالهروب وترك الأرض خوفاً من القتل وهتك الأعراض .

لذلك كانت تلك المجازر البربرية التي ارتكبها الصهاينة غايةً في الفظاعة والبشاعة لتحقيق الهدف المنشود بتهجير وتطهير الأرض من أهلها الفلسطينيين العُـزل من السلاح بسبب سياسة التآمر الإنجليزي.

التآمر الإنجليزي مُتعدد الأنواع وأقلها تحريم حمل السلاح على الفلسطيني صاحب الأرض ومن يفعل ذلك يواجه الاعدام والموت ، وبالمقابل شجّع الصهاينة الأوغاد على امتلاكه و ترك لهم ثكناته العسكرية مفتوحةً يأخذوا منها ما يشاؤون ليفعل الكلاب الملاعين أفعالهم الهمجية والوحشية التي يندى لها جبين الإنسانية .

لقد كانت دير ياسين عنوانا لمجازر النكبة السوداء الكبرى وباكورة المجد الدموي المُخزي والمُكلل بالعار الأبدي لما مثلته تلك المجزرة من جرائم وحشية أو سادية غير مسبوقة في تاريخ البشرية.

وهنا سأذكر بعضاً من تلك السادية الوحشية لتلك المجازر المُـرعبة حتى لا تنسَ الأجيال القادمة وجوب معاقبة اليهود على جرائمهم المقيتة بحق أبناء شعبنا الفلسطيني لأن الجرائم لا تسقط بالتقادم ، وهنا أذكر على سبيل المثال لا الحصر بعضاً من تلك الفواحش التي فعلها اليهود بالسكان العُزل في دير ياسين :-

1 – التلذّذ بتعذيب الأحياء حتى الموت أمام عيون الأخرين دون أدنى اعتبار للأطفال والعُجز و …

2 – الاعتداء الوحشي على النساء أمام من تبقى من الأهل بعد تكبيلهم بالحبال ومن ثم قتلهم بكل وحشية.

3 – بتر الأعضاء والأطراف للأجساد وأصحابها أحياءً أمام العيون التي رأت من الخيال ما لا يوصف .

4 – ذبح النساء الحوامل وإخراج الأجنّة من بطون الأمهات وهن أحياء ، وبلغت الوحشية حداً لا يُصدق وغير مسبوق بالمراهنة على نوع الأجنة داخل بطون الأمهات ومن ثم فتح وبقر لبطون النساء لمعرفة الفائز .

5 – إلقاء الأطفال الصغار من فوق الأسوار العالية أمام أنظار أهاليهم وهم أحياء .

6 – بالإضافة إلى اقتياد مجموعة من الرجال الأحياء والطواف بهم داخل القدس إعلانا للنصر مثلما تفعل الجيوش البربرية والمتوحشة قديماً ، وبعد ذلك يتم إعدامهم أمام اليهود ليشربوا نخب العار بالانتصار على العُـزل والأبرياء ويقيموا دولة الخزي والعار الأكبر في تاريخ البشرية .

ذاك غيضٌ من فيض للكثير من الأفعال الهمجية والوحشية المُصاحبة للنكبة الكُبرى التي سقطت على الرؤوس كالصاعقة ، وتقشعر من هولها الأبدان عند القراءة أو الكتابة ، فما بالكم بمن عاصرها على الأرض ؟

أثرت الإشارة إلى ذلك والجميع يستذكر يوم النكبة الأسود كي لا ننسَ (ولن ننسَ ما حيينا) وكي لا ينسَ الأبناء من الأجيال الجديدة ما حلّ بالآباء والأجداد والأحبة الغوالي من نكبات وماّسي ، لنسترجع الإصرار والعزيمة من رحم الألم والمعاناة ونستجمع القوة اللاهبة داخل النفوس لتتفجر البراكين غضباً في وجه العدو الصهيوني الغاصب والمحتل للعمل بأقصى ما لدينا من أجل انتزاع الحـرية والعـودة وتحقيق الحلم الوطني الكبير بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين الحبيبة وعاصمتها القدس الشريف .

النكبة لا زالت مُستمرة رغم مرور سبعة وستون عاما على حدوثها في ذلك اليوم الأسود لأن العدو الصهيوني لا يزال يعربد ويعيث في الأرض فسادا وينشر الموت والخراب في كل مكان .

النكبة السوداء الكبرى عام 1948م تلاها نكسة أخرى عام1967م و نتج عن الأخيرة ضياع للمقدسات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية ، وتم القضاء على الأخضر واليابس وتهويد كل شبر من أرض فلسطين ، ولذلك كانت النكسة بمثابة نكبة أخرى وكُـبرى بسبب القضاء على الحياة مُجدداً بفعل اّلة الخراب والدمار الصهيونية.

النكبة لا زالت مُستمرة ونعايشها في كل يوم واقعاً ملموساً على الأرض من حصار ودمار وحروب وقتل وموت وخراب وهدم للبيوت على رؤوس قاطنيها ومصادرة الأراضي واقتلاع الأشجار وبناء جدران الفصل العنصرية ، ناهيك عن التهجير المُمنهج لأبناء القدس بالإضافة إلى حفريات الخراب والدمار تحت المسجد الأقصى لإسقاطه وتدميره من فوق سطح الأرض، بالإضافة إلى تدمير كامل لجميع نواحي الحياة بفعل الوحشية البربرية للعدو الصهيوني العاشق للدمار والخراب .

” لذلك فإن النكبة ليست ذكرى ولكن أصبحت واقعاً ملموسا لا زلنا نعيش مرارته وقسوته يوما بعد يوم “.

النكبة لا زالت مُستمرة بمصادرة الأرض و التهامها السريع من طرف غول الاستيطان القاتل وفقا لعملية تهويد مُمنهجة لمصادرة الأرض واقتلاع الفلسطيني من جذوره التاريخية ، وما يحدث اليوم وبالأمس من الحكومات الصهيونية المتطرفة والمتعاقبة إلا دليلا أكيداً على استمرار النكبة وضياع الأرض وتهجير أصحابها كما يحدث في القدس الشريف ومثلما حدث ونتج عن جدار الفصل العنصري الذي التهم اّلافا من دونمات الأرض الفلسطينية وشتت شمل الأحبة وباعدهم عن بعضهم بعضا لتستمر فصول المعاناة والنكبة السوداء .

النكبة لا زالت مُستمرة بالقضاء على الحياة بكل أنواعها مثلما نتج عن الحروب الأخيرة المتلاحقة والاعتداءات المتكررة على أهلنا في غزة والضفة ، حيث تم القضاء على البشر والحجر والشجر ناهيك عن الحصار القاتل الذي أصاب الحياة بالشلّل التام ، وكل تلك الالام والمعاناة استمرارا للنكبة الكبرى التي لن يندمل جُرحها الغائر أبدا .

النكبة واقعاً ملموسا نعاصره اليوم من خلال تشريد وتهجير أكثر من نصف مليون مواطن فلسطيني من منازلهم بفعل اّلة الحرب الهمجية الصهيونية الأخيرة على أبناء غـزة ،و التي قام فيها العدو الصهيوني المتوحش بقصف بيوت الاّمنين الأبرياء بالمدفعية الثقيلة وصواريخ الدمار المُميتة عشوائيا لمنطقة الشريط الحدودي لقطاع غزة والملاصق للخط الفاصل مع أرض الداخل المُغتصب لتفريغها تماما من سكانها .

نكبة التهجير والتشريد الكبرى لا زالت ماثلةً أمام العيون وبكل ماّسيها ومصائبها وتعتبر الحاضر الأكبر لحياة المواطنين المُشردين بلا مأوى يقيهم برد الشتاء أو حر الصيف في غزة .

النكبة لا زالت مُستمرة وأبناؤنا يهربون من ظنك الحياة ويهاجرون بحثا عن لقمة الخبز التي حرمهم منها العدو الاسرائيلي الغاشم بسب سياسة الحروب التدميرية لجميع نواحي الحياة وحصاره الخانق الذي نشر الموت في كل مكان .

النكبة مُستمرة ومُستمرة لأن أسرانا البواسل يموتون في سجون ومعتقلات العنصرية الصهيونية بسبب سياسة تفشي الأمراض القاتلة بينهم وفقاً لسياسة العدو الغاصب بقتل أبطالنا الأسرى كي لا يخرجوا من سجونه إلا وهم موتى أو أجسادهم مريضة تعاني من السرطان الذي يدسه سُماً لهم في لقمة الخبز المُرة خلف القضبان .

النكبة الكبرى لا زالت مُستمرة وتُطل علينا من جديد اليوم في الشتات البعيد ،حيث الماّسي والمعاناة من القتل والدمار والخراب الذي يواجهه إخواننا في مخيم عاصمة الشتات الفلسطيني “مخيم اليرموك” ، وما يحدث هناك في المخيم إلا استمرارا لفصول النكبة الكبرى من تشريد وتهجير لسكان المخيم ليهربوا بعيداً من الشتات إلى شتات أبدي أخر يكون بعيداً عن الديار من أجل خدمة الهدف الصهيوني لعدم تحقيق حلم العـودة إلى أرض الوطن .

وما الأوضاع المأساوية لجميع أبناء شعبنا الفلسطيني البطل في مخيمات اللجوء والشتات في سوريا ولبنان والعراق وغيرة إلا وتعتبر استمراراً وامتدادا للنكبة التاريخية الكبرى .

” يا ليتها كانت نكبة واحدة ولكنها نكبات يتلوها نكبات ”

النكبة لا زالت مُستمرة لأنها أصبحت نكبات متتالية وما زاد الطين بلة هو النكبة الأخيرة القاسية التي تُعتبر أم النكبات على الإطلاق إنها “نكبة الانقسام الأسود” بين شطري الوطن .

نعم الانقسام هو أم النكبات لأنه الهدية السوداء من البُلهاء للعدو الصهيوني كي يرقص ويعزف أجمل ألحان الشماتة والتشفي ، وهو يرى الأخوة وأبناء الوطن الواحد يقتل بعضهم بعضا لينتج عن الانقسام البغيض تقطيع أواصر المحبة و تفسيخ كامل للنسيج الوطني الفلسطيني الذي عجز عنه الاحتلال منذ قيام كيانه المسخ .

الانقسام الأسود هو أم النكبات لأننا نعاني منه في كل مكان وزمان لأنه موجود في البيت الواحد انقسام وفي المدرسة والشارع والمستشفى والمسجد والملعب يوجد انقسام وانقسام و”نكبة وانقسام” .

لذلك فهو أم النكبات ولعنة الله على الانقسام ومن يعمل على تكريسه .

العدو الصهيوني يرقص ويغني لأننا أصبحنا نلف وندور حول دائرة مُفرغة حول مصالحة عبثية يُلقي كل طرف فيها اللوم على الأخر، في حين أن العدو ينقض على الأرض وينهش في القدس ويستفرد بمصادرة الأرض ، ولا زلنا نائمين في الأحلام لأن الانقسام أخذ جهداً و وقتا طويلاً طويلا من طاقاتنا الوطنية لأجل القضاء عليه ، ولكن لم يحدث حتى الساعة رغم إدراك الجميع بأن الانقسام يخدم المصالح العليا للعدو الصهيوني !

لذلك فإن العدو الصهيوني يعمل جاهداً وبكل قوة لاستمرار تلك النكبة الانقسامية للأبد للقضاء على المشروع الوطني الفلسطيني الذي ضحينا من أجله بالغالي والنفيس من الدماء الطاهرة والقادة العِظام وقوافل الشهداء الذين عمدوا الأرض بالدماء الزكية ، ناهيك عن الاّلاّف المؤلفة من الأسرى البواسل الذين ضاعت زهرات أعمارهم خلف القضبان ، ورغم ذلك نتغنى ونتبجح بالانقسام .

لأجل ذلك ولأجل فلسطين ونحن نستذكر النكبة ونترحم على أرواح شهدائنا الأبرار ، ونقوم بإحياء يوم النكبة الكبرى كوطنيين أحرار من أبناء فلسطين الحبيبة في شتى أنحاء المعمورة من خلال مسيرات الغضب الهدّارة مؤكدين على التمسك بالأرض والتجذر فيها ، ومؤكدين على التمسك بالعـودة إلى أرض الآباء والأجداد مهما كلف الثمن للوصول إلى الحرية وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة .

لأجل ذلك فإن فلسطين تنادي ثم تنادي أبنائها الأحرار بالعمل الأكيد على القضاء على أم النكبات “الانقسام الأسود” ، وإعادة اللُحمة الوطنية لأبناء فلسطين في شطري الوطن لمجابهة العدو الغاشم صفاً واحداً كالبنيان المرصوص ، كما تناديكم فلسطين بألا تنخدعوا بألاعيب وحيل العدو أو فِخاخه التي ينصبها لكم للوقوع في حبائله الخسيسة ليتمكن منكم فرادى (فرق و تسُد) حتى يستمر الانقسام الأسود تنفيذاً لمخططاته و ماّربه الخاصة للقضاء على المشروع الوطني .

إن القضاء على النكبة والتخفيف من ألاّمها لا يكون إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف ، ولذلك يجب تفعيل الوحـدة الوطنية مهما كلف الثمن .

إن العجب العُجاب هو أن تمر سنوات كثيرة وشعبنا الفلسطيني يعاني و يعيش نكبة الانقسام بعيدا عن الوحدة ، علماً بأننا نملك جميع مقومات الوحدة الوطنية لأننا شعب واحد ولنا دين واحد ولغة وعادات وقيم وأخلاق و … وكل شيء في حياتنا واحـد .

بالرغم من ذلك استمرت نكبة الانقسام الأسود بسبب تفضيل المصلحة الحركية الخاصة على مصلحة فلسطين الكبرى والهامة ، بسبب الانصياع خلف مطامع حركية رخيصة بالمقارنة مع الهدف الأسمى للوحـدة الوطنية التي ينتج عنها الاتحاد والقوة الأكيدة للوصول نحو تحقيق الحلم الوطني الكبير بإقامة دولة فلسطين وعـودة اللاجئين وحُـرية أسرانا الأبطال وتحرير القدس عروس عروبتكم من دنس الغاصب المحتل .

سئمنا وتعبنا … كللنا ومللنا … هرمنا وشبنا … جفت الأقلام وطويت الصحف وبُحت الحناجر من كثرة النداء والمطالبة بتحقيق الوحدة بعيدا عن المحاصصة القاتلة ، وبعيدا عن التبعية والانجرار خلف الحاقدين النائمين بعيدا عن حدود فلسطين الذين يخضعون لأجندات بعيدة عن مصلحة فلسطين .

هل من حكماء يفقهون يا قوم أم أنكم تتلذّذون على ألاّم الشعب ؟

لذلك يجب أن تتوحدوا وإلا فحاذروا من غضبة شعبكم الذي يعاني ويعاني ، ولتعلموا أن براكين الشعوب تخرج دوماً من رحم المعاناة ، ولذا يجب عليكم إنهاء الانقسام واتمام الوحدة الحقيقية لأنه باختصار شديد أصبحت الوحـدة الوطنية مطلباً وعنوانا لدولة فلسطين وأبنائها في كل مكان .

لأجل ذلك كفانا ثم كفاكم تشرذماً وانقساما يا قـوم ! إن فلسطين الوطن الأغلى والأجمل والأحلى من كل الأوطان يناديكم بالوحدة وإنهاء الانقسام ، فهل تلبّون النداء ؟

لأجل النداء الأعظم ولأجل فلسطين الروح والجسد ، أفيقوا بالله عليكم للقضاء على أم النكبات ، وليكن قرارنا الوطني الفلسطيني المستقل هو الوحـدة الحقيقية لشطري الوطن لإفشال مؤامرات العدو الصهيوني ، ولنتفرغ لمواجهته ومقارعته في كل مكان لنحصد النصر الأكيد لفلسطين ، ولننتصر لأرواح ودماء الشهداء ليرقدوا أخيراً بسلام على أرض السلام .

أفيقوا ولبّوا نداء فلسطين بالوحـدة لننتصر غداً و ليرفرف علم فلسطين خفاقا عاليا في سماء الحرية من خلال إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .

كاتب ومحلل سياسي

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا