“الابتلاء” مصدرٌ ثلاثي مزيد من مادّة “بَلِيَ” بمعنى الخلوق والقِدم، ولمّا كانت خصوصيّات الأشياء الذاتيّة والعرضيّة تظهرُ وتنكشف بعد قِدم تلك الأشياء وصيرورتها بالية، فإنّه يُقال للامتحان ابتلاء.وكذا الحال بالنسبة للعبارة المتعارفة: “بلوتُ فلاناً” الحاكية عن الاطّلاع الكامل للقائل على خصوصيّات الشخص المقصود، فهي بمعنى: لقد انكَشَفَتْ خصائصه النفسانيّة لي بسبب طول الصُحبة.
كما أنّ ابتلاء اليتامى لدفع أموالهم إليهم في قوله عزّ من قائل: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى… فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} هو بمعنى: اختبروهم بأنْ تعهدوا إليهم بالأمور على نحو متكرّر حتى يتبيّن رُشدهم وتتكشّف قدرتهم على إدارة أموالهم بأنفسهم.
إذن فالاختبار والامتحان هو المعنى المُلازم للابتلاء وليس هو المعنى المطابق له، ومن هذا القبيل أيضاً (أي استعمال لفظٍ وإرادة ما يُلازم معناه) هو استخدام كلمة “الافتتان” ومشتقّاتها لإفادة معنى الامتحان، كقوله {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} (التوبة: 126)، وقوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا… وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (العنكبوت)
ذلك أنّ “الفتنة” في اللغة تعني الصّهر والتذويب، وإنّ المراد من قولهم: “فتن الذهب بالنار” هو تذويبه بها لاكتشاف خالصه من مَشُوبه.
وتأسيساً على هذا فإنّه تُستخدم أحياناً كلّ من كلمتي “الابتلاء” و “الافتتان” بدل الأخرى أو تأتيان سويّة، أو تجعل إحداهما مفعولاً مطلقاً للأخرى، كقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (الأنبياء: 35)
ما هو الابتلاء؟؟؟
