الكذب والممالقة.. وعلم السياسة

بقلم: فتحي البس

سأل الإسكندر معلمه أرسطو عن معلميه فأجاب: إنني لست مدينا لأحد، بل لمنطق الأشياء نفسها، وهو ما يمنعني من أن أمالق أو أكذب”. قرأت هذا القول في كتاب تاريخ الأفكار السياسية للكاتبين الفرنسيين مارسيل بريلو وجورج ليسكييه فعندما أجد أن العالم يضطرب ويشتعل وتحكمه تصرفات سياسيين بعيدين عن العلم والمعرفة والأخلاق، ولا يقيمون وزنا للحياة، بشرا وطبيعة، ألجأ إلى مكتبتي، أبحث في بطون الكتب عما يعينني على الفهم.
توقفت طويلا أمام سقراط وتلميذه أفلاطون، وتلميذ أفلاطون أرسطو، أفكارهم السياسية متباينة ورؤيتهم للسلطة وأصحابها وشروط امتلاكها مختلفة، لكنهم عاشوا فترة ازدهار أثينا وحروبها مع اسبرطة وتحالفاتها المتقلبة مع ملوك الفرس، وكان لأرسطو تأثير مباشر على الإسكندر، صاحب الفتوحات الأشهر في التاريخ، الذي تتلمذ على يد أرسطو، لكنه لم يأخذ بأفكاره السياسية، لكنه على الأقل لم يفرض على شعوب البلاد التي فتحها ثقافة اليونان بالقوة، بل ترك للتفاعل الثقافي والمعرفي أن يفعل فعله، ولعل مدينة الإسكندرية، مدينة العلم والمعرفة والثقافة شاهدة على ذلك.
لست بصدد عرض الكتاب ولا المفاضلة بين الأفكار السياسية ولا حتى عرضها، لكن إجابة سقراط أنه مدين فقط لمنطق الأشياء نفسها، فلا يكذب ولا يمالق هي ما أريد التوقف أمامها. كيف يفكِّر الساسة المعاصرون؟ لماذا يكذبون ويمالقون ويشنون الحروب؟ لماذا لا تعني الفضيلة والأخلاق لهم شيئا؟ وبالطبع يسيطر على تفكيري النظام الصهيوني العنصري المتمثل بالاحتلال، الذي يتخذ من الحرب والقتل وسيلة للعيش، فيما يرى أرسطو، أن غاية الدولة هي تأمين الفضيلة التي تنتج السعادة، وأن الحرب ما هي الا وسيلة يجب تجنبها إلا اذا كانت لهزيمة “البرابرة”، وهذه هي حال شعبنا الفلسطيني، المتمدِّن والمتحضِّر والمضطر إلى خوض الحرب بكل أشكالها لضمان سعادته وتمتعه بالحياة، والذي لا يدين لأحد، بل لمنطق الأشياء: احتلال يجب أن يزول، وكيف يتحقق ذلك؟ دون المقاومة ؟ ومواجهة الغرب الامبريالي المستعمر وعلى رأسه أميركا بسؤال الأخلاق في علم السياسة، لماذا تمالقون الاحتلال وتدعمونه بينما هو نقيض تاريخ الفكر السياسي العالمي كله، ونقيض مبادئكم التي تتشدقون بها وتوزعون العقوبات على الدول والأفراد بحجة التجاوز عليها؟؟
وفي ذهني أيضا، السياسيون و”المفكرون” العرب، خاصة بعض من في الساحة الفلسطينية الذين يكذبون ويمالقون بحثا عن المال والجاه والسلطة، دون التفكير بأن الفضيلة هي السعادة، وأنطلق في ذلك بمواجهتهم بالانطلاق من منهج أرسطو: من الجزء إلى الكل، ومن الخاص إلى العام: إذا كان الواحد منكم فاسدا، كذابا ومنافقا، لن يجلب لمجتمعه إلا الخراب، والتعاسة.

المصدر: الحياة الجديدة

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا