1948 هي الحل

بقلم العميد: أحمد عيسى

يعيش الشعب الفلسطيني في مناطق العام 1948 على هامش دائرة التاثير السياسي الفلسطيني، منذ نشأة النظام السياسي الفلسطيني إثر بلورة المشروع الوطني الفلسطيني في أواسط ستينيات القرن الماضي وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وقد أصبح هذا الدور أكثر هامشية بعد توقيع أتفاق أُوسلو العام 1993، ونشأة السلطة الفلسطينية في المناطق التي احتلتها إسرائيل العام 1967. وقد بررت النخبة الفلسطينية عامة، والنخبة من فلسطينيي العام 1948 خاصة، البقاء على هامش التأثير السياسي، تأسيساً على معادلة جرى تطويرها في حينه، مفادها أن معالجة نتائج العام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود المناطق التي احتلتها إسرائيل في هذا العام، ستؤدي حتماً إلى معالجة نتائج العام 1948، سواء تلك التي تتعلق بحقوق فلسطينيي العام 1948، كمواطنين في دولة إسرائيل، أم تلك التي تتعلق بعودة اللاجئين.
ومن اللافت في هذا الشأن أن تهميش الدور السياسي لفلسطينيي العام 1948 فلسطينياً، قد ترافق بتهميش مماثل لدورهم وتأثيرهم في الحياة السياسية داخل إسرائيل التي أصبحوا حكماً من مواطنيها بعد العام 1948.
وبعد أن أصبح واضحاً للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، بمن في ذلك فلسطينيو العام 1948، لا سيما بعد كشف البيت الأبيض عن صفقة القرن، وإعلان حكومة إسرائيل عن مخطط الضم، وبدئها برعاية ومشاركة أمريكية في مسلسل التطبيع، أن إسرائيل ليس بواردها صناعة السلام مع الفلسطينيين، وأن الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 ليست في متناول اليد، ولن تكون بالمتناول في المدى البعيد، الأمر الذي يعني أن المعادلة السابقة التي بررت التهميش قد فشلت، ما يستدعي قلب المعادلة وإعادة الأمور إلى نصابها، أو بكلمات أُخرى التفكير من خارج الصندوق، لا سيما أن الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية الحالية كانتا سباقتين في قلب المعادلة، من خلال سن الأولى قانون القومية وكشف الثانية عن صفقة القرن بما في ذلك الضم والتطبيع، ثم في سعيهما لمعالجة نتائج العام 1948، فيما المطروح معالجة نتائج العام 1967.
المفارقة تكمن هنا في تزامن فشل الرؤية الفلسطينية القائمة على حشر معالجة الصراع في نتائج العام 1967، مع نجاح فلسطينيي العام 1948 بالخروج من هامش التأثير السياسي وانتقالهم إلى دائرة التأثير الفعلي في ساحات الفعل السياسي الإسرائيلي، الأمر الذي يمكن تلمسه في مكانة وتأثير القائمة المشتركة التي تحتل المكانة الثالثة في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، وفي تزامنها مع خروجهم كذلك من هامشية التأثير في الفعل السياسي الفلسطيني، واقترابهم العلني من دائرة صنع القرار السياسي، الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من مشاركة السيد محمد بركة رئيس اللجنة القطرية العليا (الكيان السياسي الجامع لكل الفلسطينين في مناطق العام 1948) يوم الخميس الموافق 3/ 9/ 2020، في لقاء رام الله-بيروت الذي جمع الأمناء العامين لفصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس الذي يجمع في شخصه رئاسة كل من منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية وحركة فتح.
قد يجادل البعض هنا أن مشاركة السيد بركة في هذا اللقاء لا تحمل في طياتها أي جديد، فمشاركة فلسطينيي الداخل في كل ما يخص الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة هي ديدن الشعب الفلسطيني، وقد يذهب البعض في جدله إلى أبعد من ذلك ليقول إنه ووفقاً لمخرجات هذا اللقاء، فقد أكدت هذه المخرجات على الدولة على حدود العام 1967، وفي ذلك إعادة لإنتاج فشل معادلة أن الحل على أساس العام 1967 يقود إلى حل لنتائج العام 1948.
وعلى الرغم من وجاهة هذا الجدل، فإن هذه المقالة ترى أن مواصلة تمسك الفلسطينيين بدولة على حدود العام 1967 ليست أكثر من تعبير عن موقف سياسي مؤقت، وليست تجسيداً لموقف استراتيجي ثابت عير قابل للتغيير، وأن الغاية من هذا الموقف في هذا الوقت هي تعميق عزل إسرائيل دولياً، وإظهار عنصريتها أمام الرأي العام العالمي، والعربي، واليهودي، علاوة على أنه يهدف إلى تجريد إسرائيل من أهم أسلحتها الديبلوماسية التي أثبتت نجاعتها خلال العقود الخمسة الماضية في تحميل الفلسطينيين مسؤولية إفشال مساعي تحقيق تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيما أنه قد أصبح واضحاً أن المآل النهائي للصراع يدور ما بين ثلاتة سيناريوهات: يدور الأول حول إعادة إنتاج نكبة جديدة بالفلسطينيين، أكبر وأوسع من نكبة العام 1948، ويدور الثاني حول إعادة إنتاج نظام عنصري أكثر عنصرية من نظام جنوب أفريقيا، ويدور الثالت حول دولة واحدة بحقوق متساوية للفلسطينيين واليهود.
وحيث إن السيناريو الثالت لا يبدو قابلاً للتحقق في المدى المنظور، يبقى الفلسطينيون وحدهم في مواجهة التهديدات المتضمنة في السيناريوهين الأول والثاني، ولما كان السيناريو الثاني أكثر احتمالاً للحدوث من السيناريو الأول لحسابات جيوسياسية لا يمكن تجاهلها إسرائيلياً، فإن مسؤولية فلسطينيي العام 1948 في قيادة استراتيجية مواجهة التهديدات والمخاطر المتضنة في هذا السيناريو قد تبدو أكثر مساحةً من مسؤولية أيٍّ من التجمعات الفلسطينية الأُخرى، لا سيما أنّ ساحات المواجهة في ظل هذا السيناريو تختلف كلياً عن ساحات المواجهة التي ألفها الشعب الفلسطيني حتى الآن، إذ تتطلب المواجهة في هذه الساحات جيشاً مختلفاً من حيث العدة والعتاد، الأمر الذي يتوفر في فلسطينيي العام 1948، ولا يتوفر بالقدر نفسه من الجودة والكفاءة لدى غيرهم من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض مناطق الشتات، ما يجعل منهم بحقٍّ فرسان المستقبل.

المادة السابقة
المقالة القادمة

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا