تراجيديا يحيى كراجة

بقلم: عمر حلمي الغول

كان يوم الخميس الماضي موعدا لإسدال الستار على مأساة يحيى كراجة، الذي حرق نفسه بعد ان ضاقت به سبل العيش، ولم يعد بإمكانه مع شقيقه عبودي (28 و30 عاما) مواصلة الحياة، طاقته نفذت، ووصل إلى آخر قدرته على الصبر. فذهب للممر الإجباري، خيار الإنتحار، الذي يرفضه، ولا يرغب به، ولم يتمناه، وكان يريد ان يحيى إسوة بباقي الشباب وابناء الشعب حياة كريمة بالمعايير النسبية، لم يطلب شيئا مستحيلا، كل ما كان يطالب به مأوى، أي مأوى حتى لو كوخ من ورق أو كرتون، أو من جريد البلح وفرشة إسفنج ومخدة او دونها، وحرام يتغطى به مع شقيقه عبوي، ولقمة نظيفة حتى لو كانت عبارة عن كوب شاي وخبزة طرية ليسدا رمقهما بها، وسطل ماء ساخن ليغسلا جسديهما به.
إنتحر يحيى، وهو يؤكد بملىء الفم في فيديو مصور : ” أنا لم انتحر، ولم اضرم النار في جسدي، انا إنفجرت من الأوضاع المأساوية”. وأضاف “سأزوركم في المنام حتى تستيقظ ضمائركم”. وجه التهمة لنا جميعا. لم يستثن أحدِ، مع ان المسؤولية تتدرج، ولكن جريمة فقدان يحيى، التي أنقذت عبودي شقيقه من ذات المآل فتحت الجرح الفلسطيني على الكم الهائل من المأساي الإجتماعية والإقتصادية والسيكولوجية، التي تضرب عمق المجتمع الفلسطيني، وبنيته القيمية، ومعاييره الأخلاقية، وأثر الإنقلاب الأسود لفرع جماعة الإخوان المسلمين على محافظات الجنوب، التي تعيش احلك لحظات التاريخ الأسود منذ قرون خلت.
طرق يحيى وعبودي كما قالا كل ابواب جهات الإختصاص لإيجاد حل لمشكلتهما، ومساعدتهما في العيش بالحد الأدنى من الكفاف، حتى عندما وجدا ضالتهم في احدى زوايا مستشفى الشفاء، طردتهما اجهزة امن حماس من تلك الزاوية. وحصل نفس الشيء عندما ذهبا إلى بيت إسماعيل هنية، طردهما الحرس الشخصي لرئيس حركة حماس. وجالا في الأزقة والشوارع والحارات بحثا عن ملاذ شبه آمن، لكن الأبواب أوصدت امامهما.
باع شقيقه نفسه لتاجر أعضاء بشرية مقابل أجرة نقله عبر نفق من غزة لمصر. لكن الصدفة المحضة، هي التي ابقت عليه حيا، حيث تبين ذلك التاجر ان أعضاء الشاب فيها خلل ولا تصلح للبيع، ونقلها لجسم آخر، مما دعاه لإن يعتقه؟! إلى هذا الحد وصلت الجريمة، تجار الأعضاء البشرية والمخدرات والدعارة والسلاح والموت والتلوث البيئي وإنتفاء العمل، ومصادرة ابسط حقوق الإنسان، حتى بيع الوطن لحسابات واجندات معادية …. إلخ من الموبقات، التي تنتشر كالفطر في قطاع غزة بعدما إستولت عليه حركة حماس بإنقلابها الحقير.
بالعودة للمسؤوليات تجاه موت الشاب يحيى يفترض في ميليشيات حماس كونها المتنفذة على الأرض القيام بإعتقال أعمام الشابين، ومحاكمتهم محاكمة علنية، وإيقاع اشد العقوبات بحقهم، على دورهم اللا إنساني بإغتصاب حقوق الشابين بعد وفاة والدهما، وزواج امهما في الأردن. وملاحقة كل من لم يساعد الشابين، ومن وقف وراء إنتحار يحيى التراجيدي. لإنه فعلا كما قال، ليس إنتحارا، بل إنفجارا في وجه الواقع ابائس والمريض والمتعفن في قيمه، مع ان شعبنا العربي الفلسطيني عرف على مدار العقود والقرون السالفة بالتآخي، والتكافل والتعاضد، لكن وحوش الإنقلاب الأخواني أمعنوا قهرا وتخريبا بإسم “الدين” و”المقاومة” وكلاهما براء من الإنقلابيين ومن والاهم، ويمضي في ذيلهم، ويروج لبضاعتهم الفاسدة.
مات يحيى إنتحارا، ولكن تراجيدية روايته الحقيقية لم تمت، ولا يجوز ان تموت. وعلى كل صاحب ضمير ان يستيقظ من غفوته، وان يراجع ذاته، وكلما إرتقت مسؤولية كل إنسان فينا، كلمات تضاعفت مسؤولياته تجاه الشعب ومصيره، وضرورة العمل لإنقاذ ابناء الشعب في محافظات الجنوب بالإنتخابات، بالمصالحة بدون ذلك، المهم لم يعد هناك مجال لتغطية الشمس بغربال ممزق. حماس ومن والاها مطلوب منها أن تطوي إنقلابها برغبتها أو بدون رغبتها، لا مجال للصمت والإنتظار لننقذ عشرات ومئات الآف الشباب من الجنسين من المآسي المرعبة، التي يعيشونها نتاج الفقر والفاقة والرذيلة والموت المعلن في وضح النهار في قطاع غزة.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا