الرئيسيةمختاراتاخترنا لكمحسين الشيخ ليس وحيداً في مواجهة التضليل الإسرائيلي

حسين الشيخ ليس وحيداً في مواجهة التضليل الإسرائيلي

كتب: ناصر دمج

أتابع الإعلام الإسرائيلي منذ سنوات طويلة، وأعرف العديد من الصحفيين الإسرائيليين المتابعين للشأن الفلسطيني معرفة شخصية، وأدعي بأنني مدرك لدوافع عملهم وطرقه، وكيف يبنون تقاريرهم وينسجون رواياتهم المضللة حول الحالة الفلسطينية، بما يخدم المآرب والأهداف السياسية العليا لدولتهم، ضمن ماكينة كذب وتعمية جبارة؛ ومزودة بما يلزمها من الموارد المالية والمخبرين الفلسطينيين، الذين قرروا العمل بالمجان لصالح تلك الماكينة بلا معرفة أو حسن تقدير للعواقب؛ وهذه قاعدة معيارية تصلح للتعامل مع المحتل الإسرائيلي، وكل ما يعبر عن وجوده على أرضنا.

ضمن هذه الخلفية، يمكن تقييم تركيز بعض الصحفيين الإسرائيليين المفرط، على شخص عضو اللجنة المركزية لحركة فتح “حسين الشيخ”، بعد انتخابه من قبل المجلس المركزي الفلسطيني، عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وقبل ذلك بكثير.

حيث بثت القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة بتاريخ 20 شباط 2022م، تقريراً معبأ بالحقد والتحامل على الرجل، أعده وقدمه الصحفي الإسرائيلي “تسفي يحزقيلي” وهو صحفي مستعرب؛ سبق أن خدم في وحدة المستعربين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما إنه يهودي متدين، ويناصب كل ما هو عربي وفلسطيني ومسلم العداء الجهري السافر، ومعروف بأنه معد مميز للتقارير الفاشلة، لجهة فشل تقريره المثير للسخرية حول الدور التحريضي للمساجد في الداخل الفلسطيني المحتل بتاريخ 15 تموز 2015م، وكيف حاول ربطها جميعاً بداعش، وحاول تسويقه لدى الرأي العام الغربي، لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، وتحول لمسخرة الصحفيين الإسرائيليين.

الصحفي المذكور، حاول عرض جهده الاستقصائي البائس، للإثبات بأن “حسين الشيخ” شخص منحرف ولا يصلح لقيادة الشعب الفلسطيني، مبدياً حرصه على مصالح الشعب الفلسطيني، الذي من الممكن للشيخ أن يبددها، بينما هي مهمة قامت بها دولته المحتلة لأرضنا وشعبنا.

ومن عيوب تقريره الذي يقطر حقداً وسم، إنه لم يذكر بأن الشيخ، رجل ثري أب عن جد، وهي حقيقة كان يجب أن تزين تقريره لمعرفة عموم الشعب الفلسطيني بها، لأن “الشيخ” ابن أسرة تنعم بالخير على تنوعه واتساعه من قبل ميلاده، وهذه حقيقة لها شهادة ميلاد مجتمعية راسخة وواسعة النطاق، وأن أجداد الشيخ امتهنوا التجارة الحرة، وتلك التجارة لم يصنعها الشيخ لنفسه بل ورثها عن الأباء المؤسسون لمهنة العائلة.

ومن عرف “حسين الشيخ” داخل الأسر الإسرائيلي وخارجه، يشهد له بحسن السيرة ونظافة ذات اليد، و مساهماته العديدة في الجهد الكفاحي العام، وتحمله لمقاطع عريضة من أعباء العمل، عندما كانت تنضب الموارد وتشح الإمكانيات لدى التنظيم.

إسرائيل تنظر لحسين الشيخ كما تنظر لأبي مازن

نظرة المحتل الإسرائيلي لحسين الشيخ تشبه نظرتهم لأبي مازن، الذي أعجبهم خطابه السياسي الليبرالي، مقارنة بخطاب المغفور له ياسر عرفات، لكنه أصبح فجأة إرهابياً دبلوماسياً، بعد ما أبداه من تمسك عنيد بالحقوق الفلسطينية، التي توافق على عدالتها المجتمع الدولي برمته.

وحسين الشيخ الذي أمضى العقدين الأخيرين من فترة عمله الرسمي، مكلفاً من قبل القيادة الفلسطينية بإدارة الاتصال مع إسرائيل، لم تبدي دولة الاحتلال نفسها أي إشارة من إشارات الانزعاج منه، لجهة حرصها العالي على مصالح شعبنا، وانذارها له عبر صحفييها المأجورين بوجود هذا الخطر.

في رؤية الشيخ للعمل السياسي تكمن المشكلة

قبل وبعد مقابلة الشيخ مع قناة الشرق السعودية بتاريخ 15 شباط 2022م، تمكن من عرض رؤيته للعمل، كمفاوض محتمل للإسرائيليين، بدلاً من المغفور له صائب عريقات، حيث شدد على تمسكه بالشرعية الدولية كمنصة تحكيم عادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الأمر الذي تسبب في ظني بإزعاج دولة الاحتلال أشد إزعاج.

لأن ذلك التمسك يمتن التشبث الفلسطيني بمطلب الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، بما في ذلك رحيل المستوطنيين، بمعنى أن الشيخ أولى الانسحاب أفضلية على غيره من الملفات الصراعية؛ كونه يعالج الملف المؤسس للصراع، أي صب الجهد حول كيفية الخلاص من الاحتلال العسكري ومحو كل ما نتج عن وجوده.

كما بين بشكل موفق، العلاقة التكاملية بين دعم صمود السكان وتثبيتهم في أرضهم والحيلولة دون هجرتهم، كتدبير مانع للنكبة الاختيارية، الناتجة عن عزوف الشباب والشابات عن التمسك بالوطن، بسبب صعوبات الحياة ومشقاتها، وهذا برأيي أمر يرتقي لمستوى الخطة، أي أن المقاومة الناجحة للمحتل، هي الناتجة عن تمكن الناس من الصمود في ديارهم لأطول مدى زمني ممكن، وهو ما وصفه الشيخ بالعامل الديموغرافي.

وهو نفسه الذي يقلق (إسرائيل)، ويشكل من وجهة نظرها مساً بتكامل مقاطع حلم الاستقلال الإسرائيلي، الذي يعني إطباق السيطرة على كامل فلسطين التاريخية الخالية من أي عربي.

وما قصده الشيخ أن الاستثمار في صمود الناس وتثبيتهم من خلال تلبية احتياجاتهم المعيشية والمدنية يؤسس للنصر، ويحول دون تكرار النكبات المحاقة للوجود الفلسطيني.

الأمر الذي لم يرق للإسرائيليين أبداً، لأن رؤيتهم للعلاقة المستقبلية مع شعبنا لا تتسق مع هذه الرؤيا، لأنها تدبر لأمر مختلف بالكلية، وهو ما لا يمكن للشيخ أن يكون شريكاً فيه؛ لأنه قائم على مواصلة مسيرة التصفية الوجودية لشعبنا، والمضي قدماً بمصادرة الأراضي وبناء المستعمرات، وتقسيم الديار لوحدات جغرافية منفصلة عن بعضها البعض، وإلغاء دور السلطة بصيغتها السيادية، واستبدالها بسلطات عشائرية متفرقة لكنها مرتبطة بالمحتل الإسرائيلي.

لتصبح كل مدينة دولة قائمة بذاتها،على غرار دول الإغريق المدينية، يُنصب عليها قيادات جديدة من خلفيات عائلية وأخرى تحدد بناء على تعاونها مع مشاريع المحتل وداعميه.

لكي تبقى الأشياء الأصلية على ما هي عليه؛ فإن أشياء أخرى يجب أن تتغير

لعل الشيخ، استنتج من موقعه المطل، هذه الحقيقة لالتماس نتائج مختلفة وجديدة للعملية التفاوضية، الأمر الذي لا يسمح بعد اليوم بمواصلة العمل بالوسائل نفسها، وتوقع نتائج مختلفة في نهاية الموسم، لهذا يرى الشيخ بأنه لا بد من إعادة ضبط القاعدة الحاكمة للعلاقة مع المحتل؛ بما في ذلك مقاومته ومفاوضته، وهي طرق تعامل حددت معاييرها وقواعدها الشرعية الدولية، بما فيها اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، والطيف الواسع من قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، كمرجعيات وحيدة للعلاقة بين الدولة القائمة بالاحتلال والشعوب المحتلة.

عدم القبول بتجزئة الملف الصراعي

والشيخ في ظني، مقتنع بأن العهد الجديد من التفاوض يجب أن يكون مغايراً للعهد الذي مضى، والذي تسبب بهدر العديد من المكتسبات التي كان بالإمكان تحصيلها، وعدم السماح بتجزئة الملف الصراعي، ومواصلة التفاوض مع المحتل الإسرائيلي، ضمن رؤيته (هو)، القائمة على تجزئة الملف الصراعي الرئيس، وصناعة عشرات الملفات الموازية كبديل لملف الانسحاب، حيث قلبت هذه المعادلة آلية تعاطي الفلسطينيين مع المفاوضات رأساً على عقب، أي تم الحديث عن المواضيع التي تتلو الانسحاب قبل أن يتم الانسحاب نفسه، وهذا ما جعل من العسير الاتفاق على أي موضوع، مهما كان صغيراً بعد مرور 25 عام على توقيع اتفاق إعلان المبادئ.

لأن تلك التجزئة تسببت في تشتيت المفاوض الفلسطيني، وألغت المفاوضة الشرطية حول الانسحاب من الأراضي المحتلة كموضوع مؤسس للصراع، وقادر على تسويته أيضاً.

لهذا فإن العهد الجديد من التفاوض مع المحتل الإسرائيلي، وفقا للرؤية نفسها، يجب أن يستبق بترسيم استراتيجية تفاوض فلسطينية جديدة، غنية باستخلاصات معمقة من تجربة المفاوضات السابقة، ومنها:-

أ- اعتماد قرارات الشرعية الدولية كرزمة واحدة، كمرجعية وحيدة لعملية التفاوض مع المحتل الإسرائيلي، وفي مقدمتها قرارات الأمم المتحدة بالخصوص والــ 30 قرار الصادرات عن مجلس الأمن الدولي منذ العام 1967م، وتطلب جميعها من إسرائيل الامتثال الكامل لقرارات الشرعية الدولية، ولاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة ووضع نهاية للاحتلال الأخير في التاريخ.

ب- لهذا فإن الشيخ على يقين، من أنه يجب تبني استراتيجية التفاوض الجديدة، على قاعدة مطالبة دولة الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وترك باقي الملفات كمحصلة للانسحاب، كملفي الاستيطان والجدار.

ت- إن إحراز أي تقدم في ملف الانسحاب، يعني بأننا نقترب من امتلاك الأرض وما عليها، وما في جوفها، بعد ذلك أنت تقرر مصير ما خلفه الاستعمار فوقها أو بداخلها.

ث- اعتناق هذا الاتجاه في التفاوض، من وجهة نظر الشيخ، يعني إننا نحسن تجيير ما منحتنا إياه الشرعية الدولية، كدعوة إسرائيل للانسحاب، وعدم الاعتراف بأي من سياساتها وتدابيرها المتخذة في الأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967م، وقرارات الشرعية الدولية في حالتنا الفلسطينية لديها قوة البندقية فيما لو كانت ملازمة للتفاوض.

ج- من أجل ذلك، يجب مواصلة البناء على ما دشن من تحولات بناءة في الداخل الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، ضمن اتساع نطاق التأييد العالمي العلني لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وسُجلت أقوى الإشارات بهذا الخصوص، من داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي، قبيل وبعد فوزه برئاسة الولايات المتحدة وإطاحة إدارة ترامب، وعبر التطور نفسه طوراً جديداً من التحديث، خلال المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية في ساحات المسجد الأقصى والشيخ جراح، واندلاع المواجهة الشاملة بينهم في شهر أيار 2021م، الأمر الذي مكن جيل جديد من الليبراليين الجدد في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، من أخذ زمام المبادرة، وتصعيد هجومهم الأخلاقي ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومراجعة المعايير العالمية لقياس درجة اقتراف الأطراف للأخطاء من عدمها؛ وفحص مدى انضباطها للقانون الدولي من عدمه، ومحاكمتهم على هذا الأساس.

ح- وهذا يعني، بأن الفلسطينيون مطالبون بمواصلة البناء على التحول المماثل، لدى دول الاتحاد الأوربي، آخذين بعين الاعتبار أن الأجيال الجديدة من الشعوب الأوروبية، هم من الذين ولدوا بعد نهاية الحرب الباردة، على عكس أجدادهم الذين عانوا من عقدة تعويض اليهود، عن ما لحق بهم من أذى من قبل الوحش النازي، وهذه الأجيال لا تأبه بالقيد (الصهيوني)، وهي عاقدة العزم على التحلل منه؛ وباتت حرة في طريقة تفكيرها، وفي كيفية خروجها من صندوق التفكير النمطي الأوروبي والأمريكي تجاه اليهود، والخوف من تكرار المحارق العنصرية البغيضة؛ ما جعلها أكثر تقبلاً للرواية البديلة، المخاطبة للعقل والمتسقة مع منطق الأشياء والتاريخ والقانون الدولي.

واعتقد بأن الشيخ، مقتنع بأن تغيير استراتيجية التفاوض الفلسطينية، ستسهم في تغيير آلية عمل المجتمع الدولي، المتكيفة مع الوضع الراهن في الأراضي العربية المحتلة، وتؤيد نظرياً حل الدولتين الذي بدده فعلياً المشروع الاستيطاني الإسرائيلي المكثف، الأمر الذي أفضي إلى إطالة أمد الوهم حول حل الدولتين، واستدامة الاحتلال العنصري.

وهو ما يجب أن يدفعنا دفعاً، لمواصلة البناء فوق التغيرات التي يشهدها الرأي العام في الولايات المتحدة وأروبا، لتعظيم الدعم العالمي لمساعي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.

وهو مقتنع بعدم القبول بالتفاوض حول القدس كملف مستقل، والغوص في الاقتراحات المضللة، كتبادل الأراضي والعاصمة الإدارية في أبو ديس وغير ذلك من اقتراحات خبيثة.

ومصر على عدم القبول بالتفاوض حول المستعمرات كملف مستقل أيضاً، لأن الإسرائيلي سيغرق المفاوض الفلسطيني، في دوامة عسيرة ومعقدة من بيع وتسريب الأراضي والعقارات وحق الدولة القائمة في التصرف بالأراضي الأميرية، وهو ما سينتهي إلى حل وسط معه، بما في ذلك قبول فكرة تبادل الأراضي حول القدس، أي إنك ستمنح المحتل شرعية تملكه لعشرات المستعمرات.

ومصمم على عدم القبول بأي فكرة، تؤدي لتحسين شروط العيش تحت الاحتلال والخلط بين المكتسبات المعيشية والمكتسبات السياسية العليا، لأن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي سلطة احتلال عسكري عنصرية وسيئة النية، لهذا يجب التمسك بهدف إنهاء الاحتلال بشكل كامل وشامل ضمن أي جولات تفاوضية جديدة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا