«نحن من عالم واحد»؟!

بقلم: حسن البطل

“المشتبه به رجل ذو ملامح شرق أوسطية”. هكذا كان يرد في الأخبار قبل سنوات.
قبل سنوات، سألت يابانياً في بيروت: كيف تميزون أنفسكم من سحناتكم المتشابهة؟ ضحك وقال: بيسر وسهولة، لكن يصعب علينا تمييزكم من سحناتكم؟
.. والآن، لماذا العنوان بين مزدوجين؟ لأنه كان عنوان مقالة أسبوعية كان يكتبها الشاعر الراحل معين بسيسو في “فلسطين الثورة – البيروتية” ..وبنفس إنساني – نضالي – سياسي عن حركات التحرر الوطني غالباً.
في زمن معين، كانت “العولمة” موضوعاً نضالياً، وفي زمن لاحق صارت موضوعاً ثقافياً، ولعلها أدركت لاحقاً الموضوع الاقتصادي (الشركات متعددة الجنسية) .. والآن وصلت إلى “عولمة” العناصر الأساسية: المأكل، والملبس، والمشرب .. ثم تخطتها إلى “عولمة” وسائل الاتصال.
أنت ترى الحدث في الزمن الحقيقي لوقوعه، ولو كنت في “حزمة ساعية” تبعد ٢٣ حزمة عن ساعة مكان وقوع الحدث (الأرض ٢٤ حزمة ساعية).
كانت، فيما مضى، فيزياء المكان تميز مكاناً عن مكان، والآن ستنافس شنغهاي عدد ناطحات السحاب في مانهاتن، وستقيم إمارة خليجية ثرية نسخة عن “متحف اللوفر” وإمارة أخرى نسخة عن “ديزني لاند”!
لغة إشارات السير واحدة في شوارع مدن العالم، وأنت تجد في كل مدينة ثالثية نصف عدد ماركات السيارات في مدينة من العالم الأول، وأي بلد لم تدخله “ماكدونالدز” ومن ثم “الشاورما” .. وحتى الفلافل، ويسألك الفرنسي: في أي مطعم ستأكل: الصيني، الياباني، الجزائري، اليوناني؟
يمكنك أن تعد ست ماركات من علب الدخان تجدها الأكثر شيوعاً في مدن على نطاق العالم، أو لم يعد لكل شعب غطاء رأس يميزه، أو زي شعبي يرتديه.. البنطال والقميص والسترة والمعطف تجعل الناس متشابهين، وأينما وليت وجهك سترى آفة – الاي فون تنقرها أصابع البشر (الزواج الهجين سيلغي فروقات العروق البشرية!).
هل نسيت شيئاً؟ السلاح مثلاً! خمس أو ست دول تحتكر معظم صناعات السلاح، ومعظم الجيوش تستخدم عيارات مختلفة في بنادقها، وصواريخ عابرة في ترسانتها، وحتى وسائل قمع الشغب وتفريق التظاهرات تتشابه من قنابل الغاز المسيل للدموع، إلى قنابل الدخان، وسيارات ذات مدافع الماء لتفريق الناس.
إذا حدث زلزال مدمر، أو وباء فتاك، أو مجاعة، أو فيضان ستجد دول العالم تضع خلافاتها على الرف، وفي كل مكان هناك هوس بالطاقة، وتبدو المدن الكبرى في الليالي وكأنها مجرات هبطت على الأرض، وصارت أنابيب نقل النفط والغاز تتقدم على أنابيب نقل المياه، كشريانات للحياة.
ما الذي لم يتغير؟ ربما إطار الأمم المتحدة، أو إطار مجلس الأمن بأعضائه الخمسة الدائمين ..الخ. ما الذي تغير في سياسات الدول من زمن الحرب الباردة ذات القطبين إلى زمن الحروب الأهلية من راوندا الإفريقية إلى العراق وسورية ومصر؟ كانت الولايات المتحدة تعشق زعماء في العالم الثالث من نوع “الرجل القوي” (سترونغ مان) ولو كان طاغية، وصارت تعشق الديمقراطية وتداول السلطة والانتخابات!
القمر كما يبدو من الأرض؛ الأرض كما تبدو من القمر، حلقات زحل كما تبدو من الأرض .. وأخيراً هذه الصورة: الأرض كما تبدو من قمر في حلقات زحل: نقطة صغيرة كانت فيما مضى “مركز الكون”!
“نحن من عالم واحد” حقاً، منذ حلم المفكرون بحكومة عالمية بعد أول قنبلة نووية فوق هيروشيما وناكازاكي .. إلى “محطة الفضاء الدولية” إلى فظاعات استخدام السلاح المحرم دولياً، وعلى رأسه الغازات السامة.
ماذا نسيتُ؟ اللاسلكي صار راديو، وهذا تلفاز، وهذه فضائيات .. وهذه تشوش عليك اتخاذ موقف ورأي بين الحق والحقيقة؟!

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا