الرئيسيةمختاراتمقالاتكم ضحية تريدون قبل صدور قانون حماية الأسرة؟

كم ضحية تريدون قبل صدور قانون حماية الأسرة؟

بقلم: ريما كتانة نزال

جاء الخبر مقتضباً ومتعجلاً وخالياً من التفاصيل بقوله: تم العثور على جثة امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها، حامل وأم لطفلين، على درج منزل في قرية «النبي إلياس» من محافظة قلقيلية. سيذكر الخبر أنه قد تم القبض على زوجها بعد أن لوحظت آثار الضرب على جسدها.
لم يذكر الخبر أداة الجريمة التي تسببت في إزهاق روحين بضربة واحدة أو المدة التي مضت على الوفاة قبل اكتشاف الجثة. لم يذكر الخبر طبيعة سوابق الزوج سوى ما تناقله الناس من تعاطيه المخدرات، الذي يُخشى من ذكره تبرير الجريمة.
لم يذكر الخبر، وليس من واجبه أن يذكر، أن الضحية تتعرض إلى العنف بشكل متكرر، وأن عائلتها تعلم عن ذلك الكثير، وكلما لجأت اليهم شاكية باكية يردونها إلى بيت الجاني، والصبر والرهان على إصلاح الحال، لكن الجميع يعلم أن المسار العنيف يؤدي إلى القتل في نهاية المطاف، هكذا قال الواقع والاستطلاعات والمسوح. جميع حالات العنف الأسري المُبرح تبدأ وتنتهي كذلك، كيف أمنوا على ابنتهم مع رجل يتعاطى المخدرات والعنف.
لم ينفجر الإعلام الاجتماعي كما يحدث عادة في قضايا قتل النساء، الأمر الذي يبدو فيه بعض الاعتياد واللامبالاة المجتمعية المختلطة مع اليأس والإحباط من تحقيق التقدم على صعيد التعامل مع العنف الأسري المستشري، بسبب تلكؤ أصحاب الواجب وترددهم تجاه فرض الأدوات والوسائل المختلفة وإحداها إصدار القوانين كإحدى أدوات الحماية والوقاية والعقاب والردع، وفي مقدمة الأدوات في هذه المرحلة قانون حماية الأسرة من العنف.
وتشهد المسودة التاسعة على طاولة مجلس الوزراء عملية شدّ وتجاذب أدت إلى رفعه عملياً من الأجندة، كأحد ارتدادات الهجمة على القانون وعلى المؤسسات النسوية، وكأحد نتائج الصراع الدائر مجتمعياً بين القوى المستنيرة والحريصة على وئام الأسرة وتماسكها وبين القوى الرجعية المعارضة للقانون الذي يحيدهم عن عقد الصفقات وتبرير العنف والتغطية على ظاهرة العنف الأسري المدمر للأسرة.
تأتي قتيلة «النبي إلياس» لتزيد الحزن حزناً على رحيل الضحية الثانية والأربعين في هذا العام، امرأة تجاهل الخبر اسمها حتى أنه بخل عليها بذكر الأحرف الأولى من اسمها، امرأة في مقتبل الحياة لا يزال أمامها الكثير لتفعله على صعيد أسرتها. دون جنازة ستدفن قتيلة جديدة بسبب الوباء العام والخاص، لن يُفتح لها بيت العزاء، فكل شيء في المراسيم سيبقى مكتوماً ومخفياً.
هل تشوّهت الأخلاق العامة إلى هذه الدرجة، أم أن هناك تسخيفاً لفعل القتل والتعدّي على أرواح الآخرين في ظلّ خطاب يضع العنف الأسري في إطار المسؤولية التربوية للولي على الأسرة؟
هل بلغت الهجمة أوجها لتصنع كل هذا التأثير على الحكومة لتتوقف عن قراءاتها للقانون؟ وبالتالي اطمئنان القتلة الافتراضيين إلى غياب العقوبة الرادعة للمجرمين. إلى متى سنبقى نتحدث عن نساء يُقتلن بظروف غامضة؟ إلى متى سنبقى نطالب بالقانون الذي لا يبرر أو يحلل العنف، ولا يخفف عقوبته أو يغض الطرف عنه؟
هذه الجرائم تستمر وتتصاعد فقط لأننا لا نواجه الواقع المعاش وبسبب غياب الإرادة القيادية، ولا نملك سوى إحصاء أعداد القتيلات وكتابة بعض البيانات المنددة، ومن ثم انتظار أولويات الأجندة واتساعها للقضايا المجتمعية!
منذ أعوام سابقة، كنا نقفل السنة على دزينة من القتيلات أو أقل. أما اليوم وقبل إقفال السنة بلغ عدد ضحايا العنف الأسري على يد أحد أفراد الأسرة إحدى وثلاثين امرأة؛ علاوة على وفاة إحدى عشرة ضحية في ظروف غامضة كالانتحار، شنقاً أو بالسم أو الوقوع من مرتفع!
وتمضي الأيام في انتظار وضع معالجة العنف الأسري بين الأولويات، بينما يستمر أصحاب المسؤولية في التأجيل والتمرير وإزاحة العبء وتصغير الأمر، فلا أحد يرغب في تذكر ضحايا العنف الأسري، ولا يحفظ في أرشيفه سوى العدد الأصم، وبعض الوثائق لدى الجهات المختصة، لفرز موتهن الشاذ عن الموت الطبيعي.

 

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا