الثائر الرشيق

بقلم: عبدالهادي راجي المجالي

لي أصدقاء من فلسطين، يهاتفونني وأهاتفهم.. وقد شد انتباهي فيلم عرض أخيراً لأحد المسنين الفلسطينيين وهو يقاوم الاحتلال، برشاقة متناهية تفوق رشاقة الشباب.. واجتاح الفيلم كل مواقع التواصل الإجتماعي.. سألتهم عنه, الأول قال لي: (كصدك أبو حطة وعكال) أجبت نعم.. ولي صديق جاء إلى عمان أخيراً سألته عنه فقال لي: (الختيار أبو مكليعة.. كصدك عنو).. أجبت بنعم.. وصديقي الثالث قبل أن أكمل السؤال قال لي: (هيذا من عنا.. دير جرير رام الله).. وسرد لي القصة..

لو تعلق الأمر بلقاء أو خطاب لسياسي فلسطيني, لما أعاروه اهتماما ولما عرف أحدهم به.. ولكن حين يتعلق الأمر بمقاوم أو شهيد, ففلسطين حتما تعرف كل شي.. في النهاية لايهمني اسم هذا المسن يهمني كيف ينادونه باللهجة الفلسطينية: (أبو مكليعة, أبو حطة وعكال).. لا يهم اسمه فالصورة تختصر كل الأسماء والتفاصيل.

كان رشيقا مثل فلسطين, بالرغم من الشيب والعمر واللحية والدشداشة, إلا أنه كان مثل فلسطين تماما.. يرمي بكل الأدوات المتاحة..(اليد, المقليعة) ويحتمي خلف جدار.. من الحديد لا أعرف من أين أحضره، والأهم أنه كان يتقدم صفوف الشباب.. ويثني الجسد حين تسدد إليه الطلقات المطاطية.. ويراقب مثل قناص جسور حركة الجنود, ويسدد (بالمقليعة)..

ماذا تفعل الآن يا (أبو مكليعة) كما يخاطبك أهلك، هل أنهيت صلاة الظهر.. ونظفت بالمسواك فمك الطاهر؟.. وربما الآن تقرأ بعض الآيات البينات من مصحفك الموجود في الجيب الأعلى من الدشداشة.. وربما ستتفقد أشجار الزيتون بعد القطاف.. وربما ستزور البنات.. والصغرى منهن تزوجت قبل عامين, ربما ستمر على حاجز وتبصق على جنود الاحتلال وترفع رأسك لله.. لم يعد لنا غير الله، وربما في لجة المواجهة كنت تشتهي طلقة في الرأس أو الخاصرة.. لم تكن تأبه بالموت فمن يتحرك بطريقتك, كأنه يشتهي الشهادة ويطلبها.. وربما سيقول لك الأحفاد, عن الفيد?و الذي تم تداوله على مستوى الوطن العربي, وستخبرهم أن سبب هذه الرشاقة هو الصلاة.. فأنت منذ (30) عاما لم تترك فرضا إلا وقمت بتأديته في المسجد.. وذهبت سيرا على الأقدام.. وعدت سيرا.

أنا لا أعرف ماذا أقول لك.. أيها المسن؟ أنت أصلا أعطيت درسا للأمة العربية مفاده أن فلسطين لا يوجد فيها صغير ولا كبير في السن.. الكل أمام الحجر يصبح رشيقا ويقاوم.. وأعطيت درسا في معركة الحجر, وكيف يسدد عبر كل الأدوات المتاحة وغير المتاحة.. وأعطيت درسا أخطر.. في فن النهاية, فمن يرى حركتك يؤمن أنك من طلاب الشهادة لاطلاب الحياة وصخبها.. وأعطيت درسا اخر للأمة في فن الحب وفن العشق الفلسطيني.. لقد سألت نفسي حين شاهدتك, لو كان هذا الرجل المسن مسلحا بكلاشينكوف أو يحمل (ار بي جي) ماذا سيفعل يا ترى.. كل هذا التمترس وا?رشاقة والتسديد وسلاحك هو الحجر..ماذا ستفعل لو كنت مسلحا مثل بعض الجيوش العربية؟

على كل حال قال لي أصدقائي من فلسطين: (أبو مكليعة).. وبعضهم قال: (أبو حطة وعكال).. وبعضهم قال: (هيذا من كرايبينا).. ليصنفوك ما يصنفوك في اللهجة الفلسطينية الجميلة والجذابة.. أما أنا فاسمح لي أن أقول.. أنك (ابو الأمة) كلها من طنجة وحتى شط العرب.

 

Abdelhadi18@yahoo.com

الثائر الرشيق – صحيفة الرأي

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا