روح الانتفاضة …

بقلم: حسن حسين الوالي

في بدايات عام 1990 لم يكن قد مضى على خروجي من الاعتقال سوى أشهر قليلة ..
كنت أشعر بغربة حقيقية بابتعادي عن ذلك الواقع الثورى الذي تشاركت في بنائه في المعتقل ليحمل باقتدار مسمى ” الاكاديميات الثورية ” بل اوسع من ذلك الى النواة الصلبة للممارسة السياسية الوطنية في الادارة والحوكمة بكل جوانبها أسسنا على خطى من سبقنا من العظماء مجتمعنا الفلسطيني الوطني رغم أنف السجان وقبضته الفاشية … عشنا بحرية بين جدران المعتقل … و كنا نضحى في سبيلها بكل نفس رضية …
هذه الحرية والثورة والتجربة زرعت فينا روح الانتفاضة …
رفض الاحتلال و الحنين للحرية والكرامة الوطنية .
هذه الروح هي التى جعلت الاشبال بعد خروجهم من المعتقل … يعودوا اليه او يرتقوا الى العلياء شهداء صقور او فهود على درب العاصفة مقاتلين اشداء …
بهذه الروح و هدير التكبير من مسجد العودة في مخيم جباليا يعلو … بتكبيرات العيد في بدايات عام 1990 … مضيت مع جحافل المخيم رجال ونساء …
على مركز الجيش …
هاجمنا قوات الاحتلال من نقطة صفر …
كنا مجموعة في الشارع الفرعي يمين ترنس الكهرباء في ساحة المركز ..
الامهات كنا يلقين الحجارة تحت اقدامنا في الشارع الضيق ونحن نتزود بقدرة ما نستطيع حمله … و نطلقها على جيش الاحتلال ثم نعود لنتزود بحجارة اخرى وهكذا دواليك في وتيرة شلت حركة الجنود ولم تمكنهم من اخذ وضعية اطلاق نار حتى هربوا …
كان جل تركيزى وحرصي على كلمتى الاخيرة و الشكل الاخير الذي سالقى فيه ربي شهيدا باذن الله ….
جيش الاحتلال المهزوم .. استنجد بقوات حرس الحدود الوحشية …
التى أتت من الناحية الجنوبية للمخيم من شارع النادي .. واندفعت بالرصاص قبل ان تنزل من الجيبات …
إحدى هذه الجيبات لم يستطع جنوده النزول منه من زخات الحجارة التى تنهمر عليه فاندفع بحركة عكسية للخلف الى مدخل الزقاق الذي كنا نواجه منه من مسافة صفر …
افرغت حمولتى من الحجارة على الجيب … الذي جنوده اخرجوا بنادقهم من فتحات الجيب بوابل من الرصاص نحونا ..
ثم استدرت لأتزود بالحجارة و انحنيت على الارض لالتقط الحجارة واستدير للمواجهة .. وانا مخدر بالحالة النفسية التى ذكرتها سابقا …
فاذا باحد الاخوة يمسك بي مشيرا الى اعلى الجهة اليسرى من صدرى …
قائلا : أنت تصاوبت ..
فنظرن الى مكان اشارته …
بقعة دماء حمراء كانت تلون بياض ثوبي الابيض ..
على الفور اخذنى الاخوة داخل الزقاق وصولا الى شارع دكان الحاج ابو عبد الله الكحلوت حيث كانت هناك سيارة اسعاف تابعة لوكالة الغوث متواجدة … ووضعوني فيها وانا اقول لهم : ان كويس ما فيش حاجة خلوني انزل …
ولكنهم رفضوا …
في عيادة الوكالة الذي اوصلتنى لها سيارة الاسعاف … كان ابن عمى الممرض ابو محمد .. طمأننى و قلت له : انا بخير .. فقال : انتظر ولم ينزلوني من سيارة الاسعاف …
التى حملتنى و انا مجموعة من الجرحى الى المستشفى الاهلى في مدينة غزة …
فمكان الاصابة لوجودها في منطقة قريبة من القلب تستدعي التصوير و فحوصات لا توجد الا في المستشفى ….
في المستشفى الاهلى … وضعنا على اسرة الاستقبال التى كانت ممتلئة عل اخرها .. واجريت لى الفحوصات وطلب منى الانتظار على سرير الفحص …
بدأت اعداد الجرحى تتوافد على المستشفى الاهلى بصورة تفوق قدرات المستشفى فقام الاطباء والكادر الطبي بالاختيار بين الاصابات الاخطر فالاقل خطورة … فاخليت سريري لحالات اشد خطورة … كانت بالعشرات … فالاحتلال اقترف مجزرة وما زال في مخيم جباليا …
نسيت اصابتي واخذت اتفقد الاخوة الجرحى القادمين …
الشهيد على ابو سمعان رحمة الله … اتى محمولا .. توجهت له بلهفة كان واعى ويتحدث جبل من الصمود و الرجولة …
سألته طمنى عليك كيف الاصابة …
رد بهدوء : الحمد لله اصابتي في البطن رصاصة واحدة و ان شاء الله انا بخير …
الشهيد على ابوسمعان لم يدرك بان تلك الرصاصة كانت من نوع الدمدم المتفجر المحرم دوليا والتى فتت لحم أبناء المخيم …
الرصاصة في جسد الشهيد على ابو سمعان …
مدخلها صغير ماكر …
و لكنها كانت تتفجر في جسده الطاهر وتقطع في احشائه … حتى استشهد بعد ساعات قليلة ..
استشهد الشهيد على … الجبل الشامخ … انزرع في ثرى فلسطين … ليزادد تمترس يمنحها روحه … الطاهرة …
فتدب الحياة في الانسان والارض و التاريخ … تنبض بروح الانتفاضة .

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا