سهيلة .. 33 عاما على الغياب

في 11 كانون أول/ ديسمبر عام 1987، دارت مواجهات عنيفة بين الشبان وجنود الاحتلال الإسرائيلي، عند مدخل مخيم بلاطة شرق نابلس، ثم انتقلت للأزقة والشوارع بالمخيم.

راحت سهيلة الكعبي (52 عاما) تستعلم مع نساء المخيم عما يجري، لتجد جيش الاحتلال قد اقتحم المخيم، وأخذ يطلق الرصاص على المواطنين في كل حدب وصوب، في حين كان أحد أقاربها ممددا على الأرض نتيجة إصابته بالرصاص.

حاولت سهيلة الاقتراب منه، فباغتتها 3 رصاصات استقرت في بطنها، لتكون من أوائل الشهداء الذين ارتقوا في الضفة الغربية إبان انتفاضة الحجارة. نقلت على إثرها لمستشفى جمعية الاتحاد النسائي العربي.

ويصادف يوم غدٍ 9 كانون الأول/ ديسمبر، الذكرى الـ33 لاندلاع انتفاضة الحجارة التي انطلقت من مخيم جباليا في قطاع غزة، عقب استشهاد أربعة عمال على حاجز بيت حانون “ايريز” الاحتلالي، بعد أن أقدم المستوطن المتطرف “هرتسل بوكبزا” على دهسهم بشاحنته.

أدى حادث الدهس لاستشهاد كل من: طالب أبو زيد (46 عاما)، وعلي إسماعيل (25 عاما) من المغازي، وعصام حمودة (29 عاما) وشعبان نبهان (26 عاما) من جباليا البلد.

انتقل الغضب الذي عم مخيم جباليا، إلى مدينة نابلس، وانطلقت المظاهرات العفوية الغاضبة، والتي تحولت الى مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، لتعم بعدها كافة الأراضي المحتلة.

في هذه الأثناء، كان عادل الكعبي نجل سهيلة ينقل الجرحى والمصابين من مخيم بلاطة لسيارات الإسعاف.

“وأنا أنقل الجرحى، صرخ علي أحدهم بأن والدتي قد استشهدت”، يقول عادل لـ “وفا”.

كان وقع الخبر كالصاعقة على عادل، الذي اعتلى أسطح المنازل وراح يتنقل من سطح لآخر، في محاولة للوصول إلى أمه الغارقة بدمائها، وحين وصل منزله، وجد والده وأشقاءه، وعشرات النساء والمواطنين يلتفون حولها، بعد إحضارها للتو من المستشفى. وقف أمامها وراح يبكي ويصرخ بصوت عالٍ.

“الى الآن لا تذهب صورتها عن ذهني وهي تبتسم ووجها ناصع البياض”، يقول عادل.

ويضيف “قبل استشهادها يوم الجمعة، توافد عشرات الشبان للمنزل، يرفعون العلم الفلسطيني، استعدادا للمشاركة في المسيرة التي كان من المقرر انطلاقها عقب الصلاة احتجاجا على المجزرة التي ارتكبت بحق العمال، حينها كانت والدتي في المطبخ تحضر لنا الشاي”.

ويتابع “قبل أن نخرج قالت إنها خائفة علينا كثيرا. وبعد فترة من الوقت اقتحم جنود الاحتلال المخيم، واستشهدت والدتي”.

أخذت المواجهات تشتد، وارتقى شهيدان آخران في المخيم، هما: الطفل علي مساعد (13 عاما)، وسحر الجرمي، إضافة لإصابة أكثر من 30 مواطنا.

يتابع “في كل مناسبة وطنية، كان الجميع يجتمع في بيتنا، وكانت أمي تهتم بنا كثيرًا، تبث فينا الروح الوطنية العالية”. أمي كانت تجمع الأطفال والنساء في بيتنا، الجميع يحبها ويحب مجاورتها ومرافقتها في الزيارات. لديها شخصية قوية، وتسهر دائما على وجعنا وألمنا، الجميع يشهد لها بالخير”، يقول عادل.

ويستذكر “كانت أمي تذهب باكرا لتعبئة الجرة بالمياه من إحدى العيون البعيدة عن المخيم، وتصل أول واحدة، ولكنها تعود متأخرة، لأنها كانت تعطي الدور لكل نساء المخيم”.

ويردف “تغيرت الحياة بعد استشهادها، فقدنا عمود البيت، والحزن ما زال يرافقنا، فهي كانت من تجمعنا. دائما نتذكرها، خاصة وأن ذكرى استشهادها اقتربت”.

سهيلة ليست الوحيدة التي استشهدت من العائلة، ففي عام 1994، انطلقت مسيرة في المخيم تنديدا بالجريمة التي ارتكبها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين أثناء تأدية المواطنين لصلاة الفجر داخل الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل، حيث فتح نيران رشاشه تجاه المصلين، ما أسفر عن استشهاد نحو 50 مصليا وجرح أكثر من 349 آخرين.

حينها اندلعت مواجهات بين الشبان وجنود الاحتلال في أزقة المخيم، أثناء تشييع جثمان الشهيد ناصر الطيراوي، كان حاتم نجل سهيلة بين المشيعين، حيث أطلق الجنود الرصاص الحي صوب الموكب، ما أدى لإصابة حاتم برصاصة في رأسه، استشهد على إثرها فورا.

وفا- معن الريماوي

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا