منصور والتواطؤ المعلن

بقلم: عمر حلمي الغول

لست مستغربا ولا متفاجئا من طروحات منصور عباس، رئيس كتلة “راعم” في الكنيست الإسرائيلي، وشريك بينت وشاكيد وساعر ولبيد ومن لف لفهم من الصهاينة الأكثر تطرفا في الائتلاف الاستعماري الحاكم عندما أكد دون حياء، أو شعور بالدونية، وقال في مقابلته مع صحيفة “كل العرب” يوم الخميس الموافق 25/ 11 الماضي “إسرائيل دولة يهودية شئنا أم ابينا”. وهذا لا يمت للحقيقة بصلة، لأن الصهيونية اغتصبت الديانة اليهودية، واليهود الصهاينة المضللون في إسرائيل، أو المتساوقون مع المشروع الكولونيالي الصهيوني، ليسوا أكثر من مرتزقة وأداة وظيفية استعملهم ويستعملهم وظيفيا الغرب الرأسمالي لخدمة أغراضه وغاياته الاستعمارية على أكثر من مستوى وصعيد سياسي واقتصادي وثقافي وأمني؛ لأن اليهود الملتزمين بالديانة اليهودية الحق رفضوا التساوق مع الأهداف الاستعمارية الوضيعة للغرب ولقادة المشروع الصهيوني. كما أن اليهودية كديانة ليست قومية، ولن تكون يوما قومية، ووصف الصهاينة بأنهم “مجموعة قومية” لا ينسجم مع محددات مطلق قومية في العالم، والأهم من ذلك لم يكونوا يوما شعبا واحدا؛ لأن المملكتين اللتين شكلهما اليهود في التاريخ القديم، كانتا عبارة عن ممالك ذات طابع بدوي إذا جاز لي التعبير من حيث طبيعة المكان وعدد السكان، وهم بدو رحل (متنقلون)، ولهذا سموا بالعبرانيين، لأنهم لم يستقروا في مكان واحد سوى أزمان محددة، كما أن التطور البشري آنذاك لم يرتق من حيث تطور قوى وعلاقات الإنتاج إلى المرحلة الاقطاعية، إنما كانوا في مرحلة البداوة. وبالتالي لا يجوز إضفاء صبغة القومية عليهم قديما وحديثا.
نعم، هناك هوية دينية وطائفية ومذهبية لجماعات بشرية، لكن هذه الهويات لا ترقى لإسباغ صفة القومية عليها، ولا يمكن وصفها تحت أي ذريعة أو تلفيقات فكرية سياسية بـ “القومية”، كما لا يمكن اعتبار الدين ركيزة من ركائز القومية، رغم محاولات بعض القوى والأحزاب في العديد من دول العالم الثالث بما في ذلك الدول العربية استخدام عامل الدين كجزء من مكونات القومية، وهذا غير صحيح. وبالتالي إسرائيل هي دولة استعمارية لقيطة تجمع سكانها الصهاينة مصلحة وظيفية مشتركة واحدة، هي استعمار أرض وتاريخ وثروات والموروث الحضاري للشعب الفلسطيني لخدمة أسيادها الأنجلو ساكسون ومن لف لفهم في الغرب والشرق الأوروبي ومن والاهم.
وهنا فرق بين الإقرار بوجود دولة، أو كما يطلق عليها البعض مفهوم كيان، وبين إسباغها بالطابع القومي، رغم أن تموضع مجموعة بشرية في مكان جغرافي واحد يعتبر إحدى ركائز الدولة القومية، إلا أن إسرائيل الوظيفية، مع أنها تتربع على جغرافيا محددة مع الصهاينة، الذين جاءوا بهم لفلسطين المنكوبة بهم وبالغرب، وأقاموا الدولة بالتزوير والتلفيق، لا تستقيم مكانتها مع الدولة الطبيعية، لأنها سلطة استعمارية، ومغتصبة لحقوق شعب آخر، لكنها لا تملك مقومات البقاء والاستمرار، مع أنها، كما ذكرت، قائمة على أرض ولديها مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقانونية، بيد أن المجموعة البشرية الموجودة على الأرض متعددة الانتماءات الإثنية، لا تحكمها لغة واحدة، رغم أنها رسميا تعتمد اللغة العبرية، إلا أن الجزء الأكبر منهم ما زال يستخدم لغته القومية الأم.
وتابع النائب منصور عباس زعيم الحركة الإسلامية الجنوبية (الاخوان المسلمين) أنه “غير نادم على خطوته دخول الائتلاف الحكومي، بل على العكس ففي كل يوم تتعزز قناعته، بأن القائمة الموحدة تسير في الاتجاه الصحيح”، وهذا بحد ذاته يعكس الإصرار على خدمة المشروع الصهيوني الاستعماري. وفي فقرة ثانية يقول “نحن لن نتنازل عن حقوقنا الوطنية والدينية والقومية والإنسانية، وهذه بالنسبة لنا خطوط حمراء لا نتجاوزها”. وهنا سأطرح على الزعيم الاخواني المسلم بعض الأسئلة: ماذا أبقيت من خطوطك الحمراء حتى لا تتجاوزها؟ وهل لديك خطوط حمراء سوى التناغم والتساوق مع المشروع الكولونيالي الصهيوني؟ ماذا قدمت للجماهير الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة؟ هل تعتقد أن إدراج المليارات الخمسة في الموازنة لصالح المجالس القطرية الفلسطينية مقابل الانضمام لحكومة بينت اليمينية المتطرفة وفرط عقد القائمة المشتركة لصالح الأجندة الصهيونية يستحق هذه المغامرة؟ والأهم هل تعتقد أن حكومة التغيير الصهيونية ستلتزم بما تعهدت به؟ وماذا عن قانون “كامينتس”؟ وماذا عن “قانون القومية الأساس للدولة اليهودية” الذي يقر حق تقرير المصير لليهود الصهاينة على كل أرض فلسطين؟ وماذا عن مساواة الجماهير في أراضي الـ48؟ وهل القوانين الإسرائيلية من ألفها إلى يائها تمنح أبناء فلسطين المتجذرين في وطنهم الأم ذات الحقوق التي تمنحها لليهود الصهاينة؟ وأين هي خطوطكم الحمراء؟ وماذا تمثل من مصالح الجماهير الشعبية الفلسطينية، ومستقبل كفاحها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتربوي التعليمي والديني؟ أين دور ومكانة اللغة العربية؟
لا أريد أن أناقش باقي ما حملته المقابلة مع فايز اشتيوي وسعيد حسنين، لأنها لا تخرج عن النقطتين المثارتين آنفا. مرة أخرى راجع نفسك إن كنت معنيا بالدفاع عن مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، الذين ما زالوا يعانون من الاستغلال والاضطهاد والعنصرية والفاشية، واستطلاعات الرأي الأخيرة قبل يومين تقول ذلك بعد انضمامكم للحكومة الأكثر تطرفا وعنصرية واستعمارا. وإذا كنت جادا ولديك انتماء لوطنيتك ادفع بعودة الانضمام للقائمة المشتركة، وغادر الحكومة المارقة، لأنها حكومة متعفنة أكثر من حكومات نتنياهو الخمس السابقة.
oalghoul@gmail.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا