بضاعة بلير الفاسدة

بقلم: عمر حلمي الغول

نشر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير مقالا بعنوان “المعضلة الفلسطينية” في عدد من المنابر الدولية والعربية، من بينها جريدة “الجريدة” يوم 13 شباط/ فبراير الحالي (2020) بدا للوهلة الأولى وكأنه يقف إلى جانب الحقوق والمصالح الفلسطينية، ولكنه جاء بالسم، الذي دسه في العسل المغشوش، حيث أراد دفع الفلسطينيين لمحرقة الصفقة الترامبية، عندما دعاهم للاستفادة من الصفقة، التي تحمل مواقف “إيجابية”، وعليهم ان “ينخرطوا” في الحوار مع القيادة الأميركية، التي حسب ما جاء في مقالته، وما صرح به أركان إدارة الرئيس الأفنجليكاني ما زالت “مفتوحة”، ولدى الإدارة الجمهورية الاستعداد للاستماع لملاحظاتهم. وتجاهل الثعلب العجوز، الذي انكشفت ألاعيبه منذ زمن بعيد من خلال ترؤسه للجنة الرباعية الدولية، أن الرئيس دونالد ترامب لم يبق على طاولة المفاوضات ملفا من الملفات الأساسية إلا وشطبه، واصدر بشأنه مرسوما بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل في 6 كانون أول/ ديسمبر 2017، ثم نقل السفارة من تل ابيب إلى القدس، وملاحقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ووقف المساعدات الأميركية لها، والطعن بعدد اللاجئين الفلسطينيين، والسماح بالاستيطان الاستعماري، وضم الجولان السورية، وضم الأغوار الفلسطينية، والسيادة الإسرائيلية على الأرض والجو والبحر والحدود… إلخ. ولم يكتف بما ورد، انما لم يتعرض لا من قريب أو بعيد لجرائم إسرائيل، ولا لسياساتها الاستعمارية، ولا لمصادقتها على “قانون القومية الأساس للدولة اليهودية” في تموز / يوليو 2018 بعد تدشين الصفقة الأميركية الإسرائيلية، وحمل المسؤولية كاملة للفلسطينيين، لانهم لم يتخلوا عن روايتهم التاريخية، وعن حقوقهم الوطنية، ويطالبهم بالتعري بشكل كامل حتى تطمئن إسرائيل الاستعمارية لهم.
كما ان بلير الفاسد يطالب الأشقاء العرب ان ينغمسوا في التطبيع المجاني مع دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون لذات الهدف، اي لمزيد من طمأنة قادة دولة الاستعمار على حساب حقوق اشقائهم الفلسطينيين، ويطالبهم بالتخلي الطوعي عن مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، والبدء من الصفر لاستجداء إسرائيل لتقبل بمنح الفلسطينيين بعض حقوقهم. وتناسى المتصهين الإنكليزي، ان القيادة الفلسطينية قدمت تنازلات مجانية هائلة عن الحقوق التاريخية، وقبلت بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، اي على مساحة 22% من فلسطين التاريخية، ولم يطالبوا، أو يتمسكوا بقرار التقسيم الدولي رقم 181، ولا حتى بحقوقهم التاريخية في كل فلسطين من النهر إلى البحر إستجابة منهم لقرارات الشرعية الدولية، ولطمأنة الصهاينة باستعدادهم للتعايش بسلام مع الدولة الإسرائيلية. ومع ذلك لا وجود لشريك إسرائيلي مستعد لبناء ركائز السلام الممكن والمقبول.
وتابع بلير مجونه السياسي، عندما حمل الأقطاب والدول المؤيدة لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، المسؤولية ل”دفع” الفلسطينيين إلى مواقف “عدمية”، و”جوفاء” و”لا تخدم مصالحهم”؟! وكأن الفلسطينيين بحاجة لمن يذكرهم بالحد الأدنى من حقوقهم الوطنية. وتجاهل عن سابق عمد وإصرار، ان الدول والأقطاب الدولية تتمسك بقرارات الشرعية الدولية، التي تبنتها الأمم المتحدة بمنابرها المختلفة: الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان واليونيسكو وغيرها، والتي تبنتها الإدارات الأميركية السابقة على إدارة ترامب، وكان آخرها القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2334 في 23 /12/2016.
توني بلير، الذي طردته القيادة الفلسطينية، ورفضت التعامل معه اثناء توليه رئاسة الرباعية الدولية نتيجة افتضاح مواقفه المعادية للحقوق والمصالح الفلسطينية، والمتواطئة مع خيار واستراتيجية دولة إسرائيل الاستعمارية، مازال يلعب ذات الدور الخطير من خلال محاولته تسويق البضاعة الأميركية الإسرائيلية النتنة، والمتناقضة مع ابسط معايير السلام، وتمثل انقلابا خطيرا على الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة. لكنه سقط سقوطا مدويا، كما سقط في السابق. ومقالته وما حملته مرفوضة جملة وتفصيلا، لانه نضح من ذات المستنقع الآسن. ويا حبذا لو ان البريطاني البشع يغزل بمسلة أخرى.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا