حكومة إسرائيلية هدفها امتصاص أي احتمال للتسوية

بقلم: باسم برهوم

حكومة بأكثرية صوت واحد، وتضم ائتلافا من 8 أحزاب، هي الحكومة المثالية لامتصاص وصد أية ضغوط محتملة من إدارة بايدن أو من أية جهة دولية أخرى تحاول جلب إسرائيل إلى مفاوضات بشأن حل الدولتين، ولكن واقع هذه الحكومة الهش هو مناسب أيضا للإدارة الأميركية، التي من الواضح أن ليس من أولوياتها الانخراط بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلا من زاوية تأمين نوع الاستقرار النسبي عبر تحسين شروط حياة الفلسطينيين وتقديم بعض التسهيلات لهم منعا لأي انفجار مفاجئ.

إسرائيل التي لا ترغب برؤية دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانبها، لجأت في الماضي إلى سيناريوهات مشابهة، وتشكيل حكومات مهمتها الرئيسية امتصاص وإحباط أي احتمال قد يلوح بالأفق لتسوية سياسية جدية للصراع. ويمكن التذكير هنا بحكومة إيهود باراك التي تشكلت عام 1999، في حينها عمل الرئيس الأميركي كلينتون بكافة السبل لإسقاط حكومة نتنياهو، على اعتبار أن هذا الأخير قد شكل عقبة في وجه السلام، ولكن عندما تشكلت حكومة باراك كانت تعتمد على ائتلاف هش ضم، حزب شاس الديني المتطرف وكانت حجة باراك الدائمة، وفيما بعد أصبحت حجة كلينتون أن الائتلاف قد يسقط إذا تعرضت الحكومة إلى ضغوط أكثر مما يجب. ونذكر أن حزب شاس انسحب من حكومة باراك عشية انعقاد قمة كامب ديفيد عام 2000 الأمر الذي تحول إلى سلاح للضغط على الشهيد الزعيم الخالد ياسر عرفات من أجل إبداء مرونة أكبر كي لا تنهار حكومة “السلام” في إسرائيل، ولكن أبو عمار صمد في وجه كافة الضغوط، ولم يقدم في تلك القمة أي تنازل في قضايا الصراع الأساسية.

اليوم يتكرر المشهد فقد أبلغت إدارة بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت بأنها ستمنح حكومتهالوقت اللازم من دون طرح أية مبادرة لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فالرئيس بايدن لا يرغب برؤية نتنياهو يعود لرئاسة الحكومة ويضطر للتعامل معه.

في المحصلة إسرائيل تناور وتنجح في الغالب بمنع أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية، هذا الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل وتقوم بما يلزم لتحقيقه ولكن ماذا عنا نحن؟.

من دون شك أن هناك صمودًا فلسطينيًا وتمسكًا قويًا بالثوابت الوطنية، ولكن مشهد استمرار الانقسام وتعميقه يقدم مبررًا مجانيًا بتهرب المجتمع الدولي من أي التزام تجاه القضية الفلسطينية. ومن الواضح أن من مصلحة إسرائيل والأطراف الدولية بقاء هذا الانقسام أطول مدة ممكنة بالمقابل لماذا نقبل نحن باستمرار هذا الواقع الآخذ بالتعمق؟.

من الواضح أن هناك أطرافًا إقليمية ودولية نشطة جدا في تدخلها بأشكال مختلفة بالشأن الفلسطيني وهي التي عملت على حدوث الانقسام وتعمل على استمراره عبر المال السياسي واللعب على وتر التوازنات الداخلية بحيث يبقى الصراع مشتعلا بين القوى السياسية الفلسطينية، وهذا ما يفسر فشل كافة محاولات المصالحة. ولكن مع كل حجم التدخل الخارجي هذا فإن لنا مصلحة وطنية ذات طابع استراتيجي تحتم إنهاء الانقسام، وأن الرأي العام الفلسطيني عليه مسؤولية في الضغط من أجل تحقيق هذا الهدف فيجب عدم ترك المسألة للسياسيين وحدهم، كما يجب أن يقال بشكل علني عن الطرف المعطل وتحميله المسؤولية.

إلى جانب إنهاء الانقسام هناك ضرورة لوجود مقاومة شعبية على مدار الوقت ضمن استراتيجية متفق عليها وتحويل الاحتلال إلى احتلال مكلف بالنسبة لإسرائيل، كما يمكن تصعيد هذه المقاومة في مراحل محددة لتشمل كافة المناطق في آن واحد مرسلة للمجتمع الدولي الذي لا يتحرك إلا مع تصعيد المقاومة. المهم أن يكون القرار وطنيا يشمل جميع القوى لأن هكذا نمط من المقاومة يمكن أن يحقق نتائج ولا يتحول إلى مجرد جهد ضائع.

ومع معرفتنا التامة بنوايا إسرائيل والأساليب المراوغة للمجتمع الدولي وتواطؤ دول عربية، فإن على البعض الفلسطيني وقف الرهانات على قوى إقليمية لتنصبها قائدة للشعب الفلسطيني، لأن هذه القوى لا تريد أن ترى قيادة قوية للشعب بل على العكس فإن كل ما يجري ما هو إلا محاولة لإضعاف القيادة الوطنية الفلسطينية، لذلك فإن الكرة تبقى بملعب الفصائل للخروج من هذا العبث السياسي الذي لا يخدم سوى مصالح إسرائيل.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا